بعد أوروبا اليمن يتجه نحو النمور الآسيوية : بقلم- نصر طه مصطفى

ت + ت - الحجم الطبيعي

بجولته الآسيوية الاخيرة التي شملت ماليزيا والصين واندونيسيا يكون الرئيس اليمني علي عبدالله صالح قد قطع شوطا هاما في اعادة الثقة الى السياسة الخارجية اليمنية التي تضررت اثناء ازمة وحرب الخليج الثانية قبل اكثر من سبع سنوات, وبنفس القدر يكون الرئيس اليمني قد انجز خطوة هامة في اعادة الثقة بالاوضاع الداخلية في اليمن والتي تضررت اثناء الازمة السياسية الداخلية وانتهت بحرب صيف 94... وتأتي هذه لجولة استكمالا لجولة اوروبية قام بها خلال شهور سبتمبر واكتوبر ونوفمبر 1997 زار خلالها على التوالي كلا من المانيا وفرنسا وبريطانيا... ومن المتوقع ان يقوم بجولة اخرى قبل نهاية العام الحالي تشمل اليابان وكندا وقد تشمل كذلك الولايات المتحدة الامريكية وكوريا الجنوبية. ولم تكن اليمن بحاجة الى مثل هذه الجولات الخارجية كما هي اليوم لاسباب سياسية واقتصادية في الوقت نفسه فهي لا تعاني فقط ضائقة اقتصادية حادة ولكنها كانت تعاني ايضا من حالة حصار سياسي غيرة معلن اخذت تنفك تدريجيا منذ الجولة الاوروبية اواخر العام الماضي, ومنذ اجتماع الدول المانحة في بروكسل لدعم برنامج الاصلاح الاقتصادي في يوليو الماضي, ثم اجتماع نادي باريس واسقاط المديونية الروسية عن اليمن في نوفمبر الماضي ثم بالجولة الاسيوية الاخيرة. ومن خلال وجودي ضمن الوفد المرافق للرئيس علي عبدالله صالح في زيارته لكل من ماليزيا والصين واندونيسيا والتي ختمها بزيارة مفاجئة لدولة الامارات العربية المتحدة ومتابعتي عن كثب للجولة التأكيد على انها حققت نجاحا سياسيا واقتصاديا رغم الظروف الصعبة التي تمر بها ماليزيا واندونيسيا نتيجة الازمة المالية التي عصفت بهما خلال العام الماضي ولولا متانة البنية الاساسية للدولتين لحدث الانهيار الكامل... ومع ذلك فقد ابديتا استعدادا للتعاون مع اليمن لمسناه بشكل واضح في ماليزيا وبدرجة اقل في اندونيسيا اما الصين فكانت المحطة الاهم في الجولة... وقد اعدت الحكومة الصينية برنامجا حافلا للزيارة يعبر عن مدى اهتمامها بالعلاقات التي تمتد لاكثر من اربعين عاما وقد بدا ذلك واضحا من خلال الكلمات الودية للرئيس الصيني (جيانج زيمين) في جلسة المباحثات الرسمية ثم في حفل العشاء الذي اقامه على شرف الرئيس صالح وغنى فيه اغنية (وردة جميلة) بمصاحبة فرقة الموسيقى التي كانت تعزف اكثر من عشرين لحنا رائعا من الموسيقى العالمية والصينية واليمنية... ولانه من النادر ان يفعل الرئيس زيمين ذلك فقد كان ذلك تعبيرا عن حبه لليمن وحفاوته بالرئيس علي عبدالله صالح الذي يشهد له من يعرفه على قدرته الفائقة في خلق علاقات حميمة مع القادة والزعماء وكسب ودهم واحترامهم. وقد حمل الرئيس علي عبدالله صالح الموقف العربي من الازمة العراقية ــ الامريكية الى الصين ليجد دعما واضحا للموقف العربي ورفضا قاطعا لضرب العراق... ودعا البيان المشترك الصادر عن البلدين الى خلق نظام دولي متعدد الاقطاب بهدف اقامة نظام سياسي واقتصادي ودولي جديد على نحو