قطعة سلاح لكل طفل رضيع!- بقلم: محمد الخولي

ت + ت - الحجم الطبيعي

في البرازيل يزداد العنف ايقاعاً وتواتراً بفعل الانتشار الفظيع لتجارة المخدرات وأيضا بفعل النزعات السوبر اجرامية أو هي النزعات الوحشية التي تتجسد في ظاهرة, بل مؤسسة كتائب الموت المدنية وهم العصابات قناصة البشر هو اعلان يطالعه الناس حاليا على محطات الباصات في شوارع نيويورك... في الاعلان صورة لطفل يكاد يسبح ذاهلا في طيات السحاب... الاعلان مكلل بضباب الحزن وغاشية الشعور بالاسف والندم والفقدان... تلك رسالة يعمد اصحابها الى توصيلها من اجل ايقاظ الوعي الامريكي العام بخطورة الاسلحة الصغيرة التي نتناولها في هذه الاحادث وتحت الصورة الضبابية كتبو جملة واحدة تقول: في كل يوم تنطلق الرصاصات المهلكة من الاسلحة الشخصية الصغيرة في كل يوم يموت عشرة اطفال في امريكا من جرائها. مساواة الأغنياء والفقراء ومن عجب ان يتساوى في هذه الكارثة اغنياء العالم وفقراؤه على السواء... وبمنطق الارقام تتساوى مثلا دولة نامية مثل البرازيل ودولة عظمى موسرة مثل الولايات المتحدة من حيث جسامة مشكلة الاسلحة الصغيرة واحصاءات الموت الناجمة عنها. ... خذ مثلا: الدراسة الاستقصائية التي حاولت فيها الامم المتحدة ان تجري مسحا للمشكلة تدل على ان البرازيل تشهد في كل سنة مصرع 41 الف انسان تحت وابل النيران المنبعثة من مسدس او بندقية او رشاش رخيص ونفيس. اكثر من هذا مدينة ساو باولو البحرية تشهد مقتل مواطن واحد في كل ساعة... نعم حالة مصرع انسان على مدار الساعات الاربع والعشرين حيث 90 في المائة من هذه الحوادث القاتلة ترجع الى استخدام الاسلحة الصغيرة او الخفيفة او الشخصية... اختر ما شئت من المسميات. في الطرف الآخر من المنظور, تقول آخر الاحصاءات ان امريكا تشهد حوادث من جراء تلك الاسلحة الصغيرة في اسبوع واحد بما يعادل ما تشهده جميع دول اوروبا الغربية في سنة بأكملها. فتش عن الظلم على ان هذا المنظور رغم طرفيه الفقير والغني... النامي والمتقدم النمو, يشير بعد التقصي وامعان التمحيص الى ان ثمة ارضية مشتركة بين الطرفين بين بلد مثل البرازيل يجاهد لكي ينمو وبلد مثل امريكا يعرف معنى الترف والسرف في الاستهلاك. هذا الشأن المشترك يتمثل برأينا في ظاهرة يمكن ان نلخصها في عبارة واحدة غياب العدل في هذا الصدد يقول البروفيسور مايكل رينر في دراسته حول الموضوع الذي تخيل اليه كثيرا في سياقنا الحالي. ... في المجتمعات التي يفتقر اليها الناس الى الاحساس بالانصاف الاقتصادي, ومن ثم يعيشون ظروفا يكابدون فيها الفقر ويعانون من البطالة... تقودهم هذه الظروف الى ارتكاب جرائم العنف وكأنها تكتيكات واساليب للبقاء على قيد الحياة, حيث يكون النسيج الاجتماعي الذي يحفظ الوحدة والتجانس والتآزر والتكافل بين الجماعة قد اعتراه التوتر الشديد, واصيب بالتفسخ والاهتراء, وحيث ينفسح الطريق امام العداوة والاحقاد والثارات والخصومات العرقية ــ العنصرية والطبقية ــ الاقتصادية, وحيث يوضع موضع الجدل والطعن مدى شرعية المؤسسات السياسية التي يفترض ان لها دورها الاساسي في تنظيم شؤون المجتمع وضبط العلاقات التي تربط بين افراده عبر التقسيمات الطبيعية (المشروعة) سواء كانت طبقية او فئوية او غيرها. من ناحية اخرى, تتسم هذه الظاهرة من العنف المشترك بصفات مميزة حسب الخصائص التي يتفرد بها هذا المجتمع أو ذاك. صحيح انها في البرازيل وفي امريكا مثلا ترجع بالاساس الى المشكلة الاجتماعية والى العنف والجنوح النابعين من التهميش الاقتصادي بالدرجة