أبجديات : بقلم - عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما طرحنا في ملف الجمعة الماضي هذا السؤال حول أزمة المثقف العربي: هل هي أزمة واقع أم أزمة ضمير؟ الح البعض على انها أزمة واقع (وهؤلاء اغلبهم مثقفون) حيث المثقف كما عايشوا هم ورأوا, مطحون بين فكي رحى لا يعاني ما يعانيه إلا هو ومن سار على دربه, ولذلك فما اسهل ان يدعي المتفرجون بأن المثقف يستحق هذا المآل لانه وضع نفسه (مختارا) بين طبقي الرحى. ومع ذلك فقد اصر كثيرون على ان المثقف يعاني أزمة ضمير أو أزمة موقف. أعود للمثقف الذي اعتقد بانه الذات المفكرة المبدعة وهنا ارى ــ مثل كثيرين غيري ـ بأن هذه الذات لا يمكنها ان تكون مفكرة دون ان تملك حق الصراخ الحقيقي في فضاء مفقود اسمه: الحرية فاذا أمعنا في السذاجة المقصودة, وتساءلنا أية حرية؟ او الحرية بازاء ماذا؟ نمعن نحن في الاستاذية (الطيبة) ونقول؛ الحرية بازاء سلطة المجتمع بكل محرماته ومقدساته وسطوته, والحرية بازاء السلطة السياسية الحاكمة, والحرية بازاء عقد الذات الشخصية من رواسب التربية والانتماء والطبقة وحسابات الربح والخسارة... الخ. اذا استطاع المثقف ان يحرر نفسه من هذا الثالوث وان يقف منفصلا عنه وفي مواجهته مباشرة كان ذلك يعني ابتداء اعلانا مجنونا بقدرته على تحمل تكاليف هذا الخيار, وانتهاء فان هذه المواجهة اعلان لا تراجع عنه بان صاحبه مثقف حقيقي وانه ذات حرة مفكرة. اما وانه لا يقدر على دفع ثمن هذا التوازي مع هذا الثالوث, ولا يستطيع إلا التقاطع معه والالتقاء (احتماء وليس اقتناعا) فهو مثقف مأزوم ضميرا وواقعا, ومحكوم بالفشل لانه متهم في قرارة نفسه بالعبث مع سبق الاصرار والا (فالاخرون) بالمرصاد. ان تدعي بانك مثقف فهو ادعاء ملغوم, يفجرك من الداخل, ويفضحك امام مراياك الداخلية, قبل ان ترتدي ثيابك, وتتقمص أناقتك وجميع اقنعتك (الثقافية) وتمضي مثقفا (مدعيا) بينما دفاعاتك الداخلية تطلق قذائفها تجاهك معلنة انك مثقف (السوق) ليس اكثر. ولذلك فسهل ان تدعي اي شيء, إلا التورط المفضوح بادعاء الثقافة. يحيرني كثيرا سعي البعض وحرصهم على أن يجعلوا من الثقافة لقمة عيش, ويصعقني من يقول ان الثقافة اليوم صارت بيدر العسل والسكر للكثيرين. بينما اغلب المفكرين والمثقفين على امتداد قوافلهم كانوا لا يجدون كسرة الخبز, واغلبهم قضى في سجون السلطة او مصلوبا على ابواب المدن الكبرى. لكن يبدو ان الثقافة اليوم قد دخلت نظام السوق الحر واصبحت مربحة, والدليل تهافت مثقفي (السوق) على باب هذا البيدر الذي كان عصيا, وكما قال بعضهم, اذا (لعبت) في ميدان الثقافة بشطارة فلن تخرج خالي اليدين, المشكلة ان المثقف الحقيقي هو الشاطر الوحيد الذي لا يخرج بشيء على الاطلاق, هذا اذا خرج! وهنا تكمن المفارقة!!

Email