لعنة الأسرة الحاكمة في العراق: كنيران الشر... تأكل نفسها وتشعل الحرائق: بقلم الدكتور- محمد الرميحي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الموضوع الذي اتحدث عنه هنا, وان كان حالة متعينة, الا انني لا أقصده لذاته, بل أقصده كنموذج مرفوض, او ينبغي ان يكون مرفوضا في مستقبل حكم الشعوب , ومن هنا فان نتيجة ما تتمخض عنه الايام او الساعات القائمة او القادمة, لا تغير مما أقصد اليه شيئا, سواء بقي صدام في حكم العراق أو ذهب, فالمقصود ليس المثال, بل تشخيص وضرب المثل. في الاسبوع الماضي حملني عملي الى اكثر من مكان في الخليج وهناك التقيت ببعض الاخوة الخليجيين الذين ذهبوا اخيرا الى بغداد اما لأسباب تجارية او لحمل بعض المواد الغذائية والدوائية للشعب العراقي, ولم يكن جميع هؤلاء قد زاروا العراق في وقت سابق, وكانت تعليقاتهم متشابهة تقريبا وهي ان الوضع في العراق لا يطاق فهو وضع اقرب الى المعسكر الكبير اوالسجن منه الى وطن, الخوف من فوران اعوان النظام الشامل والقتل العشوائي لمن يتفوه بأي نقد جعل من العراقيين في الداخل اناسا شبه مخدرين لا يعرفون من أين تأتيهم الصيحة القادمة. احد هؤلاء الاخوة الذين قابلتهم كان قد قابل عدي صدام حسين قلت له كيف وجدته؟ فقال: (طفل كبير في تفكيره ولقد حزنت اشد الحزن بعد المقابلة على الشعب العراقي الذي ابتلي به) , ثم اردف محدثي بحسرة واضحة: (انهم يعيشون في عالمهم الخاص) . ما هو ذلك العالم الخاص الذي تعيش فيه الاسرة التكريتية الحاكمة في بغداد؟ لقد نشر العديد من الحقائق عن ذلك العالم, عدي صدام حسين هو اكبر اولاد الحاكم العراقي, الذي تمثل بوالده في الكثير من التصرفات, وصدام حسين فخور بتلك التصرفات التي يقوم بها عدي, الذي يصفه بالخلف عندما يريد تدليله, بعض الآباء الفخورين بأولادهم يأخذونهم الى العمل ولكن صدام حسين كان يأخذ عدي في صغره الى غرف التعذيب في سجون بغداد, ولكن الذي كان يشاهده عدي غير معروف على وجه الدقة, وان كان العالم يعرف ما هي الطرق المذلة للتعذيب في سجون البعث العراقي, فبعد ربط اليدين خلف الظهر يعلق الضحية في السقف ثم يضرب ضربا مبرحا حتى يعترف بالتهمة المنسوبة اليه ولو تخلصا من التعذيب, وهذا ابسط انواع التعذيب العراقي لضحايا صدام, فبعضهم يصدمون بالصعقات الكهربائية التي تدخل اقطابها في أماكن حساسة من اجساد الضحايا, وبعضهم يقوم الجلادون بثقب عظامهم, وبعضهم كان يذاب في (الأسيد) الحارق, فهل بعد ذلك يوجد أي احتمال لان يكون عدي أو اي من افراد العائلة الحاكمة في بغداد شخصا سويا؟ العائلة الحاكمة في بغداد ربما تكون العائلة الوحيدة الاكثر تفككا في العالم, صدام وابناه عدي وقصي ربما قتلوا من الناس اكثر من أي قاتل مدمن على الاجرام في العالم, لذلك فان دراسة قيم اسرة صدام حسين لها أهمية في فهم ما يدور في العراق, في بلد غني بالموارد به من الانفس ما يقارب الثمانية عشر مليون نسمة كلها تدور حول قيم العائلة الصدامية ورغباتها, صدام حسين أخذ المثل العربي القائل (انا وأخي على ابن عمي) ومده الى آخر الشوط, زوجته الاولى ساجدة سيدة لها بنية الريفيات وصوت أجش لا تهاب في العراق غير صدام حسين نفسه, هي في نفس الوقت بنت عمه طلفاح خير الله, واخ صدام غير الشقيق وطبان كان متزوجا من ابنة احمد حسن البكر الرئيس العراقي السابق, وما أن فقد الاخير السلطة حتى طلقها وتزوج اخت ساجدة عندما وصل صدام الى السلطة سنة ,79 هذه الخطوة اوصلته ليتبوأ كرسي وزير الداخلية العراقي حتى اختلف مع صدام بعد ذلك, اما الاخ غير الشقيق الثاني وهو برزان سفير العراق لدى المركز الاوروبي