الاولى, لكنها تتسم ايضا بالقسمات الخاصة التي يتفرد بها هذا المجتمع أو ذاك. ... في البرازيل يزداد العنف ايقاعا وتواترا بفعل الانتشار الفظيع لتجارة المخدرات, وايضا بفعل النزعات السوبر اجرامية وهي النزعات الوحشية بالدرجة الاولى, تلك التي تتجسد في ظاهرة, بل مؤسسة كتائب الموت المدنية وهم العصابات قناصة البشر.. (تصور!) : مواطنون برازليون يأتمرون بليل ويتزودون بالاسلحة الصغيرة اياها, ثم ينطلقون ــ قاتلهم الله ــ لكي يصطادوا مواطنين آخرين بشرا تحت شعار لم تشهده الفاشية من قبل وهو تخليص المدن الكبرى من آفة اطفال الشوارع وابناء السبيل وايتام السفاح (بكسر السين وفتح اللام) وكأنهم بهذه المجازر يؤدون خدمة... للوطن العزيز (قدمت هيئة الاذاعة البريطانية منذ سنوات قلائل برنامجا تلفزيونيا وثائقيا يشيب من هوله ولدان المشاهدين حين تابعت الكاميرا بالصوت والصورة انشطة قناصة الاطفال في شوارع ريودي جانيرو بقصد اغتيالهم بدعوى تكاثرهم وفسادهم... وكأن القوم يكافحون جرذانا مؤذية أو حشرات تجلب الطاعون. أزمة المدن الداخلية امريكا من ناحية اخرى تعاني امراض ما يسمى باسم (المدن الداخلية) وهي كناية عن الاحياء الفقيرة في المدن الكبرى وخاصة احياء العشش والاكواخ وبيوت الصفيح والكرتون والبيوت المهجورة العاطلة من المرافق الصحية الاساسية, ناهيك عن الذين يعيشون من غير بيوت اصلا, وهم افواج المشردين الهائمين على وجوههم بين زوايا المتربول ــ المدينة المهيمنة البالغة الضخامة كما يقول (تعبير الديمغرافي وهي مدينة شبه متوحشة لا تعرف النصفة ولا تكافؤ الفرصة ولا حق البشر في الحد الادنى من العدل والكرامة. واذا كان العالم النامي (البرازيل مثلا) يكابد مثل هذه المشكلة, واذا كان العالم المتقدم (امريكا مثلا) يحاول رصدها وتشخيص امراضها ومحاولة التعامل معها فان العالم الذي بين هو (روسيا مثلا) يكاد يصل بمشكلة الاسلحة الصغيرة الى حد الانفجار. خذ العبرة من روسيا وتبادر فتقول ان روسيا نموذج ينبغي ان يوضع في بؤرة الاهتمام ومحور الاعتبار عندنا نحن ابناء العالم الثالث بالدرجة الاولى وذلك لاسباب اساسية نوجزها فيمايلي: بعد انتهاء الحرب الباردة آل دور الجيوش النظامية وخاصة في بلدان المعسكرين الاشتراكي (السابق) والرأسمالي (الراهن والمنتصر) الى نوع من التحجيم بل وبلغ هذا التحجيم الى درجة وصلت حد الاهانة في بلد مثل روسيا حيث انهارت ميزانيات القوات المسلحة. وبات على افراد وحداتها ان يدبروا معيشتهم بمعرفتهم حتى ولو زرعوا البطاطس بل واصبح مآلوفا مشهد الضباط والجنود الروس وهم يعزفون الجيتار في محطات المترو الارضية ارتقابا لروبلات المحسنين!. ومن شأن وضع من هذا القبيل ان يؤدي الى فساد نظام الرقابة على الاسلحة والى انشاء سوق سوداء معلنة بمنطق الجهر بالتحدي بعد ان برح الخفاء وبلغت الروح التراقي كما يقول التعبير العربي القديم. وأدى هذا الوضع ايضا الى ما اصبح يعرف في الادبيات السياسية بظاهرة (رخاوة الدولة) حيث الدولة النظام السياسي هو شوكة في التحليل الاخير شوكة كما يقول المصطلح الخلدوني او هي اداة بطش مشروعة من حيث دورها في تنظيم المجتمع والسهر على امو ر الضبط والربط بين ظهرانيه بما في ذلك ردع المخالفين للشرعية والخارجين على القانون على ان هذه الشوكة لاتلبث ان ترتخي عندما يدب الفساد في اجهزة الضبط والربط وعندما تعج الدولة مجسدة في الحكومة واحدة من اضعف حلقات التنظيم الاجتماعي حيث الرشوة متفشية وحيث شراء الذمم اسهل وافعل من الاستقامة وقضاء الحاجات بالسبل السليمة