أبجديات: بقلم - عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

كيف ومتى ولماذا يكتسب الرجل تلك الشرعية المطلقة في التصرف كيفما يشاء, بحرية عجيبة تصل احيانا كثيرة حد اختراق الثوابت, وتقفز على قيم العيب والخطيئة, وتعاليم الحلال والحرام, فقط لأنه .. رجل؟؟ ومنذ البداية, حيث مراحل التكوين, لايرغب الرجل اطلاقا ان يكون بكره القادم انثى, وحين يتربى الصبي مع شقيقته يعي وجدان الصبية احتفائية غريبة بشقيقها لاتحظى بشيء منها ولاتطمح فيها ابدا, لانها (بنت) وهو (ولد), وتجدل وأعلى من أسئلة حقيرة تقذف في وجهها إذا تجرأت فتأخرت عن العودة للمنزل, أو تفوهت بشىء مخالف أو انتهكت المقدسات واعترفت باعجابها بابن الجيران. بينما شقيقها الخارج والعائد وقتما يعن على باله, والمتأخر في دروسه دوما, والذي ضبط مرة متلبسا بجرم التدخين, وأخرى بامتلاء خزانته بصور نساء عاريات, وثالثة بمعاكسة فتاة مجهولة, ورابعة بـ ... الخ, هذا الفتى لايتجاوز عقابه أكثر من التوبيخ وتوجيه بعض اللوم والحرمان من المصروف لعدة أيام, ثم ينتهي كل شيء!! بينما يختلف الأمر معها تماماً. في العمر الصغير تنهمر الأسئلة الكبيرة من عقل الطفلة, وعندما تغرق الحياة حولها في نهر أسئلة بلا إجابة تكتفي بجواب الوالدين: انه ولد, انه رجل! وتحت مظلة الشرعية الذكورية يستبيح الكثير من الرجال - ان لم نقل معظمهم - محرمات الحياة مكتسبين بحكم قوانين التربية والتنشئة, موافقة مجتمعية تتحول استسلاما, ثم اعتيادا, ثم تراثا غير قابل للجدل أو النقاش. ألم نصل إلى الدرجة التي لا ندهش فيها ولانشمئز, بل نتقبل ونوافق بكل بساطة على ما يأتيه الرجال من تصرفات أيًّا كانت, فإذا علقنا عليها كان تعليقنا تعبيراً صارخاً عن الازدواجية والتسليم بسيادية الخطأ وتعميمه. لقد صرنا نتلاءم مع الخطأ لدرجة الفجيعة, ألم نسمع هذه الجمل الحوارية مراراً وبنفس التعليقات: (الشباب يعاكسون الفتيات بشكل مخز في المراكز التجارية), عادي, طبيعة سنهم تسمح لهم! (الشباب يتسببون في ازعاج الآخرين بمعاكساتهم الهاتفية) عادي, مرحلة وتمر من عمر كل شاب! الشباب لايذهبون لذلك البلد السياحي لمشاهدة الآثار وخلافه, فآثارهم محصورة في الكازينوهات وعلب الليل المنتشرة في شارع (....) عادي جدا! الشباب متلبس بمشاهدة الافلام الخلاعية, عادي, له علاقة بامرأة, رغم انه متزوج! عادي. ولاندري ماهو غير العادي في نظر البعض, ولماذا وصلنا الى هذه القناعات المغلوطة, والمقلوبة, والمفجرة لكل قوانين العقل والمنطق وسائر الأديان. يظل الرجل (عفيفاً) طاهر الشرف, لايمسه شيء, ولايطاله مكروه, فقط .. لأنه رجل! فإذا جاء ليتزوج غُفرت ذنوبه ولو كانت كزبد البحر, وفي غمضة عين, ومضى منتصرا, لقد كسب الأولى والآخرة. لقد فصلنا للرجل لغة عقاب وثواب تكرس قدسيته, مطلوب محاكمة الوجدان والثوابت العامة, وانتشال ما بقي قبل أن يتحول كل شيء إلى حطام.

Email