الاهتمام الغربي بالمرأة في المشرق: بقلم- د. فاطمة الصايغ

ت + ت - الحجم الطبيعي

على الرغم من العزلة وعدم الاختلاط بالجنس الآخر, إلا أن المرأة الشرقية, كما يذكر المستشرقين, كانت تخصص وقتاً طويلاً للاهتمام بلبسها وزينتها . فقد كانت نساء الطبقة العليا على اطلاع دائم بأحدث وسائل الزينة والملبس وقد عرفت الشرقيات بحبهن للأقمشة الغنية بالتطريز والموشاة بخيوط الذهب والفضة والمزينة بالأحجار الثمينة. ولم يهتم الشرقيون بالمرأة في حياتها بل وحتى بعد وفاتها فقد رفعوا قدر المرأة واهتموا باحياء ذكراها بعد وفاتها بل وقد وصلت بعض نساء المشرق إلى درجة التقديس. ففي الهند مثلاً لا يزال نصب تاج محل والذي شيده الملك المغولي شاه جيهان احياء لذكرى زوجته الوفية ولا يزال هذا النصب قائماً كذكرى لتأثير المرأة على زوجها ومكانتها لديه. ويحاول المستشرقين الادعاء بأن الهند لم تعرف العزلة والحجاب إلا مع دخول الفتح الإسلامي إلى بلاد الهند. ويزعم أحدهم بأن العزلة قد وضعت عندما حاول قادة المسلمين اختيار أجمل النساء الهنديات لأنفسهم عندها لم يجد الآباء بدا من تقيد حركة نسائهم وبناتهم حتى يمنعوهن من الوقوع في يد المسلمين. ولجعل النساء راضيات بهذا الوضع أخبرهن الرجال (بأن الآلهة قد باركت هذا النظام) . وفي الوقت ذاته حرم الرجال النساء من التعليم لأن العلم قد يساهم في رفضهن لهذا النظام وبالتالي يمكن للرجال السيطرة على الوضع باكمله. ولكن من الملاحظ أن هذا النظام لم يفرض على جميع الطبقات بل على نساء الطبقة العليا والوسطى فلم يكن نظام العزلة ممكناً بالنسبة لنساء الطبقة الدنيا من الفلاحات وزوجات العاملين في الحقول وغيرهن من نساء الطبقة الدنيا واللاتي تجبرهن لقمة العيش على العمل اليومي والظهور يومياً في الحياة العامة. أما نساء الطبقة المتوسطة فكان وضعهن مغاير. فعلى الرغم من أن القيود الاجتماعية لم تفرض عليهن بنفس الدرجة التي فرضت على نساء الطبقة العليا إلا أنهن لم يكن يظهرن في الأماكن العامة أيضاً. فعملهن لا يستلزم منهن الخروج دوماً من المنزل. أما إذا خرجن فيضعن الخمار على وجوههن وإذا ما شاهدن رجلا غريباً فانهن يختبئن في أقرب مكان حتى يمر هذا الشخص. وعزلة المرأة لا تمنعها من التزين. ففي معظم بلاد المشرق تأتي المزينة مرة أو مرتين في الاسبوع لتجميل النساء وتمشيط شعرهن ووضع الحناء في أيديهن وأرجلهن. وفي الواقع فان زيارة المزينة تكون دائماً حدثاً مثيراً لنساء الحي وهو تغير في الروتين اليومي. وفي الواقع فان المزينة عادة ما تحمل لنساء الحي الأخبار والروايات عن الحي الذي يقطنه. وتجميل المرأة كان عبارة عن طقوس مارستها المرأة الشرقية قبل غيرها. فقد عرفت الشرقيات تزيين الشعر خاصة وان الشرقيات قد تمتعن بطول الشعر وكثافته. فالمرأة اليابانية والصينية مثلاً, كانت تقضي ساعات طويلة في تزيين شعرها ولكنها لم تكن تزينه يومياً بل مرة في الاسبوع. وبما أن تسريحة الشعر كانت معقدة فقد كانت المرأة تنام على وسادة خاصة لكي تحافظ على جمال التسريحة ونظامها. وفي الصين كانت المرأة تستخدم الورود والزهور لتزيين شعرها. كما استخدمت المرأة الشرقية طلاء الأظافر, فقد جرت العادة بين نساء الطبقة الارستقراطية بأن يطلين أظافر أيديهن ويحفظنها من الكسر. ولذلك كن يستخدمن مادة ذهبية لطلاء أظافرهن. عرفت المرأة الشرقية مساحيق التجميل قبل غيرها. وكانت نساء الصين, لاضفاء