ثمن السلام المزعوم: بقلم - توجان فيصل

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يدفع العرب في تاريخهم كله, وحتى في تاريخ حروبهم ثمنا اكبر مما دفعوه في سبيل ما سمي (بالسلام) مع اسرائيل . فهنالك الثمن السياسي المتمثل باستقطاب بعض الانظمة العربية وسلخها ـ بدرجات ــ عن الامة العربية في سبيل تمرير اتفاقيات واجراءات (السلام) تلك بكل ما يستتبعه هذا من مصادرة للحريات العامة والديمقراطية حينما وجد جزء يسير منها والقرار الوطني في اي امر سيادي ومن اهم القرارت التي جيرت لصالح مخططات العدو القرار الاقتصادي ونظرة واحدة الى دول المنطقة العربية المحيطة منها باسرائيل والبعيدة عنها. واحوالها الاقتصادية بعد بدء مسيرة السلام تلك تبين مدى الاضرار التي لحقت بالاقتصاد العربي جراء محاولة الحاقه ــ كناتج طبيعي لهذا السلام ـ بالاقتصاد ليس فقط الاسرائيلي بل الصهيوني العالمي عبر ماسمي باستثمارات (اقليمية) او بمايسمى بالعولمة وبرامج التصحيح... الخ الا ان اهم النتائج السلبية على الاقتصاد العربي هو ما ارتبط منه وادى الى ورافق وتبع الثمن العسكري الامني الذي دفعة العرب مقابل هذا السلام المزعوم ويتمثل هذا بشكل رئيسي في حرب الخليج الثانية والان في الحرب الثالثة المزمع شنها, والثمن العسكري الامني والذي نستعرض ما مضى منه تمهيدا للخوض فيما هو آت بدأت العجالة التي استعرضنا بها الاثمان السياسية والاقتصادية التي دفعها العرب لهذا السلام المزعوم ينطلق من حقيقة ان احد اهم اهداف حروب الخليج الاولى والثانية والان الثالثة. وما بينها حصار العراق وبعض الدول المجاورة ـ فنحن ايضا في الاردن مثلاً محاصرون بدرجة او بأخرى ومثلنا كل من له مداخل او موانىء تجارية مجاوره او قريبة من العراق. وحتى مدخل الخليج العربي في اقصى جنوبه هو للتمهيد لاعادة رسم الخارطة السياسية والجغرافية والامنية والاقتصادية للمنطقة العربية بما يؤمن سيطرة امريكا وعبر حليفتها اسرائيل بالدرجة الاولى والبعض يقول انها سيطرة اسرائيل بذراعها الصهيوني الممتد الى قرار اكثر من دول كبرى والى اقتصاديات العالم الحديث, عبر اداتها الطيعة امريكا.. والرأيان سيان لدينا الان النتيجة واحدة ولاتتأثر كثيرا باختلاف توزيع الغرم والغنم ما بين اسرائيل وامريكا ونأتي الان الى هذا (السلام) اي الى البضاعة التي دفعنا فيها هذا الثمن الباهظ غير المسبوق والذي قدمنا فيها كمبيالات مؤجلة للمستقبل سياسية وسيادية واقتصادية سيفرض على ابنائنا سدادها من بعدنا... نأتي لنتمعن في حقيقة هذا السلام ومدى جديته. ونبدأ باستعراض مقومات السلام, واولها وقف التهديد العسكري المباشر الذي يتضمن شن حروب مباشرة من قبل اسرائيل على الدول العربية المجاورة وحتى غير المجاوروة كما في حالة قصف مفاعل العراق والانزال في بيروت عبر البحر بعد احتلال الجنوب اللبناني والانزال في تونس باستعمال الآلة العسكرية النظامية لاسرائيل. وثانيها تهديد الامن الداخلي للدول العربية عبر عمليات تخريب او ارهاب او تجسس فجرى على الاراضي العربية او ضد المصالح العربية اينما وجدت وعلى يد اجهزة المخابرات الاسرائيلية هذه المرة وعملائها. في الحالة الاولى نجد ان اسرائيل مستمرة في التزود بالسلاح الاستراتيجي المتفوق ولم تتأثر