الصهيونية.. فكر وممارسة: بقلم - الدكتوره سحر المجالي 1 ـ 3

ت + ت - الحجم الطبيعي

للفكر اليهودي مصدران رئيسيان هما: التوراة والتلمود وروافده عديدة تصب فيه وتؤثر فيه. ومن هذه الروافد: بروتوكلات حكماء صهيون, وكتاب (الدولة اليهودية) لهيرتزل , وكتاب (الأمير) لميكافلي, فغالبية كتاب اليهود القدامى والمحدثين, ما عدا من كتبوا في ميدان العلوم البحتة, قد تأثروا بتعاليم التوراة ونصوص التلمود تأثرا كبيرا لان تنشئتهم تتم على أساسه منذ الصغر. وقلما يكون ثمة كاتب يهودي او متهود لا يضع التوراة والتلمود نصب عينيه عندما يكتب.. فهما مصدر ومنبع الفكر اليهودي او كل فكر متهود. التوراة التوراة لفظة تعني الهدى او الارشاد, وهي في الحقيقة الصحف التي أنزلت على موسى, وهذه الصحف الحقيقية قد ضاعت في ثنايا التوراة المحرفة التي بين يدي اليهود. والتوراة الحالية من وجهة النظر اليهودية فهي ماتشمله من أخبار وحوادث, وتتحدث عن أمور منذ نشأة البشرية حتى نهاية عهد موسى عليه السلام. وهو ما أنزل عليه (عليه السلام) وما أنزل على الأنبياء من بني اسرائيل من بعده بفترة ثمانية قرون حتى السبي البابلي وما تبعه. فاليهود باختلاف فرقهم الدينية وراء قيامها بين التقديس والاجلال وما بين الشك والارتياب. وللقرآن الكريم حكم صريح في التوراة المنزلة على رسول الله موسى عليه السلام, فهي هدى ونور أو فرقانا يفرق بين الحق والباطل, وفي الالواح التي أنزلت عليه, عليه السلام, فيها تفضيل ككل شيء وهدى ورحمة, وفيها حكم الله تبارك وتعالى يلتزم به النبيون واتباعهم منذ نزولها حتى نزول الانجيل الذي حرف بالنسخ بعض ما فيها, واستمرت بقية أحكامها نافذة حتى بعثة محمد صلى الله عليه وسلم, المؤيد بنزول القرآن الكريم الذي جعل مهيمنا على التوراة والانجيل, فيكون القرآن, كتاب الله الخالد, هو الحكم عليه عند المؤمنين ويكون المعول وبه يكون الالتزام, وإن للقرآن الكريم حكما صريحا آخر في التوراة المحرفة, الحالية التي اخفى اليهود منها كثيرا بشكهم وريبتهم في توراتهم القائمة. ويختص القرآن الكريم (التوراة) من بين ما نزل على الانبياء والرسل ويدلي بشهادته المحكمة بشأنها, قال تعالى: (وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني اسرائيل الا تتخذوا من دوني وكيلا) , وقال جل جلاله ايضا: (نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والانجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان) . وقال سبحانه: (ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني اسرائيل الكتاب هدى وذكرى لاولي الالباب) . اما تحريف اليهود للتوراة قصدا وبشكل نسبي فقد وجهه الاهتمام بكثير من نصوصها بسبب نقضهم ميثاقهم مع الله ليحفظوا كتابه, فطالوه بالتحريف المقصود والنسيان بسبب الاهمال وعدم الاكتراث به, ولذلك حقت عليهم اللعنة فصاروا قساة القلوب خونة, قال تعالى: (وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون) . اليهود وتحريف التوراة: ان دارس التوراة يدهش للوهلة الاولى لما يلاقي فيها من سخافات وأخيلة وخرافات, فيضجع وهو يراها تتكلم عن الله عز وجل وكأنها تتكلم عن انسان عادي يخطىء ويصيب, يحب ويكره, يرضى ويغضب, يأكل ويشرب ينام ويستيقظ ويمشي في الاسواق. يضجع وهو يراها تتحدث عن الاشياء وكأنها تتحدث عن مجرمين سفاحين, وزناة يشربون الخمر, وقد تطالب بالانتقام منهم, في حين تزهو بشعب الله