مع الناس : بقلم -عبد الحميد أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

الطريق أمام أمريكا لضرب العراق هذه المرة ليس سهلاً ولا مفتوحاً, ومع ان تهديداتها تتصاعد وتحضيراتها لعمل عسكري من نوع ما تتزايد, إلا أن الضربة نفسها كما تهدد بها واشنطن وتصفها بـ (الكبيرة) مستبعدة, فعوامل هذه غير متوفرة, وإذا توفرت فضعيفة . فأولاً هناك اجماع عربي على رفض ضرب العراق هذه المرة, سواء كان هذا الرفض بالتصريح أو بالتلميح, إلا أنه في المحصلة النهائية يصب في مفهوم الرفض التام لتوجيه أية ضربة عسكرية للعراق, وهو ما يجعل أمريكا تحسب له, أو على الأقل يقلل من حماسها للعمل العسكري. فإذا تجاهلت أمريكا الموقف العربي ولم تتوقف عنده, مع أن هذا صعب عليها, فهناك مواقف عالمية كثيرة لم تعد ترى في ضرب العراق حلاً كما لم تعد ترى في استمرار الحصار عليه أمراً مقبولا, كموقفي روسيا والصين مثلاً وغيرهما من دول, تسعى لنزع فتيل أية أزمة, بما في ذلك التي يختلقها النظام العراقي نفسه, بالطرق السلمية. طبعاً العراق خسر بمواقفه الأخيرة موقف دولة كانت تميل لصالحه هي فرنسا, التي تتشدد اليوم كبريطانيا في موضوع العقوبات والمفتشين الدوليين, إلى الدرجة التي توجه فيها تحذيراً لبغداد بالنيابة عن أمريكا, فيحسب هذا لصالح انجازات صدام الدبلوماسية الذي إذا لم يحول الاصدقاء إلى اعداء فإنه ليس بصدام. مع ذلك فالموقف الفرنسي والبريطاني لا يكفيان وحدهما لتبرير القيام بعمل عسكري من قبل أمريكا, خاصة أن هذه هي التي سوف تتحمل تبعات هذا العمل أكثر من غيرها, عسكرياً وسياسياً واقتصادياً, وهذه اليوم في موقف لا تحسد عليه, خارجياً وداخلياً, حيث يتكاثر المنتقدون لسياساتها الخارجية وبالذات في الشرق الاوسط, كما تعاني داخليا من أزمات وفضائح وفوقها موقف الشركات التي لم تحظ بعقود في العراق بالكم الذي حظيت به شركات فرنسية مثلاً. ثم ان العمل العسكري من النوع الذي تتحرك فيه حاملات طائرات عملاقة وتوجه فيه صواريخ من بعد يحتاج من بعد القرار السياسي إلى إمكانيات مادية ومصروفات, تعودناها بمئات الملايين من الدولارات, وهذه ليس بمقدور الولايات المتحدة وحدها تحملها, إلا إذا جاءت على حساب ما حققه كلينتون من رفاه مقبول للأمريكيين فيضحي بتأييدهم له ويخسر شعبيته, كما ان الدول العربية الممولة عادة لمثل هذه الحملات فقدت حماسها للعمل العسكري كما أسلفنا, وغير مستعدة لاستنزاف مواردها, لخدمة أمريكا أو حتى الأمم المتحدة, فيكفيها ما أنفقت سابقاً. حتى تركيا تحولت إلى عامل محبط للعمل العسكري بإعلانها مؤخراً عدم السماح باستخدام أراضيها لهذا العمل وأغراضه, وهي تعرف قطعاً انها لن تحصل على فوائد مباشرة أو غير مباشرة كما كان الحال سابقا مع التحالف الدولي الكبير لتحرير الكويت, فلا يبقى أمام أمريكا سوى إسرائيل لتقديم العون كالخدمات اللوجستية أو ما شابه, وإشراك إسرائيل مستبعد تماماً, من أمريكا كما من إسرائيل نفسها, لألف سبب وسبب تعرفه أمريكا واسرائيل معاً. لذلك فكل التهديدات الأمريكية والتصعيدات العسكرية والحشد لا تتفق منطقياً مع إمكانيات حقيقية لتوجيه ضربة ضد العراق, فهذه الامكانيات غير متوفرة عملياً, والحماس السابق لمعاقبة العراق لم يعد موجوداً, ما يصعب على أمريكا هذه المرة القيام بعمل عسكري ولو خاطف ومحدود, وإذا قامت هذه بمثل هذا العمل على خلاف ما نتوقع وقبل ان يجف حبر هذه الزاوية فاللوم سيكون على النظام العراقي, لأن هذا لابد وارتكب حماقة كبيرة أخرى تقلب عليه الاصدقاء, بمن فيهم عرب, وتكفي مبرراً لحماقة أمريكية بالمقابل.

Email