العولمة على مشارف العالم العربي: بقلم- حسن أوريد

ت + ت - الحجم الطبيعي

(ايها العرب افتحوا ابوابكم, وادخلوا عالم العولمة, ليس لكم من خيار واذا ما بقيتم في ترددكم ومساجلاتكم فانكم ستكونون كالحيوان الملقى على قارعة الطريق السيار لا يأبه به أحد , اعرف انكم تأنفون من هذا التعبير الامريكي الذي يدل على من هو على الهامش, ينبغي ان تستأنسوا بلغة العالم الجديد التي لا شاعرية فيها, لغة الانترنت والميكروسفوت وعالم الماكدونالد, هل تعرفون انتم الذين عانيتم حروبا كثيرة ان الدول التي لها مطاعم ماكدونالد لا تدخل في حروب مع جيرانها؟ ليس لكم وقت طويل للاختيار, لا تفكروا في اساليب التفاوض والضغط, فهذا ما لا يليق مع اصحاب الاموال. غازلوهم حببوا اليهم اسواقكم, مضى العهد الذي كان يمكنكم ان تفاوضوا البنك العالمي وصندوق النقد الدولي, تلك قطط اليفة مقارنة مع عالم البورصات ورؤوس الاموال, هو عالم المنافسة الذي يأكل فيه الاسرع البطيىء, اعرف انكم متعلقون بثقافتكم ولغتكم, هذا شأنكم, فلتجدوا توازنا بين دواعي العولمة والثقافة) . هكذا تكلم الصحافي توماس فريدمان عن النيويورك تايمز في ندوة حول العولمة والعالم العربي, واعترف اني صغت افكاره بتصرف فاتحمل وحدي تعلة النقل وتجني القارىء, لنقل بداءة ان لا خيار عن العولمة, فهي قطار سريع يئز ازيزا متواصلا قبل الانطلاق, لا يأبه لمن هو مثقل بالاعباء والاولاد, ولا بمن لا يقدر ان يؤدي ثمن التذكرة, ولا يبدو من خلال التقارير التي تتواتر في منظومة بروتن وودس ان العرب قد اخذوا اماكنهم في مقصوراته ولا هم قادرون على تأدية تذكرة الركوب. والعولمة هي التتمة المنطقية للنظام الرأسمالي, ففي ادبياته الاولى تلك التي صاغها آدمس سميث وريكاردو يأنف النظام الرأسمالي من الحواجز ومن الضبط, فهناك يد خفية تسير النشاط الاقتصادي نحو الاحسن, ومن مصلحة كل دولة ان تتخصص في الانتاج الذي تتفوق فيه انطلاقا من مبدأ المزايا التفضيلية, هذه المبادىء التي صاغها دهاقنة النظام الرأسمالي هي التي يمسح عنها الغبار وقد ازيحت عرضية النظام الاشتراكي التي جعلت النظام الرأسمالي في وضع الدفاع, لكن لا مندوحة من تذكير بعض الحقائق التي قد عفت عليها الذاكرة: اولا: ان النظام الرأسمالي الذي يعتبر العولمة الصيغة الاكثر تطورا, قد ادى في بداية تطبيقاته الى زعزعة كثير من البنى في اوروبا وافضى الى كثير من المظالم الاجتماعية وللذين يتأففون من القراءات العلمية المضنية ان يفتحوا روايات ديكنز (الازمنة الصعبة) او رواية (جرمنال) لزولا فلسوف يجدون (متعة) وبيانا. ثانيا: ان ادراج النظام الرأسمالي في دول العالم الثالث تم بطريقة متعسفة, اما عن طريق الاستعمار او عن طريق الاستغلال, ولم يتح النظام الرأسمالي في دول العالم الثالث توسيع ثمراته لكافة شرائح المجتمع باستثناء فئة المعمرين والمتعاملين مع الاستعمار. ثالثا: ان تطبيقات النظام الرأسمالي في دول العالم الثالث ادت الى رد فعل ثقافي تبلورت حولة حركات التحرير او المد الثوري كما في الهند والثورة الصينية كرد