سوريا واسرائيل... ولغة الزمن : بقلم - د. حسن ملحم

ت + ت - الحجم الطبيعي

لمن هو عامل الزمن في عملية السلام.. وبين سوريا واسرائيل على وجه التحديد طالما ان اسرائيل قد امسكت بطرف الخيط بالنسبة للاطراف العربية الاخرى ! ان اي اجابة لابد وان تستمد من الواقع العملي فاسرائيل اليوم, وبفضل العملية السلمية, هي اقوى من اي وقت مضى, ومع ذلك فإنها مضطربة, واضطرابها هو بجنون ايضا على اساس انها ومنذ ان اضطرت الى خوض (المغامرة) استغرقت في خضم من التطرف, فأنصار اللاسلام قد تكثفوا وكثفوا من وجودهم على حساب انصار السلام, ان نحن سلما بأن في اسرائيل البعض منهم, وبتشجيع من حكومة نتانياهو رغم ان هذه الحكومة.. وفي (الشتات) الذي تضمه تكاد لاتشبه الا شتات اليهود في هذا العالم. حقيقة لامراء فيها, ولولا انها كذلك لما صعد نتانياهو الى السلطة في مايو من عام 1996 اذ وبغض النظر عن حماقاته التي شهد له بها حتى كلينتون قد بات وكله اقتناعات بأنه سيستمر حتى عام 2000 متجاوزا كل التهويلات وكل الارهاصات القائلة بامكانية سقوطه او سقوط حكومته وخاصة عقب استقالة دافيد ليفي وتأرجح مواقف اسحاق موردخاي, بل ان اقتناعات نتانياهو قد تذهب الى درجة التجديد له مرة ثانية.. ألم يستقبل بعد عودته الاخيرة من واشنطن استقبال الفاتحين؟ مرحلة زمنية طويلة تعثرت العملية السلمية خلالها.. وتوقفت الا انها ضد مصلحة اسرائيل, فنجاحات نتانياهو في تخريبه لكل ما حوله تزيد في انقسامات مجتمع الشتات وتهدده في كيانه اكثر مما هو مهدد فيه, فالسلام تجسيد لاختيارات حاسمة بين الموت والحياة.. واسرائيل تركز حتى الآن جل اهتماماتها على الموت لا على الحياة. نتانياهو في سياسته يراهن على استمراريته الا انه لا يعرف بأنه يراهن ايضا على تقويض (الدولة) اذ ما من دولة قادرة على البقاء على حساب استعداء الجوار, وما من دولة قادرة على التمني على حساب مجتمعها المدني وهو الذي يجب ان يبيت مفكرا بساعة حلول الكارثة.. فالجميع في اسرائيل على يقين بأن بديل السلام هو (البحر) وعاجلا ام آجلا. لملمة اليهود في جو (شيطاني) قد يعجب من هم من امثال نتانياهو الا انه لايجلب الطمأنينة, ولان الطمأنينة غير موجودة فإن مصير تفجيرات صراعات الداخل لابد وان تؤدي الى الانهيار, فلماذا لاتترك سوريا هذه المهمة للزمن؟ الاطراف العربية التي وقعت اتفاقيات سلام مع اسرائيل, متسرعة في معظمها اكثر مما هي عادلة.. قد باتت تظهر وكأنها مشردة القرار, اذ نتيجة للمواقف الاسرائيلية اللامسؤولة هي في مفرق طرق, فلا هي قادرة على التراجع اعترافا منها بما ارتكب من اخطاء ولا هي قادرة على المتابعة حيث تتجاذبها في هذا النطاق وجهتان: الوجهة الاسرائيلية التي خيبت الامال.. وهي التي لم تقصر في القضاء على الثقة التي وضعت فيها اذ لم تعد تترك لها, للاطراف العربية طبعا, اي فرصة للاثبات بانها قد كانت على حق, والوجهة العربية التي تجمعت لديها كل مبررات الرفض ــ ومنها سوريا على الاخص ــ اذ كيف الاقدام على الوقوع في الفخ وهي التي ما زالت تستوعب الدرس الذي تلقنته مجموعة من السذج؟ لنصل في النهاية الى امريكا (الراعية) التي لم تعرف طوال هذه المسيرة شيئا من النزاهة ــ على العكس ــ انها لم تترك مناسبة الا واكدت فيها انحيازها المطلق لاسرائيل, الامر الذي يعني بأن عامل الزمن.. وكلما طال كلما اساء لسمعة الدولة العظمى, لا عربيا فحسب بل حتى دوليا خاصة وانها تصر على استبعاد حتى حلفائها من (الوليمة) ... وليمة الهيمنة على المنطقة العربية والشرق اوسطية, ولوحدها من دون شراكة, فأمريكا بعد حرب الخليج, وبأكثر من شكل مخادع, قد توصلت الى الاقناع بأنها في طريقها لتصحيح كبواتها القديمة, ولولا انه قد كان اقناع له مستنداته الشرعية لما تتبعها العرب الى مدريد. واليوم وقد دخلت فيه العملية السلمية انفاقا من العتمة والظلام بفعل (مهزلة الرعاية) فإن امريكا مرشحة لان تصل اسفل الدرج.. حتى بالنسبة لحلفائها التقليديين. انحدارات مخيفة ومقلقة في آن واحد.. قد نستطيع استخلاصها من اللاشيء الذي عاد به عرفات من واشنطن مؤخرا بينما عاد نتانياهو بقصب السبق, في الوقت الذي بقي فيه بيل كلينتون حبيس تحقيقات فضائح اخلاقية قد تزيد من الشد على خناقه تدريجيا. في هذا السياق, ولان سوريا لم تغرق في المستنقع الانف الذكر, فانها تبقى وحدها صاحبة المصداقية التي اقرتها لها الاطراف العربية اولا والاطراف الاوروبية ثانيا ومجموعة لا بأس بها من الاطراف الامريكية.. واكثر من وسط في اوساط شتات يهود اسرائيل رابعا, سوريا قد اختارت السلام.. ولكن ليس اي سلام! اسرائيل قد تورطت فيما لا تريد, في سلام لاتؤمن به, والاطراف العربية من جهتها قد تورطت ايضا.. ولكن في سلام اعتقد بأنه سيمنحها البديل الذي فشلت في الحصول عليه بواسطة الحرب, وامريكا هي التي ورطت الجميع, بل ان امريكا هي التي ورطت نفسها بنفسها في عملية لم تعطها كل استحقاقاتها الضرورية, وحيث ان مؤشرات عدة قد رصدت للموقف السوري ايجابايته في الحذر من التورط, فإن انكشاف (الفضيحة) قد جعل منها مرجعا, ومن مواقفها.. معايير لاتشكيك فيها بشأن (الارض مقابل السلام) وبأن الهفوة ستؤدي الى التسرع بالتورط.. حتى اذا ما تورطت فإن العرب لن يبق لهم من سند قومي. يوم ذهب العرب الى مدريد لم تشأ سوريا ان تشكل الاستثناء اي انها قد قبلت الذهاب مع من ذهب وصحيح ان تأثرا ما, امريكي ــ اسرائيلي معا قد تمكن من استبدال الاجماع العربي بالفرقة والتوزيع.. ليقرر كل طرف عربي بالتغني على ليلاه منفردا, إلا ان سوريا قد استمرت بالالحاح على الاجماع, وبما انه قد حكم عليها, وعمليا, وبفعل تهاطل التواقيع العربية من دون تردد ولا تفكير, بالتراجع وبقبول مايشبه العزلة.. فإن سوريا قد ظلت تشدد على اختياراتها.. اختيارات