مستقبل التعليم العالي بقلم: د. عبد الرحيم الشاهين

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتوقف مستقبل التعليم العالي في الامارات على وجود سياسة تعليمية واضحة الاهداف, تحدد من خلالها مدخلات التعليم العالي ومخرجاته بما يتوافق واحتياجات سوق العمل في الدولة , ويلبي الامال والطموحات الوطنية, ويتوقف ذلك على تحقيق عدة امور لعل من اهمها: وجود تعليم ذي نوعية متميزة, ووجود تخصصات تناسب متطلبات سوق العمل الحالية والمستقبلية, في القطاعين الحكومي والخاص, اضافة الى مواكبة ركب التقدم العلمي والتكنولوجي, كما ان الاقتصاد الحديث اليوم يعتمد على قاعدة معلومات تقنية متطورة, الامر الذي يعني ان الوظائف المستحدثة ستكون في اغلبها ذات صبغة تقنية وفنية, مما يؤكد على ضرورة العمل على زيادة الوظائف المواطنة في مستويات المهن الوسيطة والمساعدة, باعتبارها الطريق الاساسي للتوسع في التوطين والاحلال للقوى العاملة, وهنا نرى ضرورة ان تلعب مؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة دورها الوطني من خلال اهتمامها بالتعليم والتخصصات الفنية والتقنية. وحتى يؤدي التعليم العالي غرضه المطلوب لابد من تحقيق وحدة التوجه لنظام التعليم العالي الحكومي والخاص في اطار يسمح بتكامل الاهداف وليس ازدواجيتها ويشجع على اختلاف وتعدد المصادر والموارد والتقنيات التعليمية وليس تكرارها ويضمن تحقيق تقارب في المستويات الاكاديمية عند مستوى عال من النوعية وليس تفاوتها. ولابد ايضا من تحقيق الترابط والاتصال بين التعليم العالي والحياة العملية وخاصة بين اماكن العمل المحتملة والتعليم العالي, وهو الامر الذي يستوجب اعادة النظر بمناهج وطرق التدريس والقائمين على التدريس بشكل مستمر, وبالشكل الذي نستطيع فيه مسايرة التقدم العالمي وتحقيق التنمية المرجوة, اضافة الى زيادة تأهيل وتدريب القائمين على التدريس بشكل مستمر, على ان يتم كل ذلك في ضوء المحافظة على القيم المجتمعية والهوية الوطنية, وبالشكل الذي نكون فيه مستعدين لمواجهة القرن المقبل, وكل ذلك يستوجب تحديد التعديلات الواجب ادخالها على محتويات الخطط والمناهج الدراسية, لتكون اكثر استجابة لاحتياجات سوق العمل, وان الاخذ بهذا التجاه سيعزز من اهمية مؤسسات التعليم العالي, لأنه سيكون مخالفا لما يحدث حاليا من طرح برامج (مهنية/ تدريبية) لدى العديد من المؤسسات الخاصة, اما لأنها هي نفس البرامج والخطط المطروحة في المؤسسات الاجنبية التي ترتبط معها المؤسسات المحلية باتفاقيات تعاون وتنسيق, او مسايرة لاتجاهات عالمية قد لا تكون بالضرورة متوافقة مع الظروف البيئية لمجتمع الامارات, وخصائص نظامه الاقتصادي والاجتماعي, واولويات التوطين والاحلال في القطاعين العام والخاص. ونرى ان الامر يتطلب اعادة النظر بشكل جذري بالقوانين والتعليمات والانظمة التي تحكم التعليم العالي في ظل اطار تخطيط مركزي, يعطي الاولوية لتلبية احتياجات سوق العمل, وللتنسيق الفعال مع قطاع الاعمال, ومن ناحية اخرى لا يمكن لسياسة اعادة الهيكلة الجذرية ان تحقق الاهداف المرجوة دون وجود تنسيق فعال مع الجهات والاجهزة المعنية بشؤون التعليم والتخطيط على مستوى الدولة, وخاصة فيما يتعلق بتشجيع الطلبة على الالتحاق بالكليات المتوسطة والتطبيقية, وتشجيعهم على اختيار تخصصات تشكل اولوية للدولة, بهدف توفير الكوادر القادرة على الوفاء بمتطلبات المستقبل وخاصة في مجالات العلوم والتكنولوجيا. كما ان الاهداف المعلنة دائما للكليات والمعاهد الخاصة نراها تتمثل في التأهيل المهني والعلمي دون ان نجد ذكرا لهدف الربح المادي في نشرات ووثائق هذه الكليات, وعليه فانه يجب الاخذ بعين الاعتبار انه ما دام تأسيس هذه الكليات كان بصيغة شركات تجارية فان الهدف الحقيقي لها هو الربح اولا, والنجاح الاكاديمي ثانيا. وبذلك فان التركيز على النجاح الاكاديمي منذ البداية, هو الكفيل بتحقيق اهداف مشروعة ومعقولة على المدى المتوسط والبعيد, وان الفشل في تحقيق النجاح الاكاديمي يؤدي الى فشل المؤسسة بأكملها. وعليه نرى ضرورة اعادة النظر في مسألة ارتفاع الرسوم الدراسية في بعض الكليات والمعاهد الخاصة ودراسته دراسة علمية وواقعية لجعلها تتناسب مع مستويات الدخل, والا فان تفضيل جامعة الامارات وكليات التقنية سيستمر مستقبلا بالنسبة للمواطنين. ونختتم حديثنا عن مستقبل التعليم العالي في الامارات بتقديم اقتراحين جديرين بالدراسة والمتابعة, اول هذه الاقتراحات هو النظر في امكانية انشاء مجلس للتربية ومجلس اعلى للتعليم العالي في الامارات, يضم نخبة من صناع القرار, والمثقفين, ورجال الفكر, ورجال الاعمال, وبمشاركة المواطن العادي, يتولى هذا المجلس وضع الخطط والسياسات للتعليم العالي, او التخصصات التي ينبغي ان تشكل اولوية للدولة, بما يتناسب مع احتياجاتها من القوى العاملة المواطنة في المرحلة الحالية والمستقبلية. والاقتراح الآخر الذي نطرحه هو هل يمكن ان تصل درجة الوعي لدى ابناء الدولة الميسورين ماديا والذين يحملون حسا وطنيا الى انشاء جامعة او كليات متوسطة خاصة تمول كليا من التبرعات والهبات والمنح والاستثمارات, خاصة واننا نعتقد ان مثل هذا التمويل ممكن توفيره, لو صدقت النية وخلصت العزائم, بحيث تركز هذه الجامعة على الاهداف العلمية والمهنية, والتطوير المستمر لنوعية التعليم العالي ومخرجاته, بالشكل الذي يلبي احتياجات سوق العمل في الدولة, بالرغم من ان هذا الرأي قد يثير العديد من التساؤلات حول من هي الفئات التي يمكن ان تساهم في عملية التمويل؟ وما هي درجة او مدى التدخل الذي ستفرضه تلك الفئات في التأثير على سياسة الجامعة ومناهجها وطرق التدريس فيها؟ وما مدى الاستمرارية في عملية التمويل؟ وختاما نرى انه بالرغم من اهمية الدور الذي تلعبه مؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة في الامارات, وانتشارها بشكل كبير, ستبقى مسؤولية الدولة امرا ضروريا وهاما, من خلال اشراف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على تلك المؤسسات وتوجيهها بما يتناسب واحتياجات المجتمع من التخصصات المطلوبة في المرحلة الحالية والمستقبلية.

Email