ابجديات: بقلم - عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما نستعلي على ثقافتنا, فاننا نسقط في ابهار الحضارات الاخرى , ونمد ايدينا نستجدي لغات الامم, وابجديات آدابها وفنونها, دورن ان ندري ــ وربما ندري ــ ان اكتساب الهوية بالفطرة والميلاد, لا يتساوى مع اكتسابها بالسطو والقرصنة ابدا . لن تكون ابنا لحضارة لم تلدك يوما, ولن يقذفك على ضفاف مخزونها الحقيقي الخالص اي مركب واي مجداف, طالما لم تتبارك اقدارك بملامسة ارضها منذ عثرات الخطو الاول. شيء ما يتوالد في داخلنا, ونتعارف به, فيكون كذلك الذي يسمى التخاطر عن بعد او (التلباثي) اعرفك, وأهمسك واحلم لك, لأنك تؤمن بي, دون ان اسألك اذا كنت من نسل تلك البلاد, او احد رسل تلك المدنية التي انجبتني. عندما نتلبس لغتنا, ولهجتنا, ونؤمن بطرائق حياتنا, ونعشق تفاصيلنا الصغيرة قبل الكبيرة, في الملبس, والمأكل ونغم القصائد, وابجديات العشق, وطقوس الحياة والميلاد والموت, حينما انتمي الى هويتي دون تبرم, ودون ان ايمم صوب الجهات البعيدة حيث الازرق والاخضر والاشقر بحثا عن هوية اجمل او ارقى, ساعتها فقط يشم الآخرون فيّ رائحة البيوت القديمة والبحر والمراكب التي غادرت السواحل منذ زمن غارق في الضوء والعبق. حينما اغادر مرافئي, وخلجاني, وثياب امي وابي, اوقن دون ان اعترف, بأنني ارقع الثياب كما ارقع لغتي وطقوس ايامي, فقط ليقال بأنني سليل ارستقراطية جديدة وابن طبقات مخملية, فينظرون اليّ بحسد واحترام! المضحك اننا لم ولن نعيش مناخ الارستقراطيات لاسباب تتعلق بتسلسل التاريخ وتكون الممالك والحضارات والامبراطوريات, فالارستقراطية نسيج معقد من تاريخ متوارث تصنعه الحقب والقرون والخرافات اكثر مما تصنعه الاموال والرغبات. البعض منا في سبيل ان ينتمي لطبقة مميزة (راقية) كما يقال, نسي لغته تماما او حاول ان يبدو كذلك, (يرطن) بكل لغات الارض امام اصحابه (الجدد) وابنائه ومعارفه, ونسي عاداته وتقاليد اهله, واعتزل (الفريج) البسيط, والبيت السابح في الماضي بخصوصية محببة, واستل نفسه من حضارة البحر والمرجان والصحراء ورائحة القهوة والهال ومجالس الجدات ودانات الزمان الاول المجدول بجمال اليوم. هذا البعض يرتكب ابشع الحماقات دون ان يدري. ان ابناءنا غدنا, ونحن من يصنع اليوم, وهم الذين سيعيشون ذلك الغد, ليبنوا ما بعده, نحن فقط من تقع علينا مسؤولية غرس جذورهم في الماضي في اعماق البحر والصحراء بكل ما فيهما من طقوس وابجديات لتشب قاماتهم في سماء الغد قوية لا تنكسر ابدا, وخاصة امام انفسهم وامام الآخرين.

Email