السلام, السلام العادل لا اي سلام كان. السلام مغامرة انتحارية, تشعبت واختلفت وتناقضت.. وفشلت اكثر من انها نجحت, الا انها في الحقيقة قد اشعلت الداخل الاسرائيلي بجدل ونقاشات لم تظهر بعد بكل سلبياتها, كان الفضل في احتدامها لنتانياهو واذا ما تأخر التفتق بحرب اهلية فإن مسألتي الانسحاب من القدس والضفة الغربية ستمهدان لها, وبما ان اشعال فتيلها سيكون للجولان حتما فإن على سوريا ان تعرف كيفية اللعب بالورقة الرابحة.. على اساس ان تفجير اسرائيل من الداخل, واذا ما حدث, سيشكل أهم ربح يحققه العرب من العملية السلمية. وبهذا المعنى فقط يمكن القول بأن عامل الزمن هو لمصلحة سوريا لا لمصلحة اسرائيل. اسرائيل تعرف حقيقتها اكثر مما يعرفه العرب او غير العرب, اسرائيل بالكيان الذي تجسده.. مجتمع وجد ليزول لا ليبقى انطلاقا من ان كل من فيه صنع ارضاء لهذا الهدف, ولولا انه كذلك لما اطنبت اسرائيل بالبحث عن حدود لها في الجوار وعلى حساب هذا الجوار.. رغم هذا الجوار ورغم كل ما في العالم من شرعية وعدالة وانسانية. اسحاق رابين كان قد صرح بأن السلام مع سوريا من دون الانسحاب من الجولان انما هو سلام كاذب.. وشيمون بيريز لم يرفض له هذه الحقيقة, ولان سوريا لا تهتم بأي عروض بديلة لا تأخذ بعين الاعتبار جدية مطلبها فانها تفضل (الجلوس) والانتظار اذ ان مآل (النصر) هو لصالحها.. وان أي (هرولة) تعويضية لا بد وان تفقدها كلمة السر في حل العقدة, خاصة وان حل هذه العقدة هي في نهاية المطاف (انقاذ) لاسرائيل من معترك تناقضاتها. البعض من العرب ارتضى من السلام بوثائق ايجار, والبعض الاخر ارتضى منه (لهاثا) وراء أوهام.. انقلب مع الوقت الى اذلال, ولو أن هؤلاء وهؤلاء (تريثوا) لقليل من الوقت لما خرج نتانياهو من طي النسيان متربعا على عرش اسرائيل (ملكا) يتلاعب بمن حوله بالطريقة التي تحلو له, متشدقا وبكل غبطة ايضا.. بأنه هو نفسه السلام تماما مثلما هو الحرب والتطرف والارهاب وكل ما في (كتب اسرائيل) من عنجهية وتعال وفوقية! سوريا على يقين بان نتانياهو ليس (بطل السلام) وبأنه ان لم يصنع الحرب فلن يصنع السلام. سوريا على يقين بأن التودد العربي والهرولة والطرق على الابواب المغلقة.. هي التي شجعت لنتانياهو صحوته, وهي التي تزيد له في عمره وعمر حكومته, ففيها يجد مبررات اشتطاطه وفيها ومن خلالها ايضا يجدد لشرعية اطلالته التعنتية, حيث اذا ما انقطع كل هذا فان نتانياهو سيبدو مثل شمشوم أقرع. انه الزمن, ولابد له من أن يفعل فعلته, ولان سوريا قد اكتشفت مؤثراته مبكرا فانها تفضل (اللامبالاة) بانتظار ان تكتشف الاطراف العربية زلة الامس, فزلة الامس هي التي عطلت سلام اليوم ولو كان البراء منها سهلا لعاد كل شيء الى نصابه السوي.. او لعادت جميع الامور طبيعية.. وفي الحد الادنى لسقط نتانياهو مبكرا ان لم نشأ القول بانه ما كان ليصعد اصلا! كاتب سوري*

Email