فعل لحرب الافيون. لذلك فمن المتوقع ان تفرز موجة العولمة ــ وهي صيغة جديدة لنظام رأسمالي توربو كما ينعته احد الاقتصاديين الامريكيين ــ رد فعل قوي في العالم العربي يأخذ طابعا ثقافيا, ولكنه في الحقيقة رد فعل ضد التهميش والاقصاء الناتج عنها. فحتى الدول الرأسمالية لم تسلم من ردود الفعل هذه كما حدث في فرنسا وفي المانيا, بل وفي الولايات المتحدة نفسها, وباستثناء حالات قليلة لم يتح الانغمار في المنافسة العالمية خلق مناصب شغل في دول العالم الثالث, مثلما المع الى ذلك الاقتصادي الفرنسي ميشيل هوسون, وقد دعا دعاة العولمة الى الاخذ بعين الاعتبار البعد الاجتماعي وعدم التفريط فيه وقد بدت لهم سوءات العولمة التي تضرب صفحا عنه, ان العولمة مظلما يقول كلوس شواب رئيس النادي الاقتصادي العالمي مد لا رجعة فيه, لكنه لن يكتب له النجاح الا اذا عمت فضائله كافة شرائح المجتمع, وبتعبير آخر فلا يسوغ التضحية بالبعد الاجتماعي قربانا للمنافسة والفعالية. من هنا دعا شواب ان تأخذ الشركات على عاتقها جانبا من العبء الاجتماعي الذي كان يقع على كاهل الدولة كالتعليم والتكوين المستمر. اننا في العالم العربي مدعوون ان نعيد التفكير في تعاملنا مع الجانب الاجتماعي, فلئن كانت الدولة قد برهنت على سوء تدبيرها الجانب وذلك من جانب الاقتطاعات الكبيرة في الميزانية التي يبتلعها ورداءة الخدمات التي يقدمها فليس معنى ذلك التضحية بالجانب الاجتماعي جملة وتفصيلا, فللقطاع الخاص دور في تحمل جانب من الانفاق الاجتماعي لا على اعتباره عبئا ولكن باعتباره استثمارا, ومن الممكن توظيف مؤسسات قديمة كان لها دور فعال في اشاعة العلم وتقديم الخدمات وتطويرها في تاريخنا وهو الوقف فلا يسوغ ان تظل الاوقاف عرضة للاهمال والا تساير التطور الاقتصادي الحالي والا تستجيب للتحديات المفروضة على مجتمعاتنا. ان امتطاء قطار العولمة يقتضي سلسلة من التدابير ومنها اشاعة ثقافة اقتصادية قائمة على المبادرة وعلى المتنافس الحر بداخل اقتصادياتنا سيظل خطابنا غثاء اذا ما فشت اسباب المحسوبية والرشوة والارتكان على اوضاع يستغل اصحابها ريعهم او علاقاتهم بجهاز الدولة دونما مخاطرة او روح المبادرة, ان النجاح الاقتصادي رهين بسريان دولة القانون الذي يضمن للمستثمرين المواطنين والاجانب ضمان حقوقهم وتحديد واجباتهم من خلال لوائح وانظمة يسري مفعولها دون ميز او تفضيل او اقصاء, وعلى نظام قضائي نزيه وعلى ادارة غير مثقلة بالتعقيدات الادارية والبيروقراطية. هاته التدابير التي تطلق عليها الاديبات الاقتصادية العالمية (الحكم الجيد) والتي على كل دولة ان تحدد صيغتها انطلاقا من خصوصيتها, فليس هناك وصفة تطبق عنا وهناك وبدون تدابير مرافقة على المستوى الاقتصادي والقانوني والاداري سوف تظل العولمة عربة من غير حصان. العولمة هي ريح العصر, من العبث تجاهلها, لكن ذلك لا يعفينا ان نفكر فيها ونكيفها وفق واقعنا, ونكيف واقعنا مع مدها, اما عن ثقافتنا فليس لرجل الاعمال ان يحرصها ولا للسياسي ان يرعاها. تلك مهمة المثقف. كاتب مغربي *

Email