مع الناس: بقلم - عبد الحميد أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

الفن الهابط الذي يهاجمه مثقفون عرب عادة ومن في معيتهم من ذوي الذوق والوعي ليس حصرا على العرب وحدهم, فهو في الاساس انتاج غربي من ثمرة الاستهلاك, وكل فضل للعرب فيه هو انهم يقلدونه في حال لم يستطيعوا استيراده طبق الاصل . فالذين شاهدوا الممثل (العالمي) المدعو جان كلود فان دام على الطبيعة اثناء زيارته لدبي مؤخرا عقدت الدهشة ألسنتهم, فهؤلاء تصوروا انهم سيرون شابا تطفح من ملامحه الوسامة وطويلا بما يجعله بطلا حقيقيا لنوعية الافلام التي يقدمها, فإذا هم امام رجل اقصر قامة منهم جميعا, وبملامح تجعل الواحد منهم مقارنة به فتى شاشة حقيقيا من ايام عمر الشريف وأحمد رمزي ورشدي اباظة من العرب, أو من ايام كلارك جيبل وريتشارد دوجلاس وروك هدسون من الامريكيين. هذا الواقع ذكرنا بجار لامريكي ذهب للعمل في هوليوود كسائق فاحترف التمثيل لانه الاقدر على تمثيل دور فرانكشتاين دون مكياج, وربما كان هذا افضل من فان دام الذي كان سائقا وموزعا للبيتزا فاذا به يتصدر الشاشة بأفلام ليس فيها سوى الحركة والاكشن, ولا ينطق فيها بطلها ببنت شفة, لانه عمليا لا يجيد ذلك, ومع كل هذا تتصدر افلامه دور السينما بنوعية من الافلام تروق للشباب, نسميها نحن والغرب معا الفن الهابط. هذا الفن الهابط, هو الذي ينزل السلم إلى الاسفل في القيمة, لكنه في حياتنا يصعد السلم مكانة ودخلا وشهرة, بدليل فرقة (سبايس جيرلز) الغنائية التي ملأت الدنيا في الغرب والشرق معا وشغلت المراهقين والمراهقات, حتى وهي تقدم من الاغنيات ما لا قيمة له في مفهوم الاغاني السريعة واغاني البوب نفسها. ويسأل البريطانيون انفسهم هذه الايام عن الفرق بين ذكاء فتيات التوابل ووجود الاطباق الطائرة, ويجيبون: لا اثر يدل على اي من الاثنين, اشارة إلى خرافة ذكاء البنات الخمس, لولا ان شهرتهن صنعتها اضافة إلى الجمال والتعري ماكينة الدعاية لكل ما هو هابط, وليس اي ذكاء أو رجحان عقل أو مقدرة غير عادية. مع ذلك فالفن الهابط, سواء تعرى فيه البطل من طراز فان دام فارداً عضلاته أو تعرت فيه مغنيات من طراز فتيات التوابل وغيرهن, عمره قصير, فهو ليس اكثر من فقاعة تطير في الهواء ثم تنفجر, فالفيلم الذي ينتمي لهذا النوع من الفن أو الاغنية, لا يمكث الا قليلا عند الناس, مقابل الجيد من الفن, بدليل فيلم كـ (تيتانيك) هذه الايام. وبما ان الفرق واضح بين فن جيد وآخر هابط, يعرفه الناس من الفكرة والموضوع والقيمة والذوق وغيرها من معايير يتمتع بها الاول ويتمتع بعكسها الثاني, فان النموذجين سيظلان متلازمين ولن تكون هناك نهاية للفن الهابط كما قد يتصور البعض, فيبقى للناس انفسهم بما يملكون من حس ووعي وذوق وعقل الحكم على الجيد من الرديء, واستبعاد ما لا يتفق مع اذواقهم وعقولهم, فيكون هذا افضل ضمانة ممكنة اما لنجاح حقيقي لعمل فني أو لسقوطه الذريع. لذلك فالذين يهاجمون الفن الهابط الذي نفضل ان نسميه رديئا وسيئا, لا يكفيهم سلاحا مجرد الهجوم, خاصة ان هذا ليس عربيا بالضرورة دائما كما اشرنا, مقابل أن تلعب وسائل الاعلام الدور الاهم في تسويق الجيد ورفض السيء, فبيد هذه لا غيرها, صعود فان دام أو هبوطه, ولمعان فتيات التوابل أو بهوتها, وهذا طبعا مستحيل حاليا عندنا في الوطن العربي, لأن الاعلام نفسه في وضع الهبوط السريع.

Email