الاحمرار على وجنتيهن يستخدمن طلاء أحمر, وكن أيضاًَ يستخدمن مادة بيضاء تستخدمها المرأة الصينية بغزارة لطلاء بشرتها خاصة الوجه والعنق لدرجة أن اللون الطبيعي يختفي. اما الشفاة والخدود فكانت تصبغ بالأحمر الفاقع والحواجب ترسم بحيث تماثل القوس وتكحل العين باللون الأسود. ولا تكتمل زينة المرأة دون طلاء الأظافر باللون الفضي أو الذهبي. وبينما استخدمت المرأة الصينية الأصباغ لزينتها لجأت المرأة العربية إلى الطبيعة لتستقي منها لوازم زينتها والتي كانت تشمل الحناء والعطور الطبيعية والزيوت وغيرها. استخدمت المرأة الشرقية الحلي كزينة واستثمار. وقد تحلت بالأقراط والعقود والأساور الذهبية والفضية. أما المرأة الفقيرة فكان حليها من الزجاج الملون كما في الهند. وكثيراً ما تضع المرأة الشرقية أموالها في شراء الحلي حيث تستخدمه كزينة وادخار. وحتى المرأة المسنة كانت تدخر المال في شراء الحلي وذلك لاستخدام المال لتجهيزها بعد موتها. تميز المشرق, خاصة المشرق الإسلامي, بظهور الحمامات الشرقية وعلى الرغم من أن وجود الحمامات داخل اطار المنزل كان شيئاً نادراً إلا ان القرن التاسع عشر شهد ظاهرة جديدة هي ظـهور الحمامات المنزلية. أما الحمامات العامة فقد تعودت على ارتيادها الطبقات الوسطى والدنيا والتي لا تتمكن من انشاء حمام منزلي. لذى فقد كثرت الحمامات العامة وأصبح يرتادها الكثيرون خصوصاً في الساعات الأخيرة من النهار. والحمامات العامة يرتادها الرجال والنساء على حد سواء ولكن لكل منهم حمامات مستقلة. من المهن التي برعت فيها المرأة الشرقية في القرن التاسع عشر هي رواية القصة وقد ظهر الكثير من المحدثات في أنحاء المشرق. ففي اليابان والهند والصين ظهرت راويات القصة بل ان بعضهن أظهرن مهارة فائقة في رواية القصة وفي اضفاء روح المغامرة والاثارة عليها لا سيما وأنها كانت تمثل وسيلة للتسلية تماثل الدور الذي يحتله التلفزيون في حياتنا المعاصرة. ولا يعادل تفوق المرأة الشرقية في رواية القصة إلا تفوقها في اللعب على الأدوات الموسيقية المختلفة. لم يقتصر دور المرأة الشرقية على البقاء في المنزل, بل ان علاقة المرأة الشرقية بالعمل خارج اطار المنزل علاقة قوية بل وأساسية خاصة بين أفراد الطبقة الدنيا من الشعب. وكانت أجورهن في أغلب الأحيان أقل من تلك التي كانت تدفع للرجال. وكانت ساعات العمل تمتد من 3 إلى 10 ساعات يومياً. وفي بلاد الصين نجد أن النساء يعملن في الحقول وفي انشاء السكك الحديدية والجسور وفي الانشاءات حيث يكون دورهن نقل المؤن والمواد الأولية. كما كانت المرأة العربية تعمل خارج المنزل لجلب الماء والأخشاب للطبخ والتدفئة وكان هذا يعتبر جزءاً من عملها اليومي. من دراستنا هذه نستشف اهتمام الغربيين بأدق تفاصيل حياة المرأة الشرقية. ان هذه التفاصيل, والتي قد لا تعني لنا شيئاً, تصف وبدقة مجريات الحياة اليومية للمجتمعات الشرقية وطريقة معيشتها ونمط تفكيرها وكيفية مواجهتها للمشاكل اليومية وكيفية تغلبها عليها. ان معرفة هذه الحياة العامة والخاصة تمكن الغربيين من التغلغل ببساطة في هذه المجتمعات والاستفادة من هذه المعرفة في التخطيط لغزو هذه المجتمعات اجتماعياً وثقافياً وحضارياً. ويفسر لنا هذا الاهتمام أيضاً االاهتمام الغربي بمجتمعات الخليج اليوم. فاهتمامهم بنا ليس فقط لمعرفة ما يدور في مجتمعاتنا بل وما يدور في داخل أنفسنا. جامعة الامارات قسم التاريخ

Email