ميزانيتها التسليحية باتفاقيات السلام او مسيرة السلام ــ سمها ماشئت ــ بل ان جلوسها على طاولة المفاوضات كان بمثابة شهادة استحقاق لمزيد من التسليح المتطور الذي يأتي في صور معونات امريكية وقروض ميسرة.. الخ ويمتد الامر الى ايجاد شبكة اقليمية تخدم اسرائىل عسكريا وذلك عبر الحلف الثلاثي الذي تتبناه وتدعمه امريكا بكل مقدراتها العسكرية المتفوقة مابين اسرائيل وتركيا ذاتها, وهو الحلف الذي تم جلب اول دولة عربية لتنضم له رغم عدم وجود اي مصلحة او مبرر ولو ظاهري لهذا الانضمام. وتزيد اسرائيل على التسلح والاصرار على التفوق الهائل في الاسلحة التقليدية باعلانها وقبل ايام فقط وعلى لسان مسؤول حربي كبير فيها ان اسرائيل لن تتخلى عن برنامجها النووي ويربط هذا المسؤول اهمية تطوير البرنامج النووي ـ اي السلاح النووي ــ لاسرائيل بعملية السلام ذاتها ويعتبرها من مستلزمات تلك العملية وهو يقول للاذاعة الاسرائيلية ان اهمية الرادع النووي بعد السلام اكبر منه قبله وان اسرائيل بصدد تغيير دفاعاتها الآن. كونها تتخلى عن الارض وبالتالي لابد من (تطوير الرادع النووي) ويقول انه على العرب ألا يتوقعوا ان (تتنازل) اسرائيل عن كل شيء الارض والماء واستعادة اللاجئين المهجرين منها او النووي ايضا!!! ومعنى هذا ببساطة ان الخطر الاسرائيلي ليس فقط على الدول العربية المجاورة لها بل وبشكل رئيسي على تلك الابعد عنها قد زاد وتضاعف مرارا نتيجة لهذا (السلام) فالرادع النووي لايمثل اية دولة لاستعماله على جيرانها اللاحقين بقدر ما تميل لاستعماله ضد الابعد جغرافيا حماية لذاتها وفي الوقت ذاته ومع عدم استثناء او الحكم باستحالة استعمال النووي ضد دول الجوار فأن استمرار تطوير باقي الاسلحة والاحتفاظ بتفوق عسكري ضخم يتيح وسائل اخرى غير نووية لتلقين دول الجوار دروسا ان لزم!! وما بين هذا وذاك ودنما حاجة حتى لاستعمال اي من السلاحين ـ التقليدي والنووي فإن مجرد تفوق اسرائيل بهذا الشكل ودخولها نادي مصنعي ومالكي اخطر واهم سلاح دمار شامل. سيحسم امر سيطرتها التامة على كافة مقادير المنطقة العربية. اما بالنسبة للامن الداخلي للدول العربية والذي يفترض ان يوفره لها السلام لتتفرغ لبناء ذاتها ـ كما تم الادعاء ـ فيتمثل تهديده الجديد في نشاطات الموساد وغيره من الاجهزة الرسمية الاسرائيلية داخل الدول العربية ولعل اغرب ما سمعناه من اسرائيل قبل محاولة اغتيال مشعل في عمان وبعد عقد اتفاقية وادي عربة بالذات وما تأكد من التصريحات التي تلت محاولة الاغتيال تلك على لسان الطرفين هو وجود (مكاتب) للموساد في بعض الدول العربية. أي أن وجود مكاتب استخبارات للإسرائيليين في الدول العربية التي تعقد معها اتفاقيات سلام هو تحصيل منطقي حاصل لهذا السلام فهل توجد مكاتب للمخابرات الاردنية والعربية والفلسطينيين مثلا في اسرائيل وان قيل انها موجودة فرضا فهل يعقل ان نصدق انها تعمل كما يعمل الموساد عندنا؟ وهل سبق في التاريخ كله ترتيب مثل هذا بين دول ذات حد ادنى من السيادة والاستقلال او لنقل صراحة في دول لم يصل وضعها الى حد الاحتلال العسكري الصريح الذي يسمح وحده ويبرر وحده بمنطقية القوة لا بشرعية اخرى وجود مكاتب استخبارات تابعة للمحتل على ارض المحتلة بلادهم ورغم الازمة او لنقل الفضيحة التي تفجرت بعد فشل محاولة اغتيال مشعل في عمان واضطرار اسرائيل والاردن من بعدها لكشف حقيقة ان الموساد كان وراءها بسبب توريط دولة ثالثة هي كندا وليس لاي سبب آخر فالطرفان الاسرائىلي والاردني كانا سينكران علاقة الموساد والاردني بالذات حاول الانكار لفترة حتى بعد اعتراف اسرائيل علنا رغم هذا كله وبعد هذا كله يأتي تقرير اللجنة الاسرائىلية المشكلة للتحقيق في هذا الفشل وابعاده. هذا التقرير (الوقح) لايقف عند رفض معاقبة احد لا لاسباب تقصير في اداء المهمة الاستخباراتية ولا لارضاء حليف مفيد كالاردن بل يمتد الى استفزاز الأردن والعرب والعالم كله باقرار رئيس الحكومة الاسرائيلي بل واصراره على حق اسرائيل في ممارسة اعمال الاستخبارات وحتى الاغتيال في اراضي غيرها. يقول نتانياهو في تعقيب على التقرير ان اية دولة لن ترضى حتما ان يتم هذا العمل الاستخباراتي الاسرائيلي على ارضها. الا ان اسرائيل ليست معنية بذلك وعدم الرضا هذا لن يمنعها من الاستمرار في انشطتها ويقول نتانياهو انه لو حسبت اسرائيل المشاكل والاثار المترتبة على عمليات الاغتيال في اراضي غيرها لما تمكنت من عمل اي شيء في اية دولة!!! ولكي يغلف نتانياهو هذه الجريمة المدانة عالميا والممنوعة بالقوانين الدولية بغلاف انساني كما تفعل اسرائيل دائما في كافة جرائمها بادعاء انها الضحية وليست الجلاد يقول انه ينظر في اعين الامهات اللواتي فقدن ابناءهن والجرحى الذين اصيبوا جراء الارهاب ويقصد عمليات مقاومة الاحتلال داخل الاراضي المحتلة ذاتها ومن قبل نفس سكانها الاصليين ويقرر انه لن يألو جهدا في منح رجال الموساد الحصانة في اي مكان!!! الحديث هنا عن نشاط للموساد غير مشرو ع على ارض الاردن الدولة التي وقعت اتفاقية سلام والتزمت بكافة بنودها المكتوبة والمعلنة كما الشفوية او غير المعلنة.. ولكن الرسالة موجهة ليس فقط للاردن, بل للعالم العربي بأسره. الرسالة الاستخبارية هذه تنبئ صراحة بقدوم رجال الموساد المتمتعين بحصانة اعطاهم اياها نتانياهو وهي حصانة لا يجب الاستخفاف بها, ليس فقط لان رجال موساده سافروا بالفعل من عمان الى اسرائيل على متن طائرة (اي رجال الموساد) خاصة رفضوا ان يستقلها معهم من لم يرغبوا هم في اصطحابه, بل لان جاسوسا اخر هو بازوفت اكتسب حصانة صحفية عالمية بررت تاييد الاعلام العالمي لبدء حصار والتحضير لحرب ضد العراق ونظامه, قبل الحصول على الذريعة الشكلية المؤمنة لنفقات هذه الحرب وهذا الحصار والمتمثلة في دخول العراق الى الكويت.. اما الرسالة (النووية) , فلا يستخف بها ايضا, فها هي امريكا اعلنت انها ستستعمل سلاحا ذريا غير مجرب من قبل في ضربها للعراق!!! وما يصدق على امريكا من خرق للشرعية الدولية ولحقوق الانسان, يصدق اضعافه على اسرائيل... وكلا التهديدين الاستخباراتي والنووي ناتج طبيعي في رأي اسرائيل لعملية السلام وضمانة اساسية لسير هذه العملية مع مراعاة امن اسرائيل الذي كان محققا من قبل بوجود حدود لا يعبرها اي من الطرفين, (سلما) على الاقل, واسرائيل تعترف بهذه العلاقة السببية بين سلاحها المخابراتي والنووي من جهة وبين قبولها بهذا السلام من جهة اخرى.. فهل نقبل نحن بحمامة السلام هذه التي تحمل في جوفها عملاء موساد وقنابل نووية؟؟؟ كاتبة اردنية*

Email