شكرا للتصريح وشكرا للتكذيب :بقلم: محمود السعدني

ت + ت - الحجم الطبيعي

الخواجا بتلر كبير مفتشي الولايات المتحدة ــ آسف ـ اقصد الامم المتحدة, اثبت انه اجدع واعظم مسؤول امريكي في النصف الثاني من القرن العشرين , الرجل ــ عظم الله اجره ــ كشف المستور ووضع النقط على الحروف, وقال بالمفتشر وع البهلي وعلى عينك يا تاجر, ان محاصرة العراق وتجويع شعبه ثم التهديد بضربه ضربة ساحقة ماحقة سببه الوحيد هو حماية تل ابيب من عدوان محتمل يقوم به صدام حسين بالاسلحة الكيماوية, يا قوة الله, هذا التصريح لم ينطق به زعيم عربي متحمس من بتوع الحنجوري, ولا كادر حزبي من احزاب الكشافة التي تملأ الساحة العربية, ولكن نطق به الامريكاني بتلر كبير المفتشين, ويبدو ـ والله اعلم ـ انه رجل على نياته وصريح وجدع صغار في السياسة, ولذلك نطق بما هو في قلبه, وكشف الستار عما تخفيه السياسة الامريكية, وما قاله هو الحقيقة, وما عداه أمور بوليتيكا وشغل حواه وكلام في الهجايص وحط فلوسك على السنيورة تكسب بعون الله! امن اسرائيل هو المهم, وحماية اسرائيل هو الهدف, ومن اجل عيون نتانياهو لا بأس من ابادة الشرق الاوسط كله, وعلى حكومة العراق ان تقف زنهارا ووجهها للحائط وظهرها للولايات المتحدة, وهو وضع غير امن بعد رفع الغطاء عن الفضائح الجنسية الشاذة في واشنطن! ولكن... بعد ان ثبت للادارة الامريكية ان بتلر عيل ولا تنبلش في بقه فوله واللي في قلبه على لسانه, يبدو انهم وبخوه ولاموه وقالوا له, كده تفضحنا على الملأ وتهز صورتنا امام الناس, ولذلك اضطر إلى تكذيب تصريحه, ولكن لانه رجل طيب وعلى نياته وجدع صغار في كار السياسة, فقد طبق المثل القائل, جه يكحلها عماها, ولذلك فهو يشكر مرتين, مرة على التصريح ومرة على التكذيب!, ومع ذلك فان الست مادلين اولبرايت التي كانت حريصة على اخفاء الهدف الحقيقي وراء ضرب العراق, لم تتمالك نفسها وهي في اسرائيل وواقفة بجوار (كامننا) الشهير بنتانياهو, فصرحت بانه لا شىء على الاطلاق يمكنه هز التزام امريكا بأمن اسرائيل وحمايتها. واضافت بأن صدام حسين لديه اسلحة جرثومية وصواريخ يمكنها الوصول إلى اسرائيل وتدميرها, واثبتت اولبرايت بالرغم من انها ارشانة وتوعى على فحت البحر ومن جيل مرضعة قلاوون, اثبتت انها تتمتع بنفس العبط الذي يتمتع به الجدع الصغار الخواجا بتلر, وادلت بهذا التصريح الخنفشاري وهي على ابواب جولة عربية لكسب التأييد العربي لضرب العراق! ولم تدرك الست الوزيرة انها بهذا التصريح رفعت صدام حسين إلى مرتبة زعيم العرب, طالما انه هو الوحيد الذي يخطط لضرب اسرائيل وابادتها من الوجود, لم تفهم الست الوزيرة ان العرب كانوا على استعداد لان يبصموا بالعشرة على ابادة العراق وضرب حكامه واعتقالهم على طريقة اعتقال نورييجا حاكم بنما, لو ان امريكا اتبعت نفس الاسلوب مع اسرائيل التي ضربت بكل قرارات الامم المتحدة عرض الحائط, ليست فقط قرارات الامم المتحدة, ولكنها رفضت تنفيذ حتى الاتفاقيات التي وقعتها حكومة اسرائيل في حديقة البيت الابيض وبحضور الرئيس الامريكي ولكن اسرائيل هي دلوعة امريكا, ولا يوجد على الحجر غيرها, وعلى جميع العرب ان يركعوا وان يسجدوا وان يشكروا امريكا التي اكرمتهم بدولة اسرائيل الغلبانة المسالمة الضعيفة التي لا تملك من حطام الدنيا الا 300 