عادل ومتوازن.... الامر الذي يعكس بجلاء مدى النجاح السياسي الذي حققته الزيارة. اما في الجانب الاقتصادي فلقد قدمت الحكومة الصينية قرضا لخفض الفوائد بقيمة 100 مليون يوان صيني ومساعدة بقيمة 20 مليون يوان كما قرتر انشاء جسر للصداقة بين الشعبين في قلب العاصمة صنعاء... وتم التوقيع على اتفاقيات تعاون واستثمار بما قيمته 400 مليون دولار وقعها رجال اعمال يمنيون وصينيون. وقد حرص الرئيس اليمني على ان يختم زيارته للصين بقضاء يوم كامل في مدينة شنغهاي باعتبارها رمز النهضة الاقتصادية الحديثة في الصين وهي مدينة مذهلة بكل المقاييس تعكس بجلاء ان الصين لن تكون مجرد نمر اسيوي ولكنها اسد قادم يمكنه ان يحقق نوعا من التوازن الاستراتيجي على المستوى الدولي في اطار النظام المتعدد الاقطاب الذي دعا اليه البيان اليمني الصيني المشترك. من المؤكد ان الحفاوة الرسمية في الدول الثلاث كانت كبيرة وفي ماليزيا واندونيسيا تحديدا كانت هناك اسباب اخرى تتمثل في وجود اعداد كبيرة من المواطنين الماليزيين والاندونيسيين من أصل يمني ففي ماليزيا يوجد وزيران على الاقل من اصل يمني وفي اندونيسيا يوجد اربعة وزراء من اصل يمني بينهم وزير الخارجية... واجتمع الرئيس علي عبدالله صالح في الدولتين بممثلين عن المواطنين من اصل يمني ودعاهم للاستثمار في اليمن وامتدح اجدادهم الذين جاؤوا من حضرموت بالذات وساهموا في نشر الاسلام والقيم الفاضلة في عموم شرق اسيا. وفي طريق عودته الى صنعاء توقف الرئيس اليمني في ابوظبي لاجراء مباحثات مع صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة ورغم انها زيارة عمل قصيرة كان مقررا لها ان تستمر عدة ساعات فقط فقد وجد الرئيس صالح حفاوة كبيرة واستقبالا رسميا حافلا من صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ورجال الدولة جعله يقوم بتمديد الزيارة ليوم كامل جرت خلالها مباحثات على غاية من الاهمية سواء فيما يخص ازمة العراق مع الولايات المتحدة, او فيما يخص العلاقات بين البلدين تمخضت عن الاتفاق على احياء اللجنة المشتركة بين البلدين برئاسة وزيري الخارجية. وهنا لابد من الاشارة الى متغيرات الموقف العربي ففي ازمة عام 1990 وصلت العلاقات اليمنية الخليجية الى حد القطيعة بينما هي في ازمة 1998 نجدها قد استعادت عافيتها ونجد التطابق في المواقف اليمنية مع دول الخليج وبالذات دولة الامارات ودولة قطر وسلطنة عمان بدرجة اساسية مما يحمل العراق مسؤولية الحفاظ على هذا الدعم العربي غير المسبوق لموقفه في الوقت الذي يجد فيه الامريكيون حرجا كبيرا على المستوى الدولي والعربي بسبب كيلهم بمكيالين وبسبب الفضائح الاخلاقية التي تحيط بالرئيس كلينتون. وكانت بعض المصادر السياسية اشارت الى ان قمة الرئيسين صالح وزايد قد تتبلور الى مشروع قمة عربية مصغرة لبحث الموقف العربي من ازمة العراق ومباحثات السلام في محاولة للضغط على الولايات المتحدة لتخفيف حدة مواقفها تجاه العراق وتشديد مواقفها تجاه حكومة نتانياهو. رئيس المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية*

Email