والمشروعة. ـ ثم ان نظام السوق والركون الى قوانينة التي اصبحت بقرات مقدسة وفي مقدمتها بداهة قانون العرض والطلب الذي ادى بدوره الى خلق مؤسسات بديلة عن اجهزة الدولة الشرعية ومنها مؤسسات شرعية بدورها ومطلوبة وهي رابطات المجتمع المدني في حين ان منها ايضا مؤسسات الجريمة المنظمة ـ المافيا ـ التي تكاد تمثل كائنا خرافيا تمتد اذرعه الالف الى كل مجال تتخلى عنه الدولة الرخوة, او ترتخي قبضتها عليه فاذا به يصبح تحت سيطرة المافيا, او المافيات التي تتولى تنظيم دولاب حركة المجتمع على هواها وطبقا لمصالحها وكلها مصالح محروسة بالسلاح ـ الخفيف او الشخصي او الصغير بالدرجة الاولى. حكاية البودي جارد في مثل هذه البيئة تولد ظاهرة (خصخصة الامن) التي المحنا اليها في حديثنا السابق وهي ظاهرة يمكن ان نلخصها في مؤسسة نراها دخيلة على المجتمع العربي ــ المسلم ونراها تقليدا هجينا وسخيفا وغاية في الخطورة لمجتمع الغرب الامريكي على وجه الخصوص وهذه المؤسسة هي باختصار. ..البودي جارد وذلك عنوان يمكن ان تندرج تحته شركات الامن الخاص, واطقم الحراسة الشخصية ومن ثم تراخيص السلاح الممنوحة لافراد لاحيثية لهم سوى انهم متنفذون ونافذون دنا قرون واعضاء في اكثر من (لوبي) في الجماعات الضاغطة ذات المصالح والمأرب الخاصة في المجتمع بمعني انهم افراد غير مسؤولين عن حفظ الامن ولا سلامة الشعب ولا الذود عن حياض الوطن. هذا ولن ينفعنا يومئذ سخرية رسامي الكاريكاتير في مصر مثلا من البودي جارد ــ الحراسة الخاصة التي تحيط بالراقصات واصحاب الكباريهات وذلك لان المسألة اخطر من مجرد السخرية من تلك الظاهر البالغة الخطر والخطورة وهو ماتدلك عليه الارقام والحقائق المستقاه من (الحالة الامريكية على سبيل المثال) من اهم واخطر المؤسسات الفاعلة والمؤثرة في المجتمع الامريكي جمعية البندقية الامريكية هي وبحكم اهميتها تلك تمثل لوبي تسليح المواطنين ودعم انتشار تجار ودكاكين بيع الاسلحة الصغيرة بالذات والتصدي لاي محاولة (منها مابذله الرئىس كلينتون ذاته) لاضفاء بعض الشروط ولو كانت واضحة او مبدئىة لتقييد شراء المواطن للسلاح كما يشتري فرشاة اسنانه من السوبر ماركت او كما ينتقي كيلو زبيدي من سوق السمك. المعروف ان جميعة البندقية هذه تقف الى جوار المرشحين الجمهوريين وقد سبق لها تمويل ودعم الرئيس ريجان الذي رد لها الجميل اكثر من صاعين وعندها احتاجت نائبا جديدا لرئاستها عمدت الى اختيار النجم الشهير شارلتون هستون وهو من عمالقة الاخراج والتمثيل في هوليوود وكأنها تبيع من خلاله خطها المهلك واتجاها في دعم انتشار الاسلحة في ايادي الناس ولها في ذلك شعار ابدعه في ذكاء وحرفية مشهودة خبراء العلاقات العامة ويقول: البندقية لاتقتل بل الناس هم الذين يقتلون سلاح من المهد الى اللحد اخيرا تواصل الارقام حديثها المحدد .البليغ فتقول: ان عدد تراخيص السلاح (الشخصية) الصادرة للافراد يبلغ 250 مليون رخصة وان هذا معناه تخصيص سلاح شخصي واحد لكل شخص امريكي مابين الطفل الرضيع الى المواطن الطاعن في السن. وان عدد تجار ودكاكين بيع وتداول الاسلحة الخفيفة بكل انواعها بلغ في امريكا 250 الف تاجر ـ ربع مليون منفذ للحصول على بندقية او مسدس او رشاش مقابل ابراز هوية مثل رخصة قيادة او بطاقة ائتمان. ولكي تكتمل سخرية المقارنة فكأنما اصبح السلاح هو الخبز اليومي لافراد الشعب الامريكي... بين الرضيع والعجوز ذلك لان عدد دكاكين بيع الاسلحة يبلغ على هذا الاساس عشرين ضعف عدد مطاعم مكدونالد الشهيرة للوجبات السريعة.

Email