قنبلة ذرية وعدة مخازن من الاسلحة الكيماوية بالاضافة إلى احدث الطائرات واثقل الدبابات والابعد مدى من اصناف المدافع, ومع ذلك تضع الوزيرة اولبرايت يدها على قلبها خوفا على امن اسرائيل من عدوان شعب العراق الجائع واطفاله المرضى وجيشه الذي فقد اسلحته في حرب الخليج, والغريب ايها السادة ان السيدة الوزيرة اولبرايت متأكدة وواثقة ان العراق لا يملك اي نوع من انواع الاسلحة الفتاكة, وكل ما يملكه العراق عدة اوراق مدون عليها طريقة صنع اسلحة الدمار الشامل, كما ان لديها طاقما كاملا من المهندسين والفنيين الذين يستطيعون صنعها, ولكنها لا تملك الفلوس ولا تملك الوقت الذي يمكنها من صنعها, وامريكا ووزيرة خارجيتها ليست حريصة على امن اسرائيل في الوقت الحاضر فقط, ولكنها اكثر حرصا على امن اسرائيل في المستقبل ايضا, وهي لن تسمح لأي دولة عربية ان تمتلك اسلحة من هذا النوع, وهي لن تسمح ايضا بمحاولة صنعها أو حتى التفكير في صنعها, هذه هي الحكاية كلها ايها السادة, عدة اوراق ومجموعة فنيين لا اكثر ولا اقل, والمطلوب من العرب الموافقة على ضرب العراق, وتمزيق العراق إلى دولة في الجنوب ودولة في الشمال ودولة في الوسط, هنا فقط تطمئن اسرائيل ويستقر امنها, اما امن الفلسطينيين, فملعون ابوهم وابو اللي يتشدد لهم ولن تنسحب اسرائيل بوصة واحدة من الضفة الغربية الا اذا قام عرفات بإلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني, وعلى فرض ان اباعمار قام بتمزيق هذا الميثاق, فسيكون لاسرائيل شرط اخر هو ان يقوم عرفات بخلع اللباس العسكري, لانه يكشف نية عرفات في شن الحرب ضد اسرائيل المكسورة الجناح, ولكن حتى لو وافق عرفات وخلع اللباس العسكري واكتفى بالفانلة والسروال, فستصر اسرائىل على ان يخلع عرفات الفانلة لانها من صنع المحلة, وحتى لو خلع الفانلة فستطالب اسرائىل بان يقوم عرفات بحلق شعر صدره, لان وجود هذا الشعر يوحي بالوحشية والرغبة في العدوان, المهم ان اسرائيل لن تنسحب وامريكا لن تضغط, والمطلوب من العرب هو الموافقة على ضرب العراق وقتل صدام حسين وابادة طاقم الفنيين العراقيين الذين كشفوا سر الاسلحة الرادعة, وتصبح بطن الارض خيرا لنا من ظهرها لو وافق عربي واحد واعطى امريكا كارت بلانش لضرب العراق وسحقها! حلمي مراد الله يرحمه ويحسن اليه عمنا الدكتور حلمي مراد آخر الصوفيين الحقيقيين في هذا الزمان, والصوفي الحقيقي هو الذي لا يرغب في شىء ولا يطلب شيئا ولا يشتهي اي شيء, وهو الذي يذوب في هوى من يحب, ومصر كانت محبوبة حلمي مراد, وقد عاش ومات من اجلها, وسار في الطريق الذي اعتقد انه يحقق مصالحها ويرفع من شأنها, دخل حلمي مراد الوزارة, فلم يفقد نصف عقله, وخرج من الوزارة دون ان يخسر شيئا أو يكسب شيئا الا التجربة وشرف المحاولة. وجاء إلى الحياة وحيدا وعريانا, وخرج من الحياة يا مولاي كما خلقتني, لم يترك شيئا وراءه, لا مال ولا ولد, وان كان قد ترك وراءه ما هو اثمن من المال والولد, الذكر الحسن والنموذج الامثل والقدوة لكل المشتغلين بالسياسة, ولكل المهتمين بالعمل العام. وداعا عمنا الدكتور حلمي مراد, صاحب الموقف الواضح والنصيحة الصادقة واليد الطاهرة, السياسي الذي التزم خلال رحلة حياته بالمضي على الطريق المستقيم, باعتباره الاكثر نفعا والاشمل فائدة للجميع!

Email