أبجديات: بقلم - عائشة إبراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

حينما تمضي مختارا إلى زمن غرق في الزمن, وتصر بكل حواسك على تقليب حطام الذاكرة الذي اسقطته الايام في قاع يندر ان يذهب اليه احد, ساعتها تعرف انه لا بديل عن هذا الالم الذي سعيت اليه مختارا. ان تقلب في ذكريات قديمة امر مؤلم حقا, ولكنك تتجرأ على هذا الالم بشحنة امل ليست في محلها دائما, لكنها تعينك لبعض الوقت على الاحساس بانك مازلت كما انت, وان ذلك البعيد الذي تاه في الزمن مازال صديقك أو حبيبك الذي ينتظرك على حدود الحلم أو على حافة العالم! وبرغم يقينك بانه لا حلم, فكل الاحلام صارت محفوظة في الاجهزة والاقراص المدمجة, وان حافة العالم اصبحت كالعورة المكشوفة, الا انك مازلت ـ ولغاية في نفسك ــ قابضا على الحلم, كالقابض على النار. وسؤال كالفاجعة يضج في فضائك: لماذا نفقد الصداقات الحلوة, وكيف تضيع الايام الحميمة؟ لماذا يتملكنا غرور صبياني ساعتها فلا نشعر بحجم الخسارة حين نودع احلى ما نملك, وبعدها نأتي نبحث عنها كالغرقى, نظن انها تختفي كعذارى الحكايات وراء الباب تنتظر الحاكم بأمره؟ فاذا بالباب وليس وراءه غير الريح, والوجوه التي لا نرغب, والاصوات التي لا تعرف كيف تترك بصمتها (الدافئة) , في دواخلنا. نسأل: اين ذهب الذين نحبهم, نجيب انفسنا: مضوا إلى حيث لا نعرف ولا يعرفون! ونسأل بعضنا: هل كان ذلك ضروريا؟ هل كان ذلك لحكمة كما يردد الكبار؟ يجيبنا البعض: ربما. نحن نتعلم ابجدية الحب مع الولادة ومع شهقة الحياة الاولى, وحينما نغادر الجدران وحواف الحي وممالك الوالدين نعرف عوالمها الرحبة وتتلبسنا حتى النهايات. اشكال ووجوه واصوات, ننتقي منها وجها نجعله عنوان الابجدية الاولى, ونمضي للثانية فالثالثة, وهكذا. ولكن دون ان نعلم فان العنوان يضيع في المتاهات حينها نغدو بلا عنوان ثابت, تغرينا كل القلوب فنسكنها وبعد زمن, نباغت انفسنا بأننا نعيش في (شقق مفروشة ليس الا) . وقد لايبدو امرا مستساغا ان يدفع الانسان بكل هذا الشجن مرة واحدة, ولكن حينما تذهب بعيدا مع كثير ممن تصادقهم في حياتك, تجد ان معظمهم يعيش مرارة البحث عمن ذهب, وبأنه في انتظار ذلك الذي لن يأتي ابدا!!. ولكنه يقول لك: لا بأس من افتراش الذاكرة لبعض الوقت ولا ضرر من هذا الالم الممتع, انه شكل آخر للتوازن في زمن صار فيه العالم مقلوبا. آخر المطاف: يسألك احدهم: لماذا لا تبقى الاشياء الجميلة ولماذا يرحل الطيبون سريعا؟ تجيبه: انها سنة الحياة, وتمضي تسأل نفسك السؤال نفسه دون رغبة في سماع الاجابة ذاتها!

Email