هل يستطيع نتانياهو ان يحتفظ بالسلطة: بقلم- عادل محمد حسن

ت + ت - الحجم الطبيعي

استفاد نتانياهو من عدة عوامل عندما قفز الى السلطة في اخر انتخابات اسرائيلية. العامل الاول هو موجة التطرف الديني التي تجتاح المجتمع الاسرائيلي بحثا عن معبد داوود!, والعامل الثاني موجة هجرة يهود روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والذين يتميزون بالتطرف والعنف ويتشبثون بكل الوسائل من اجل البحث عن قطعة ارض للاستيطان ليكفيهم شر التشرد. ومما عزز هذين العاملين هي الخطوات غير المدروسة التي بادرت اليها بعض لايعبر عن ارادة وسط واسع من الاسرائيليين في العيش بسلام خاصة بعد سلسلة من الخطوات التي اتخذها الفلسطينيون والعرب باتجاه القبول بفكرة التعايش بين الشعبين, وفي الواقع ان فوز نتانياهو هو تعبير عن التخبط والتردد لدى وسط واسع من المجتمع الاسرائيلي في تفسير جوهر المواقف الفلسطينية والعربية منذ مؤتمر مدريد والقاضي بقبول وجود الدولة العبرية وحتى على حساب مآسي الشعب الفلسطيني, ويكاد المواطن الاسرائيلي لا يصدق حتى الان امكانية ان يقبل العرب والفلسطينيين بوجه خاص بوجود الدولة العبرية. ومن ناحية اخرى فان الساسة المتطرفين في اسرائيل لم يتأقلموا او لايريدون ان يتأقلموا او لم يفهموا, ولدوافع انتهازية, التغيرات الكبيرة التي احدثها مؤتمر مدريد على الصعيد النفسي داخل اسرائيل نفسها او على صعيد مواقف الدول التي كانت تدعم اسرائيل بدون قيد او شرط ضمن اطار المعادلة الدولية التي كانت سائدة قبل انعقاد المؤتمر. فالبعبع الذي كان يتشبث به دعاة اسرائيل الكبرى حول نية العرب في رمي اليهود في البحر. هذا البعبع الذي كان يوحد المجتمع الاسرائيلي والمؤسسة العسكرية والامنية ويضعها في حالة استنفار دائم ضد العرب قد تهاوى بعد قبول العرب بوجود الدولة العبرية في منطقة الشرق الاوسط الى حد الاعتراف بها من قبل عدد من الدول واقامة علاقات دبلوماسية معها, واضافة الى ذلك فإن دور اسرائيل كهراوة بيد الدول الغربية في المنطقة قد انتفى عمليا بعد ان تغيرت الامور في المنطقة وخاصة بعد انتهاء الحرب الباردة. ولكن نتانياهو يتوهم ان الامور باقية على سابق عهدها, سواء على النطاق الداخلي او على النطاق الخارجي, وهو يسعى واهما الى الابقاء على حالة التوتر والاستنفار في اسرائيل لدوافع حزبية ضيقة وارضاء لعتاه التطرف الاسرائيلي. ولذا شرع منذ استلام سلطته بالتنكر لكل الاتفاقيات التي عقدتها الحكومة السابقة ضمن اطار المسيرة السلمية. فعلى النطاق الفلسطيني توقف عمليا اخلاء الضفة والقطاع من سلطات الاحتلال, والانكى من ذلك جرت حملة محمومة لتكريس الاستيطان وتوسيع رقعته, وتوقفت المباحثات على الجبهتين السورية واللبنانية بعد ان طالب نتانياهو بالشروع من نقطة الصفر, ويستمر بناء المستوطنات في الجولان المحتل, وكل ذلك يجرى بذريعة واهية هي تأمين امن اسرائيل, في حين ان الامن المزعوم قد توفر منذ قبول جميع الدول العربية منذ مؤتمر مدريد بواقع وجود الكيان الاسرائيلي, وهكذا وضع نتانياهو والمتطرفين العملية السلمية في مهب الريح. ولكن هذا التطرف والتنكر للعملية السلمية يتناقض مع ما يجري في داخل اسرائيل وخارجها من تغيرات فبعد ان كانت المؤسسة العسكرية والامنية الاسرائيلية منذ قيام الدولة العبرية هي التي تمثل الصقور في المجتمع الاسرائيلي, تحولت هذه المؤسسة الى قوة تدعو الى تنفيذ اسرائيل لالتزاماتها في مدريد على اساس (الارض مقابل السلام) فقد هدد اخيرا كل من وزير الدفاع الاسرائيلي ووزير الامن بالاستقالة, بعد ان قدم وزير الخارجية استقالته, بسبب ما تتحمله ادارة نتانياهو في تجميد عملية التسوية السلمية. ان استقالة وزير الخارجية الاسرائيلية ديفيد ليفي وانسحاب حزبه, غشر, من الائتلاف الحكومي قلص الاكثرية التي كان يتمتع بها نتانياهو في الكنيست