مع الناس: بقلم - عبد الحميد احمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

بما أن الاتفاق بين العراق والأمم المتحدة الذي أنهى أزمة المفتشين سوف يبقى في صدارة الأخبار للفترة المقبلة, فأعود إليه اليوم, ايضا, لكي أسير في الركب وعملاً بالحشر مع الناس عيد. العيد هذا في بغداد وحدها حيث تصف الاتفاق بالنصر, لذلك لن أحشر نفسي بين البصلة وقشرتها, أي بين العراقيين وعيدهم, بل أتجول فيما رشح من أخبار الاتفاق, لأن بعضها على غرابته قابل للتصديق, ان لم يكن فعلاً هو الحقيقة فقد عرفنا أن مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الامريكية التقت سراً كوفي عنان في منزله بنيويورك قبل سفره الى بغداد بيومين, وسلمته الاتفاق الذي وقعه لاحقاً مع القيادة العراقية, وهو الخبر الذي كشفت عنه نيويورك تايمز, واضاف ان الاتفاق كتبته أولبرايت. وأولبرايت وقفت قبل يومين في الكونجرس الامريكي تدافع عن الاتفاق وعن عنان في مواجهة الجمهوريين الغاضبين, أكثر مما دافعت عن أي قضية اخرى منذ توليها الخارجية, فيدل ذلك على ان عنان والاتفاق صارا قضيتها, لانهما في الاساس من صنعها, أو الاحرى صنع الادارة الامريكية التي تتحدث باسمها وتنفذ سياستها الخارجية. فإذا اضفنا لما سبق أن كوفي عنان نفسه لم يكن يقبل الذهاب الى بغداد إلا بعد ان اشترط ضمانات لنجاح مهمته, فإننا قد نصل الى أنه حصل على هذه الضمانات من بغداد عملياً, وهذا قد يعني ان بغداد اطلعت على نص مشروع الاتفاق حتى قبل أن يطير عنان إليها, فأبدت موافقتها على المشروع. ويمكننا ان نربط ضمن هذا السيناريو الخبر الذي نشرته جريدتنا (البيان) منذ يومين بإلغاء غامض لزيارة محتملة أو شبه مؤكدة كان يحضر للقيام بها معاً كل من عمرو موسى وفاروق الشرع, وزيرا خارجية مصر وسوريا, الى بغداد, فلا يبقى امامنا من سبب لإلغاء هذه الزيارة سوى إبلاغ دولتيهما ان اتفاقا في الطريق سبقهما الى بغداد, ما يجعل زيارتهما فعليا غير ذات جدوى. هناك أيضاً تصريحات للملك حسين من ان بغداد عرضت على واشنطن فتح حوار مقابل تسهيل التفتيش, وانه نقل رسائل بهذا المعنى بين الجانبين, مايفيد ان القيادة العراقية ليست ضد التفتيش كما تظهر الازمة التي افتعلتها, بقدر ماكانت تسعى للاستفادة منها, وتحقيق حوارها الذي تتمناه مع واشنطن, فيما ترفضه هذه حتى الآن, وظاهرياً على الأقل. النتيجة التي ننتهي اليها ان هناك ازمة انتهت, على الاغلب كانت مفتعلة كعادة النظام العراقي, وان التفتيش سيمضي قدما, وان صدام حسين باق في مكانه ومنتصر في أعين العراقيين, وان القوات الامريكية عززت وجودها في المنطقة وستبقى لفترة مقبلة, وان كلينتون انتصر ايضا عند الامريكيين لانه الذي فرض الاتفاق. هل كنا اذن امام تمثيلية اخرى من دون ان نعلم؟ الواضح اننا هذه المرة يجب أن نصدق الزعيم الليبي معمر القذافي الذي صرح بدوره ان صدام وكلينتون طرفان في تمثيلية ويستحقان عن دوريهما جائزة الاوسكار, وهو محق, فالتمثيلية من الاتقان الى الدرجة التي لاتصدق.

Email