أبجديات، بقلم: عائشة إبراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

كنت اتحدث معها في أمور مختلفة, وكانت تستوضحني بعض الافكار التي اقف عندها كثيرا فيما اكتب, ولان الحديث ذا شجون كما يقولون فقد تشعب بنا الى تلك النقطة التي جعلتها تسألني عما كنت أقصد بقولي: ان التألم هو الحالة المثلى لمثل حالتنا العربية الراهنة ؟ واحسست بأنها كانت تتقصد استثارتي الى درجة الالم, كما ايقنت تماما انها السائل الاعلم من المسؤول ولذلك كان جوابي لها مضحكا اذ قلت: انسي تماما انني تورطت في تصريح كهذا!! فتصنعت بعض السذاجة الظاهرة وقالت: في اعتقادك ما هي علة العالم العربي؟ ولأنها اعتقدت بأنني لم افهم سؤالها, فقد اكملت: اقصد, ما سبب اوضاعنا السيئة في العالم العربي؟ فقلت لها بشكل باغتها: تقصدين: لماذا نحن متدهورون بهذا الشكل المفجع؟ اجابت باستياء: كلماتك حادة اكثر من اللازم! باغتها ثانية: فهذا هو جواب سؤالك! نحن متدهورون في كل شيء لاننا نجامل اخطاءنا ونتستر عليها اكثر مما يجب, ولذلك تتراكم الاخطاء وتتحول الى خطايا ومصائب فكوارث, وبدلا من ان نعترف بالكارثة التي نحن فيها, نعطي الآخرين حرية مطلقة في وصفنا بكل ماهو بعيد عن التحضر والانسانية وبكل ماهو لصيق بالانحطاط والدونية والتخلف. في صحيفة (اندبندنت) اللندنية, كتب المفكر العربي د. برهان غليون ما يلي: نحن ــ ويقصد العرب ــ نفتقر لأهداف واضحة, ومحددة ومقبولة من قبل أغلبية اصحاب الشأن او الممسكين فعلا بالسلطة والقرار, واعني بذلك السلطة السياسية والاقتصادية والادارية والعسكرية والاعلامية والثقافية, او ما نسميه بالنخب السائدة, كما نفتقر في المسألة الثانية الى الوعي الموضوعي العميق لظروف الواقع المحلي والاقليمي والعالمي التي تعين لنا حدود قدرتنا على تحقيق أهدافنا, او تقدم لنا ايضا فرص تحقيق هذه الاهداف, لكن ماهو اخطر من ذلك هو افتقارنا الى الجرأة على التفكير بأهدافنا, والتصريح البسيط والصادق عن مطالبنا. هذه هي خلاصة مأساة العالم العربي الذي تقول آخر الاحصائيات ان تعداده يبلغ 260 مليون نسمة, ويملك نصف احتياطي العالم من النفط و14% من احتياطي الغاز الطبيعي, و9% من مراعي العالم, و50 مليون هكتار من الاراضي القابلة للزراعة ثلثاها في ستة اقطار عربية فقط, كما انه يحتل عشر مساحة الكرة الارضية. ومع كل ذلك فقد تغلبت تحدياته على امكاناته, وبالرغم من ان جميع امم الارض قد واجهت وتواجه العديد من التحديات, الا انها تعمل على التحرر منها والانعتاق من شبكة علاقات السيطرة والتبعية, والعمل على اقامة بنيان اجتماعي اقتصادي سياسي متوازن وكفء ويحمل في الوقت ذاته بذور استمراره وتطوره, وهذا بالضبط ما عجزنا عن تحقيقه, وعليه فان كل جهود التنمية التي نتغنى بها ليست سوى تخيلات وخرافة كبيرة نحن مضطرون للايمان بها. سؤال أخير: ماذا يعني ان ينفق العالم العربي مائة مليار دولار منذ بداية الثمانينات وحتى منتصف التسعينات في مجال التسلح, في الوقت الذي لا نستطيع فيه ان ندافع عن انفسنا أو نسترد حقوقنا او نفرض هيبتنا؟

Email