يومياتي- بقلم: د. أحمد القديدي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الربط بين الاستعداد لضرب الشعب العراقي وبين طروحات رجاء جارودي ربط منطقي وموضوعي وضروري. فقد سبق لأحد المؤرخين الامريكان (كريستوفر ميرولد) صاحب كتاب (بونابرت في مصـر) ان كتب قائلا (ليس هناك ما يشرف الاحتلال الأوربي للشرق على مدى القرون , من اعدام شيوخ الازمة الابطال في مصـر الى حرق قبائل الجزائر في جبال الاطلسي..) كل التاريخ الاوروبي منذ قرونهم الوسطى الى ممارسات الولايات المتحدة الامريكية وريثة الاستعمار الاوروبي يمثل سلسلة غير مشرفة من عمليات الابادة الجماعية وبالطبع دائما, فالمسوغات والمبررات جاهزة للاستهلاك. فاحتلال مصـر سنة 1798 كان (لتمدين) الشعب المصـري وانقاذه من استبداد المماليك حتى ولو أدى الامر الى اعدام العلامة حسن الشرقاوي والامام العمدة عبدالوهاب الشبراوي والفقيه العالم يوسف المصيحلي وفضيلة الشيخ اسماعيل البراوي والشيخ الفاضل عبدالقاسم والشيخ سليمان الجوسقي العالم الضرير البصير والحكم غيابيا على تسعة آخرين بالاعدام. هذه هي (المدنية) تسعى قادمة من أوروبا لتعدم المجاهد العتيد والبطل محمد كريم ثم ترفع رأسه على حربة عبرة لمن يعتبر وتطوف به الاسواق ثم يأتي الخزي الاكبر بطريقة قتل سليمان الحلبي قاتل كليبر بأكثر الاساليب وحشية. وننتقل من مصـر الى المغرب الاسلامي والجزائر لنقرأ شهادات في مذكرات لجنرالات الاستعمار نشرها كاملة وعلق عليها الصديق رجاء جارودي وفيها من عمليات الابادة الجماعية ما تشيب له الولدان والشعار المرفوع هو التمدين والتنصير, بينما كان الاستعمار يجهض صحوة اسلامية وشوروية مباركة في مصـر وفي المغرب الاسلامي ويخنق حركة اصلاحية (ديمقراطية) اسلامية انتفضت في سبيلها الشعوب العربية. وما يجري اليوم من استعداد لضرب الشعب العراقي انما هو امتداد لتلك الفلسفة الغربية القائمة على ارادة اخضاع الاخرين لهيمنة التحالف المسيحي اليهودي والتمهيد للاسواق ولاقامة دين وحدانية الربح والتسبيح باسم القوة الامريكية الوحيدة المستفردة بالعالم. الأحد: الامارات المثقفة تشرفت بزيارة دولة الامارات على مدى ثلاثة أيام برفقة الصديق رجاء جارودي, وقد زرتها منذ مدة طويلة ثم اكتشفت هذا التقدم السريع المذهل والمتوازن في كل مجال: الاقتصاد والمعمار والخدمات والطرقات والسياحة, ولكن الذي اثلج صدري وصدر الصديق جارودي هو ما نسميه الامارات المثقفة. نعم. شعب مثقف متحفز لتحمل رسالة حضارية عربية اسلامية يستحقها بكل جدارة. فالندوة الثقافية والعلمية بفضل رئيس مجلس ادارتها الشاب المتميز محمد احمد المر والكوكبة التي تعمل معه اصبحت خلية فكرية اساسية على الصعيد العربي, اما الصحف الاماراتية وبخاصة (البيان) الغراء فقد تحولت الى مؤسسات اعلامية وثقافية وحضارية كبرى تضخ المعلومات وتنشر ثقافة الحوار المسؤول وتلعب دورها في تربية الشعوب وتوعيتها. ثلاثة ايام اسعدتني واسعدت صديقي رجاء جاروي وكان تاج الزيارة تلك الحفاوة التي لقيناها وحظينا بها من الوزير الشاب المثقف سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان جزاه الله خيرا ونفع به شعبه وأمته الاسلامية. فالى الامام يا امارات الخير, بتلك الطاقة التي لا تفنى ولا تنضب: طاقة الانسان والارادة والايمان. الثلاثاء: الواقعية أم الانهزامية أعترف انني في بعض الحوارات والمواقف تجيش بي بعض العواطف واتحمس لقضية اعتبرها قضية حق الى ان يقنعني محاوري بعكس ذلك. واعترف انني لا اميل الى ما يسميه البعض بالواقعية والبعض الاخر بالجدية والاكاديمية عندما يتعلق الامر بمناقشة قضية ساخنة تهدد مصالح بل بقاء العرب والمسلمين. ثم انني اعتبر الواقعية مصطلح تورية وتقية وقناعا لطيفا لنوع من أنواع الاستكانة والانهزامية. فتصوروا ماذا كان يكون مسار التاريخ الاسلامي لو تسمك صلاح الدين الايوبي بالواقعية عندما قيل له ان القوى الصليبية الغازية تمثل جيوش فرنسا والمانيا واسبانيا وايطاليا وبلجيكا والمجر وبيزنطا, وماذا كان يكون حال التاريخ المغاربي لو كتب على أمير السيف والقلم عبدالقادر الجزائري ان يكون واقعيا وكذلك لو كان الزعيم الفيتنامي (هوشي منه) من أقطاب الواقعية وكذلك الشهيد البطل الشهم جوهر دوداييف زعيم الشعب الشيشاني المسلم لو قبل الحلول الواقعية التي كان يعرضها الروس وقس على ذلك لو كان الشيخ احمد ياسين واقعيا ولم يقبل السجن والتضحيات ومثله نيلسون مانديلا الذي حرر شعبه واقام دولة الحق والعدل سبعة وعشرون سنة من السجن لم تجعل منه رجلا عاديا واقعيا. ان التاريخ يكتب دائما رجال فضلوا الحلم على الواقع وانحازوا للمستحيل على الممكن. ذلك قدرهم وتلك ارادة الله تعالى.

Email