أبجديات: بقلم ـ عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

في قلب الحب نولد, وفي قلبه ننمو, فيظل يصاحبنا, يلتصق بنا كظلالنا, يشكل هويتنا, ويرسم وجوهنا على صفحة الحياة باعتبارها وجوه بشر وليست كائنات خرافية غزت من كواكب اخرى. وفي اليوم الذي نقرر ان نقذف به في البحيرات البعيدة لأنه بقايا آدمية قديمة, فاننا نصنع نهاية انسانيتنا ونفقد ظلالنا... ونتحرك كآلات عملاقة بلا قلب. وفي الوقت الذي يبحث فيه الجميع عن هذا الوهج الآدمي القديم بلهاث عجيب, يصل حد الملحمة احيانا, ترى من حولك ينظرون اليه وهو بين ايديهم كأنه قطعة فاكهة بلاستيكية في اناء زينة منسي في غرفة مظلمة. واتساءل: هل الحب ابجدية معقدة الى هذه الدرجة؟ نقاشات كثيرة شهدتها وشاركت في بعضها حول سؤال اشبه بمسائل الرياضيات المعقدة, هل يحتاج الانسان الى الحب فعلا؟ وهؤلاء الذين يتحركون بعيدا عن ضفافه اهم بعيدون كذلك عن شواطى الانسانية؟ اظنني قلت يوما: بأن الحب ليس قطعة اكسسوار مقلدة يستطيع اي متسكع على الارصفة ان يقتنيها, واظنني اكملت ايضا بأن الحب ابسط من ان يصادره اباطرة المال او فلاسفة التاريخ, انه مستعد لأن يهبك اسراره وتجلياته في مقابل ان تكون صادقا, انه لا يساومك ولا يبحث في تاريخ سلالتك, ولا يحلل دمك ليعرف ان ضخ الصدق فيها يوما ام لا. انه يكشفك من ومض عينيك وقاعدة ذهبية تقول: سيماهم في وجوههم. هل نكتسب الحب بالوراثة؟ ربما. هل الحب بين البعض قدر؟ ربما. نزار قباني يقول في قصيدة قرأتها منذ زمن طويل: الحب في الارض بعض من تخيلنا... لو لم نجده عليها لاخترعناه. فكيف يمكن اختراع الحب لذلك الفتى الذي تضج اعوامه الفتية حارة في دمه وعينيه دون ان يتمكن من الحركة ابدا! ابن العشرين ضل طريقه الى الحب, وجف بستان الزنبق في نهاره منذ زمن, فأيقن بأن قلب السكر قد ذاب وتلاشى يوم اعلنت اسرته بيع البيدر المزهر وتوزيع ثمنه على اخوته, وعندما جاء دوره كانت الاسهم قد نفدت. فعاش عمره يتخبط على الاسفلت ويرشف الاسمنت فامتلأ بالصخور والنتوءات, وما عاد يطيق او يطاق. الفتى العشريني لم يتفيأ ظلال قلب ابيه او اخوته, وتساءل دون جدوى اين ابجدية العشق الازلي في قلب امه؟ نشأ هاربا من ايامه ومن اهله وعندما استقر به الحال في العمل, فقد عمل بعيدا جدا وفي طريق عودته.. كرههه حتى اسفلت الشارع فطارت سيارته كلعبة تافهة واستقرت مهشمة على جانب الطريق, بينما استقر هو على سرير المستشفى لا يتحرك. وكان ذلك في مساء شتائي قاس. ولأنه مطرود من رحمة الحب فقد عرفت اسرته بمأساته بعد ثلاثة ايام!! كلمة اخيرة... عندما يذوي الحب في قلوبنا نسكن القسوة ونتوشح بالضلال, ويذوب قلب السكر, وينطفىء العمر في العمر الفتي.

Email