المختار وتجله. لقد بدء بتدوين التوراة بصورة متصلة بعبيد السبي والأسر البابلي في القرن السادس قبل الميلاد وبعده, حيث كان اليهود يعيشون حياة أسر ونفي وذل, فأراد أحبارهم تحريرهم مما هم عليه وما سقطوا فيه, وبذلك قد تم اذكاء روح المقاومة والحمية فيهم, وبعث الأمل فيهم وحب الخلاص والعودة, فخلعوا عليهم من الصفات ما ليس فيهم ووعدوهم بما ليس لهم, وصبوا جام غضبهم على أعدائهم, واستمطروا اللعنات على مضطهديهم ومبغضيهم, وأنهى اليهود تدوين التوراة في آواخر القرن الثاني قبل الميلاد في أرض فلسطين. حوافز كتابة التوراة: ثمة ثلاثة حوافز نفسية دفعت أحبار اليهود لكتابة التوراة: الحافز الاول: انهم كانوا في الأسر جماعة مضطهدة معزولة, بحاجة الى تعبئة روحية ومعنوية عالية تمسح عن جباههم نير الذل والعبودية, وترفعهم الى مصاف الشعوب الحضارية. الحافز الثاني: ربط انتمائهم بشخص خليل الله ابراهيم عليه السلام ليغطوا بذلك سخافاتهم وهو منهم براء, فهو سليل نسب اصيل يرجع الى قبيلة آرامية عربية. الحافز الثالث: وهو اعطاء انفسهم صفة الشجاعة والرجولة بانتمائهم لنبي الله موسى عليه السلام. محتوى التوراة: تحتوي التوراة الحالية بتحريفاتها العديدة على انها تقع في مجلد ضخم هو أربعة أضعاف حجم القرآت الكريم, على تسعة وثلاثين سفرا كمايلي: خمسة منها أسفهار العهد القديم, التكوين والخروج والاويين والعدد والتثنية, أما بقية الاسفار فقد الحقت بها في أزمنة متباعدة وأماكن مختلفة وظروف خاصة, كما يلي: صموئيل الاول وصموئيل الثاني والملوك الاول والملوك الثاني, وأخبار الايام الاول واخبار الايام الثاني: عزار + نحميا استير, ايون المزامير, الامثال الجامعة, نشيد الانشاج أشعباء, ارميا, مراثي, قبال, وانيا, هوشع, يونيل عاموس, عوبيد يايونان, سيخاناحوم, صبقوذ, صنيفا صبحي زكريا ملاخي (يشوغ القضاة راعوث) . لغة التوارة: اما لغتهم التي صارت تسمى (اللغة العبرية) , فهي احدى اللهجات التي اقتبسوها عن الارامية بعد مرور ستة قرون على وجودهم في فلسطين من بعد موسى, وبها بدىء بكتابة التوراة في بابل, وبعد ذلك بسبعة قرون على الاقل, بالخط المربع المأخوذ عن الأقلام الارامية الذي يسمونه هم الخط الاشوري المربع, ولقد حفظوا الخط بعد تهذيبه حتى يومنا هذا, وبه يكتبون لغتهم. لقد وردت مصادر الاشعار والامثال والشرائع والاساطير والمزامير والقصص في التوراة, فكل ما ورد في التوراة مأخوذ من المصادر الادبية والحضارية القديمة لمختلف الامم والشعوب التي احتك بها اليهود, فاقتبس مدونو التوراة ذلك منها. فان التقاليد التي عاشها اليهود أنفسهم ومارسوها في فلسطين وبابل ومصر هي في الاغلب كنعانية بابلية الاصل, اما السومريون فقد أخذ عنهم مدونو التوراة بعض التقاويم التي وصفوها, واخذوا عن الكلدانيين والبابليين التقويم والتنجيم. واخذوا عن المصريين الختان الذي استخدمه المصريون قبل اليهود باكثر من الف وثلاثمائة عام على الاقل, اذ وجدت آثاره في مومياتهم وفي النقوش والرسوم التي خلفوها في قبورهم ومعابدهم. اما اساليب الذبح فانها منقولة نقلا كاملا عن البابليين كذلك, فان جميع اعيادهم ما عدا عيد كيبور (الفصح) , كانت في الاصل من الطقوس الكنعانية, فجاء اليهود وحولوها الى أعياد مقدسة لهم ودونوها في توراتهم. وقد تمت ترجمة التوراة الى العربية لاول مرة في عهد الخليفة هارون الرشيد. كلية الآداب/جامعة الزيتونه الاردنية*

Email