مع الناس:بقلم - عبد الحميد أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا نعرف في الوطن العربي مصطلحاً مثل (الإفراط في استخدام السلطة) لأننا لا نعتقد ان هناك حدوداً للسلطة الممنوحة لنا, أياً ما كان وزننا الوظيفي أو الاجتماعي, بحيث نتوقف عند هذه الحدود فلا نتجاوزها. ولا نتحدث عن السلطة السياسية أو نحاسبها على الافراط والتجاوز , فذلك من شأن من يرى في نفسه الشجاعة لامن يرى ان الرأي قبل شجاعة الشجعان, فنترك السلطة السياسية الى غيرها من السلطات (بضم السين لا بالفتح) مثل سلطة الموظف في أي موقع أو سلطة الشرطي أو المدرس أو الطبيب أو الاداري أو القاضي وغيرهم من العاملين في مختلف مجالات النشاط والحياة, بما في ذلك سلطة الاباء على الأبناء. ونتوقف عند خبرين من الغرب الذي نصفه بالانحلال والعنف والعنصرية وغير ذلك من نعوت ربما كانت صحيحة, لتبرير ما نحن فيه من عجز, لنتعرف على مثالين للإفراط في استخدام السلطة ونتائجهما, والأهم عقوبة من يرتكبهما وكأنهما من المخالفات التي تستحق العقوبة. الخبر الأول من فرنسا التي قرر الممثل العالمي المعروف روبرت دي نيرو عدم زيارتها مستقبلاً, واضاف انه سوف ينصح اصدقاءه أيضاً بمقاطعتها, فهي عنده اصبحت البلد الذي يستهزىء بشعاره الخاص: الحرية, المساواة, الاخاء, لمجرد أنه أهين بسبب استدعائه للتحقيق لمدة تسع ساعات لشكوك في علاقة له بشبكة رذيلة, فيما هو يؤكد عن يقين بأنه ليس من هذا الطراز من الناس. النتيجة ليست السمعة السيئة التي سوف تكسبها فرنسا من مثل تصريحات دي نيرو فحسب, بل الشكوى التي تقدم بها محامي الممثل ضد القاضي لانتهاكه سرية التحقيق والافراط في استخدام السلطة, مما سوف يسيء الى الجهاز القضائي الفرنسي, وموضوعيته ونزاهته والى بقية شعارات فرنسا. اما الخبر الثاني فهو من امريكا حيث حصلت امرأة على تعويض 450 ألف دولار عن اهانات لحقت بها لدى تعرضها للتفتيش من قبل موظفي الجمارك الامريكيين الذين شكوا في انها تحمل مخدرات, فعرضوها لتفتيش دقيق منه احتجازها 22 ساعة واجبارها على قضاء الحاجة امامهم بعد اعطائها مسهلاً, فحكمت المحكمة بادانة المفتشين لانتهاكهم حقوق المرأة وبتعويضها عن ذلك. طبعاً القارىء العربي يعتقد ان القاضي الفرنسي والمفتشين الامريكيين قاموا بواجبهم, لا أكثر ولا أقل, فهو اعتاد مثل هذه الممارسات وأكثر, لولا ان القاضي عملياً تجاوز سلطاته باخضاع دي نيرو للاستجواب تسع ساعات حتى مع عدم وجود ادلة ضده, فيما المفتشون تجاوزوا حدودهم, لانهم فحصوا السيدة ذاتيا ثم عرضوها على أجهزة اشعة إكس, ومع أنهم لم يجدوا مخدرات الا انهم اصروا على اعطائها المسهل لاجبارها على قضاء الحاجة امامهم, فيعد كل هذا افراطا في استخدام السلطة, من قبل القاضي كما من قبل المفتشين. هذا الإفراط في إستخدام السلطة غير موجود في الوطن العربي كمصطلح, وذلك من نعم الله علينا فنحمده عليها سبحانه الذي لا يحمد على مكروه سواه, لانه لو استخدمنا هذا المصطلح وطبقناه لما وجدنا هناك عربياً واحداً, من اصغر موظف إلى أكبر وزير أو مدير, بريئا من الافراط في استخدام السلطة, وتقديم كافة انواع المسهلات للنساء والرجال, فمن عسانا نحاكم وكم؟

Email