مع الناس: بقلم - عبد الحميد احمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم ننشر الاسبوع الماضي خبرا علميا نقلته الينا وكالات الانباء, وفضلنا على نشره مصلحة القراء, خاصة المتزوجين منهم ممن رأينا ان الخبر سوف يتسبب في ضرر مباشر لهم, او هو على الاقل سوف يفجر أزمة في كل بيت اسوأ من أزمة العراق الحالية مع الامم المتحدة . وسنعود للخبر الذي يدخل وغيره في مفهوم طوّل عمر واشبع طماشة, فالعمر كلما طال كلما زادت معرفة الواحد منا بالاخبار التي منها ما يصدق ومنها ما لايصدق, فتتحول هذه الى طماشة, اي مجال تندر وفرجة وسخرية, فهي من غرابتها ومن تناقضها احيانا نحتاج معها الى طول البال اكثر من طول العمر, لولا ان هذا الاخير مطلوب ولو عاش الواحد منا عمر لبد. من الاخبار مثلا ما يتعلق بالقلب, فهذا بين مد وجزر, فمرة هناك الطماطم التي تساعد على حمايته من الازمات ومرة هناك الطماطم نفسها التي تتسبب في تدميره, حتى وصلنا الى ان التهاب اللثة وعدم تنظيف الاسنان تفرز بكتيريا هي التي تصيب القلب بالأزمات والجلطات واحتشاء العضلة. وبما ان القارىء يبحث عن الاخبار السعيدة التي تبشره بطول العمر او السعادة او الصحة, فهذه الاخبار تحتل اولوية في قائمة اخبار الصحيفة, لذلك فنشر هذه الاخبار في حال عدم التأكد من صحتها مسؤولية كبيرة, لأننا من الممكن ان نقضي على قارىء فنصيبه بالوسواس القهري على صحته, او نصيبه بالاستهتار فيقبل على طعام معين او ثمرة او فيتامين فيعتبره غذاءه اليومي فيكون فيه مقتله, على طريقة راح يكحلها عماها. ونعود الى الخبر الذي حجبناه عن القارىء حماية له وحفاظا على صحته, فهذا يزعم على رأي خبراء وعلماء وأطباء ان المعاشرة الزوجية مرتان في الاسبوع على الاقل تطيل العمر, وهي ان زادت على ذلك كان افضل للصحة, فخشينا ان تكون له آثار جانبية على سير الحياة الزوجية للقارىء الذي يصدق هذا النوع من الاخبار. وبما ان هناك من يصدق مثل هذه الاخبار لأنها في مصلحته على المدى القصير, فان في عدم نشره (مما نشكر جريدتنا على حسن تقديرها للموقف) حماية لصحة الازواج من الذين سوف يلقون بأنفسهم الى التهلكة بحثا عن عمر طويل, هو في حكم المستحيل. طبعا جري القراء وراء الاوهام ربما كان آخر ما يهمنا كصحيفة متزنة, مقابل حرصنا اكثر على مصلحة العباد والبلاد, فقد كان من المرجح ان يكون من نتائج نشر الخبر اياه احتمال ترك بعض الموظفين والعاملين مقار اعمالهم في اليوم مرة او مرتين, فاذا سئلوا عن السبب يكون الجواب: ذهبنا لاطالة اعمارنا. هذا الخبر ذكرني بمتطرف من هذه الايام (على الاغلب من الجزائر) يخطب كل جمعة في المصلين, فنصحهم ذات مرة بكثرة الجماع, مشددا على ان الذي يعاشر زوجته يكون اجره كل مرة من اجر من يقتل يهوديا فينال اجرا عظيما, دون ان يعلم ان زوجته تستمع ذلك النهار الى خطبته من منزلهما القريب. النتيجة التي انتهى اليها صاحبنا هي ان زوجته صارت تذكره صباحا وهي تقول له: الا تريد قتل يهودي؟ وفي المساء: أليس في خاطرك ان تقتل يهوديا اليوم؟ حتى جاءت الجمعة التالية وقد قتل من اليهود مالا يحصى وليقف على المنبر فيقول للسامعين: لقد قتلت آخر يهودي امس, والارجح انه سقط بعدها من الاعياء فحملته سيارة الاسعاف الى... الجنة, والله اعلم.

Email