قبل الدخول الى النفق المظلم :عشر مصائب بعد ضرب العراق: بقلم- عادل حمودة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تبدو الامة العربية الان وكأنها غريق على خشبة طافية فوق الماء. تدفعها امواج, وتهددها دوامات, لا تعرف إلى اين توصلها, وإلى اي شاطىء تلقى بها. انها امة ضائعة... ضائعة عن لغتها . التي هي آخر معطف تلبسه... ضائعة عن وطنها الذي هو آخر رفيق لها على قيد الحياة, ضائعة عن تاريخها الذي هو آخر شعاع امل لها في زمن الغروب. وقد وصلت حالة الضياع إلى حد الجنون والحماقة, فالكل موافق على ضرب العراق, من لم يوافق علانية وافق في السر, من لم يوافق خطيا وافق شفهيا, من لم يوافق في البداية سيوافق في النهاية, من لم يوافق تحت الاضواء وافق خلف الكواليس, من لم يوافق على المبدأ وافق على النتيجة. لقد اهتزت السطور امام عيني وان اقرأ لوزيرة الخارجية الامريكية مادلين اولبرات: ان النظم العربية كلها وافقت على ضرب العراق, تحولت الحروف العربية إلى حروف عبرية, ولم يتردد السفير الامريكي السابق في العراق ديفيد نيوتن في ان يحرقنا بالنار مرة اخرى عندما كرر على اسماعنا الاسبوع الماضي في القاهرة الحقيقة المرة نفسها, وامجاد يا عرب امجاد. اننا على ما يبدو فقدنا الاحساس بالمسؤولية, فقدنا المراقبة العقلية الصارمة التي تحمينا من الطيش والتهور والتدهور فضرب العراق لن ينقذنا من الصداع المزمن الذي جلبه علينا صدام حسين بتجاوزه الخط الاحمر واحتلال الكويت, وضرب العراق لن يوقف نزيف الموارد والاموال العربية التي فقدنا منها حوالي 850 مليار دولار في السنوات السبع الاخيرة, انفقت على حرب الخليج الثانية وعلى التسليح والمناورات والحشود الامريكية, وعلى مقاولات اعادة الكويت إلى ما كانت عليه قبل الغزو والاحتلال, وضرب العراق لن يعيد فلسطين, ولن يحقق السلام, ولن يوفر الديمقراطية, ولن يقضي على الفساد, ولن يمنحنا السكينة. على العكس... سندخل بعد ضرب العراق في نفق مظلم, يصعب الخروج منه, سنجد انفسنا في مذبحة أو مقبرة, لا ينجو منها أحد في النهاية, ان المصادفات قد تحدث على طاولة القمار, لكنها لا تحدث على خرائط الجغرافيا التي يراقبها التاريخ جيدا, ولا يسمح فيها بالغش والخداع. 1ــ لقد اسعدت الازمة بنيامين نتانياهو وبلغ وزراءه المقربين منه انه يأمل في استمرارها ولو لفترة زمنية محدودة حتى تأخذ حكومته الوقت الكافي لاتخاذ القرارات المناسبة بشأن مراحل اعادة الانتشار العسكري الاسرائيلي في الضفة الغربية. 2ــ واحرجت الازمة الدول المؤثرة في المنطقة, مصر والسعودية وسوريا, فهي قد وجددت نفسها على الهامش, لا تشارك في الضرب, ولا تقدر على تجنبه, ولا تملك سوى التحذير من النتائج, وهو ما حقق هدف السياسة الامريكية بتحجيم دور هذه الدول الاقليمي, لاعطاء دور اكبر واخطر لاسرائيل, وربما كان الدور الوحيد المسموح به. 3ــ وقبل ان تنتهي الازمة بدأت اصابع الاتهام تشير إلى الضحايا الجدد, فقد سربت المخابرات المركزية الامريكية تقريرا عن تهريب اسلحة الدمار الشامل العراقية إلى السودان وليبيا, ولم يتردد التقرير في التذكير بأن مصر تملك اسلحة كيميائية وتقدر على تخليق الاسلحة البيولوجية, وهو ما يعني سهولة ان تجد دولة من هذه الدول العربية نفسها في المأزق العراقي نفسه, فلم يعد من الصعب اصدار قرار من مجلس الامن, ولا فرض الحصار والتفتيش, ثم التهديد بالضرب. 4ــ واذا انتهت الازمة بضرب العراق فان معظم المراقبين في كل دول العالم من روسيا إلى مصر, ومن الولايات المتحدة إلى جنوب افريقيا, يتوقعون موجة عارمة من التطرف, وإلى قيام تحالف بين الاخوان المسلمين والقوى القومية. 5ــ وستجد الانظمة العربية العلمانية المعتدلة نفسها بلا حليف ولن تقدر على الاستمرار في الحكم دون عنف وقسوة, واذا لم تعد النظر في علاقاتها الامريكية والاسرائيلية ستفقد ما تبقى من شعبيتها في الشارع, ولن نفاجأ بعزلتها ولن نفاجأ برحيلها, وسقوطها, ويبدو ان القاهرة تستوعب ذلك جيدا, فقد نقلت صحيفة (الجارديان) البريطانية عن مسؤول مصري, ان احد الاثار السلبية لأي ضربة جوية تشنها الولايات المتحدة وبريطانيا ضد العراق قد توقف العلاقات الواهية بين مصر واسرائيل مثل رحلات الطيران والتبادل التجاري المحدود وربما سحب السفراء, بسبب تصاعد موجة الغضب العربي. 