للامم المتحدة في جنيف ومسؤول الاستثمار الخارجي لاموال العائلة الحاكمة العراقية, ابنته واسمها ساجدة تزوجها عدي سنة 93 لفترة ثلاثة اشهر ولكنها تركته لكثرة الاعتداء عليها بالضرب والاهانة, هناك العديد من الاقرباء لصدام في مواقع حكومية مهمة الى درجة ان صدام امر في السبعينات الا يذكر لقب الشخص (تكريتي) لانه اصبحت كل المواقع المهمة والحساسة في الحكومة العراقية تكريتية. ابنتا صدام ذاتا الشعر الذهبي رغدة ورنا تزوجتا اخوين من ابناء عمومة صدام هما حسين كامل المجيد وصدام كامل المجيد, حسين كامل المجيد زوج رغدة اعطي صلاحيات ضخمة منها الاشراف على البرنامج التسليحي العراقي قبل احتلال الكويت وبعدها, زوج رنا صدام كان رئىس الحرس الخاص لصدام حسين. ولكن هذا الاختلاط الاسري والسلطوي المتعسف كان لابد ان يقود الى صراع دموي فتاك بين اعضاء الاسرة, وكان الاوفر وضوحا هو محاولة عدي ابن صدام الشرس ان يستحوذ على السلطة, وعدي ذو شخصية متغطرسة, ادخله والده كلية الهندسة وكان يفرض على الاساتذة ان يعطوه اسئلة الامتحانات والاجابة عنها, وكان يحضر الى الجامعة فقط لالتقاط الفتيات مع عدد من حراسه الخاصين حتى انه تخرج من كلية الهندسة في جامعة بغداد بنسبة تصل الى 98.3% وهي اكبر نسبة نجاح حققها طالب في جامعة بغداد, وقصي ذهب الى كلية الحقوق في جامعة بغداد وايضا حصل على نجاح متفوق, فمن يستطيع ان يتهم ابناء الرئيس بعدم الفهم؟! ثم اصبح عدي بعد تخرجه من الجامعة بلطجيا يختطف النساء ويعاقر الخمر ويقتني السيارات الفارهة, وفي منتصف الثمانينات اصبح سفيرا لوالده لدى الشباب العراقي فصار رئيسا للجنة الاولمبية, واتحاد كرة القدم, وظهرت شعارات مثل: يجب ان نحيط الآباء بأبناء الثورة, وغدا عدي هو القيم على مستقبل الثورة في العراق. صدام حسين نفسه طابت له السلطة فأخذ يوسع في علاقاته النسائىة, فاتخذ اولا سيدة جميلة من اعرق عائلات بغداد خليلة له هي سميرة شهبندر, ورقى زوجها الطيار في الخطوط الجوية العراقية الى رئيس مجلس ادارة مكافأة له على اخلاصه للرئيس, ثم تزوج صدام سميرة, الامر الذي لم يعجب ساجدة ولم يعجب ابنها البكر المدلل, وفي ليلة دافئة من ليالي شهر اكتوبر ,1988 لم يعجبه تصرف (كمال حنا جيجو) مرافق صدام الاخلص ومتذوق طعامه (خوفا من الاغتيال, حيث ان طباخ صدام هو والد جيجو) والاهم انه (مرساله) الى سميرة, وتعلل عدي ان جيجو قام باحداث ضجة في الوقت الذي يتسلى فيه عدي مع رفاقه وضرب جيجو ضربات بعصا غليظة أفقدته الحياة, غضب صدام حسين على الابن المدلل, واراد ان يقتص منه فقامت المظاهرات في بغداد يتقدمها وزير العدل وقتها للصفح عن الابن, فسافر عند عمه في جنيف وماهي الا اشهر حتى سحب سكينا على أحد الجرسونات في أحد مقاهي جنيف فقامت السلطات السويسرية بتسفيره, وقد حلا لصدام الزواج فتزوج ثالثة هذه المرة فتاة موصلية هي نضال الحمداني, كانت ساجدة تغضب من خليلات وزوجات صدام ولكنها في السنوات الاخيرة اقنعت نفسها بأنها السيدة الاولى او الواجهة الرسمية مستثمرة في ذلك اولادها خاصة عدي, ولكن الاخير استمر في استهتاره, ففي اغسطس سنة 1995 وفي حفل عائلي في تكريت وبعد مشادة اطلق عدي النار كما تعود لكن هذه المرة على عمه وطبان الذي اصيب في رجله اصابة بالغة اضطرت الاطباء الى بترها في وقت لاحق, ولم يفعل صدام شيئا ووصلت الرسالة لمن يهمه الامر ان (عدي) هو الآمر الناهي, يومها كانت الرسالة موجهة للنسيب حسين كامل المجيد الذي دافع عن النظام واخذ الامتيازات الكبرى كونه زوج البنت الكبرى المحبوبة (رغدة) , ولكن هاهو الابن الاكبر يريد أن يستحوذ على اكبر الامتيازات من هذه السلطة, وضع حسين كامل زوجته وابناءه ـ أحفاد الرئيس ــ وكذلك أخاه صدام وزوجته ــ بنت الرئيس الثانية في خطة سرية للخروج وتوجهوا مع مرافقيهم الى الاردن في اسطول من سيارات المرسيدس, وأصابت الهجرة السريعة صدام حسين بالدهشة ويقال انه غضب من عدي لغفلته, وامر بحرق كل السيارات التي يحتفظ بها عدي (وكثير منها كان مسروقا من الكويت) , الا ان الهاربين سرعان ما اصابتهم حقيقة العالم الخارجي العارف بما جنته ايديهم دفاعا عن النظام العراقي, خاصة في سحق الثورة الشعبية التي اشتعلت بعد تحرير الكويت واشترك فيها مواطنون عراقيون من اربع عشرة محافظة من محافظات العراق الثماني عشرة, واصبح الهاربون من اسرة صدام في عزلة غير قادرين على فعل شيء, وبدافع الحنين الى العودة مع وعد بالعفو عنهم من صدام حسين شخصيا و على شريط فيديو, عاد الجميع الى بغداد ليلقوا حتفهم المقرر قتلا بالرصاص, بعد ان سهل حسين كامل بعض المهمات الصعبة للجنة البحث عن اسلحة الدمار الشامل وكشف بعض الحقائق, واصبحت ابنتا الزعيم أرملتين في وقت مبكر, وصار أحفاده يتامى كمعظم الاطفال العراقيين الذين قتل آباؤهم لسبب أو آخر. الحياة الشقية لصدام حسين بدأت منذ طفولته فقد هجر والده امه صبحة التي تزوجت بابراهيم حسن بمجرد ان ولدت صدام, وكان زوج الام يعامله معاملة شائنة ويصفه ــ باعتراف صدام نفسه ــ بأوصاف رذيلة, واشيع في القرية ان صدام نفسه ليس ابنا شرعيا, كفله بعد ذلك عمه طلفاح واخذه بعيدا الى بغداد وعمل في طفولته مساعدا لسائق حافلة, وكان سائقو الحافلات يستخدمون الاطفال العاملين معهم استخداما غير اخلاقي, وقتل صدام أول رجل في حياته وهو في الثانية عشرة من عمره, وأعدم بعد سنوات من ذلك الطبيب الذي أنقذ حياته بعد ان اصيب بطلق ناري في رجله بعد ان اختير من حزب البعث لمحاولة اغتيال عبدالكريم قاسم لشقاوته, وقتل في وقت لاحق تقريبا كل رفاقه الذين زاملوه في الحزب ورفعوه الى اعلى المناصب, وتسبب في قتل ابن خاله وشقيق زوجته عدنان خير الله, الذي كان وزيرا للدفاع. هذه الخلفية المضطربة هي التي تجعل صدام حسين في حال جوع دائم للاعتراف به, وطريق هذا الاعتراف لديه دائما هو القسوة والشدة وشن الحروب. وهذه الحقيقة ليست في حاجة الى برهان, لأن البرهان واضح, تقول به السيرة الذاتية والنفسية لصدام وأهله وبنيه, ويقول به السجل الحافل من قتلى القهر والاحتراب الداخلي والحروب التي لم تنطفئ على الحدود منذ احتل حكم العراق. ان صدام واسرته لعنة حقيقية أصابت العراق وانتشرت لتصيب الجوار ولن ت كف حتى تنشر موجات لعنتها على المنطقة بأسرها. ولقد كان من أغرب المشاهد اختلاطا, والتي رشحت بها وسائل الاعلام العالمية والعربية في متابعة الازمة, والوقوف الاخير على حافة الهاوية, تلك المشاهد لبعض المتظاهرين في العالم العربي الذين يرفعون صور صدام حسين ويهتفون له ضمن احتجاجهم على احتمال توجيه ضربة عسكرية للعراق. الاحتجاج على الضربة العسكرية للعراق وارد ومفهوم, ورفض اصابة المدنيين العراقيين بل حتى رفض تدمير المرافق المدنية العراقية هو أمر لا اختلاف عليه حتى لدى الكويتيين الذين اكتووا بنيران الغزو العراقي للكويت ولا يزالون في مهب رياح التهديد من نظام صدام الذي صار يعني تلك الاسرة الحاكمة بالأساس, ثم من يتبعها من أزلام المستفيدين. ان الحب الحقيقي للعراق والعراقيين يستوجب الهتاف بضرورة زوال هذه الاسرة المريضة واتباعها عن سدة الحكم في العراق, والعمل الجدي لتحويل هذا الهتاف الى فعل يبعد لعنة هذه الاسرة واتباعها عن تدمير ما بقي من العراق والعراقيين.

Email