الى اثنين فقط. واذا ما اصر كل من وزير الدفاع ووزير الامن على موقفهما واستقالا من الحكومة, على غرار ما قام به وزير الخارجية, فهذا لا يعني الا انهيار حكم الليكود وتنظيم انتخابات جديدة لا تؤدي الا الى ازاحة كتلة الليكود وحلفائها من الاحزاب الدينية المتطرفة من السلطة في اسرائيل حسب استطلاعات الرأي الذي تم اخيرا في اسرائيل. ان الائتلاف الحالي الحاكم لم يحقق الامن للاسرائيليين واوقف الانتعاش النسبي الذي شهده الاقتصاد الاسرائيلي بعد مؤتمر مدريد وزاد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية مما ادى الى موجة من الاضرابات لم تشهدها اسرائيل منذ فترة طويلة. وزاد من الطين بلة هو تعاظم تطرف التيارات الدينية على جميع الصعد بما فيها التدخل الفظ في الشؤون الشخصية للمواطن العادي واثارة التوتر الاجتماعي. ومن ناحية اخرى فان الآمال في امكانية احلال السلام بين العرب واسرائيل قد ادى الى شيوع حالة من تداعي روح الاستنفار داخل المؤسسة العسكرية والامنية وفي المجتمع نفسه بحيث تجري الآن حملة من قبل اهالي الجنود لاعادة ابنائهم من الجبهة السورية واللبنانية خوفا من الضحايا غير المبررة كتلك التي تحدث يوميا جراء نشاط المقاومة او بسبب الاسترخاء الذي عم المؤسسة العسكرية املا في احلال السلام. ان افضل مثل على شيوع قدر من التداعي النفسي داخل المؤسسة العسكرية هي تلك الخسائر الكبيرة التي قدمتها المؤسسة العسكرية في الاشهر الأخيرة وذلك الفشل الذريع الذي واجه المؤسسة الامنية سواء في نشاطها داخل اسرائيل او خارجها. ولا يقتصر الامر على العامل الداخلي, فالدول الاوروبية التي كانت المعين الاول لاسرائيل في نزاعها مع العرب تتخذ الآن موقفا متعاطفا مع المطالب الفلسطينية والعربية, وتمارس ضغطا متزايدا على الحكومة الاسرائيلية لكي تحترم تعهداتها. اما الموقف الامريكي, رغم التزامه بحماية الدولة العبرية, الا ان الادارة الامريكية بدأت تتضايق من تصرفات نتانياهو وتعبر عن قدر من المواقف المتعارضة مع موقفه خاصة بعد تزايد ضغوط الدول الاوروبية والدول العربية التي تربطها بالولايات المتحدة علاقات اعتيادية. وتشعر الولايات المتحدة ان الاستمرار بالسياسة الموالية كليا لصالح اسرائيل والسكوت على عنجهيتها لا يؤدي الا الى تزايد التطرف في الطرف المقابل جراء التطرف لدى عتاة المتشدددين في اسرائيل مما يهدد كل الجهود الرامية لتحقيق صيغة (الارض مقابل السلام) . ولذا تبدي الولايات المتحدة ضغوطا من اجل تنفيذ خطة اعادة انتشار القوات الاسرائيلية مهما كانت حدودها, ومن هنا سارعت الوزارة الاسرائيلية الى دراسة خيارات متعددة ومبتورة لاعادة الانتشار التي رفضها الفلسطينيون لأنها تتعارض مع الاتفاقيات التي ابرموها مع الحكومة السابقة. وسيضطر نتانياهو الى الاذعان لقدر من الضغوطات الامريكية وضغوطات اللوبي اليهودي الامريكي الذي ضاق هو الآخر ذرعا بتعنت نتانياهو وتجميده لعملية التسوية السلمية وممارسات المتطرفين اليهودي المنافية للديمقراطية داخل اسرائيل. ولكن بغض النظر عن مدى انطباق خطة اعادة انتشار القوات الاسرائيلية التي تطرحها الوزارة الاسرائيلية مع الاتفاقيات السابقة ومع مبدأ (الارض مقابل السلام) فإنها سترفض حتما من الاصوليين والمتطرفين الاسرائيليين الذين يشاركون نتانياهو في ائتلافه الحكومي. وهذا لا يعني الا انهيار الائتلاف الهش وسقوط حكومة نتانياهو, ولربما الدعوة لانتخابات برلمانية جديدة. فنتانياهو محصور بين المطرقة والسندان المتعارضان, وهو غير قادر على ارضاء طرفي الضغط او التوصل الى صيغة للتسوية, فاما احترام الاتفاقيات السابقة والعودة الى عملية التسوية على الجبهات الفلسطينية والسورية واللبنانية او السقوط ولا يوجد اي طريق ثالث سوى دفع المنطقة مجددا الى حالة المواجهة الساخنة. كاتب عراقي مقيم في لندن *

Email