6ــ ورغم تصريحات السفير الامريكي في انقرة مارك ابرس بان بلاده لن تسمح بقيام دولة كردية مستقلة في شمال العراق, فان خطر قيام هذه الدولة هو احدى النتائج المحتملة لضرب العراق, وفي حالة قيام هذه الدولة ستجد ثلاث دول هي تركيا وسوريا وايران نفسها في حالة قلق على امنها القومي, وقد حركت تركيا 50 الف جندي عبروا الحدود العراقية لاقامة حزام امني لمواجهة 100 الف لاجىء كردي عراقي يسعون للهروب من جراء الغارات الامريكية المتوقع ان تستمر اربعة ايام على الاقل, بمعدل 200 غارة يوميا. 7ــ وقد حرصت الولايات المتحدة على تأجيل الضربة العسكرية للعراق إلى ما بعد دورة الالعاب الاولمبية في ناجونو في اليابان حفاظا على الاخلاق الرياضية, وان لم تدخل في حساباتها بداية موسم الحج حفاظا على المشاعر الاسلامية, وهو ما جعل السعودية ترفض استخدام نحو 50 طائرة هجومية في قاعدة الامير سلطان الجوية الواقعة إلى الجنوب الشرقي من الرياض في حالة مهاجمة العراق, ان السباحة والقفز بالزانة والرقص على الجليد في اليابان اكثر قداسة عند الادارة الامريكية من الطواف بالبيت الحرام في مكة المكرمة, وهذا الخلل الانساني هو ما جعل المعلق الامريكي الشهير بات بيوكانان يكتب في (الواشنطن تايمز) ان العمل العسكري ضد العراق لن يخدم المصالح القومية الامريكية, واستطرد: ان النظام العالمي الجديد الذي صكه جورج بوش, وعصر الهيمنة الامريكية في العالم كله كانت علامة على الغرور الزائد انتهت إلى وقوف الولايات المتحدة بمفردها في المواجهة مع العراق, وهو ما قاله بصيغة اخرى الجنرال تشارلز هونر قائد القوات الامريكية في حرب الخليج الثانية لصحيفة (نيويورك تايمز) ان الحل العسكري للازمة مع العراق لن يؤدي إلى اية نتائج ايجابية سوى توسيع فجوة الخلاف بين الولايات المتحدة وحلفائها وتوتر علاقاتها مع الدول الحليفة لها في الشرق الاوسط وتحويل صدام حسين من شخص خارج عن القانون إلى شهيد وبطل قومي في العالم العربي. 8ـ ولن تتوتر علاقات الولايات المتحدة بحلفائها العرب فقط, ولكنها ستتعرض إلى عمليات ارهابية ــ ولو يائسة ــ في المنطقة, فالذي يلعب بالنار يحترق بها, والحاصل ان الغضب العربي مما يجري يفتش الان عما يجعله يرد الاهانة الامريكية, ولن يكتفي الناس من المحيط إلى الخليج بحرق الاعلام الامريكية, وربما وجدوا ان الوقت مناسب لمقاطعة البضائع الامريكية, فالحياة ممكنة بدون اللبان والهمبورجر والفريد تشكن والغسالات الفول اتوماتيك التي لم تزل البقع وانما ازالت وجودهم. 9ــ ولو نسى جيل الكبار المعانات, فان الاطفال لن ينسوا, ان ذاكرة الصغار البيضاء والبريئة سينطبع فيها كل ما يجري في العراق, الموت من الجوع, والحياة على الحافة, والبحث عن كوب حليب, وبيع الفراش والشرف من اجل رغيف خبز, سيخرج هذا الجيل ساخطا, غاضبا, معقدا وسيسعى إلى الانتقام من اقرب الجيران اليه, وهو ما يجعلنا نفقد المستقبل بعد ان فقدنا الحاضر. 10ــ وقد ضاعفت الازمة من مساحة فقدان الثقة بين الانظمة والشعوب العربية, وقد اصبحت العلاقة بينهما معلقة بين السماء والارض, ان الشعوب ترى الولايات المتحدة قوة تنفجر بالغطرسة بينما تراها الانظمة حليفا يصعب الاستغناء عنه, وترى الشعوب في الرئيس الامريكي سفاحا وقاتلا للاطفال, وتراه الانظمة سياسيا يحافظ على مصالح بلاده, ومهما جرى فان احدا لن يفرض على الناس القفز من نوافذ التاريخ دون مظلة, ولا احد يستطيع ان يفرض على مشاعرهم الاقامة الجبرية, لا احد يطلب منا ان نرتدي ملابس رعاة البقر وطاقية الحاخامات ونتجول بها في ميدان التحرير أو في مكة المكرمة. ان اي واقع لا يأخذ في حسبانه مشاعر الناس سينتهي لا محال إلى السقوط, فالواقع لا يمكن ان يكون ضد الناس, والا اصبح ضد نفسه, والناس من لحم ودم, وليسوا مجرد زجاجات كوكاكولا.

Email