أبجديات، بقلم: عائشة سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

تنحصر أقصى أمنياتك أحيانا في الاستمتاع باجازة قصيرة, قصيرة جدا, تنسى فيها عملك, موقع المؤسسة التي انت موظف فيها, وشكل البوابة, والوان سيارات الزملاء في الموقف الكبير, واللغات الغريبة التي يتحدث بها الفراشون, وصوت عامل البدالة, وهواتف القراء التي لا تتوقف ابدا. هذه التفاصيل الصغيرة, أصبحت مع الايام وكأنها جزء منك, كلون جلدك, او خطوط يديك, محفورة في ذاكرتك بقوة, ومختبئة في مساماتك كلها.. أنت لا تكرهها بالتأكيد, العكس هو الصحيح, ولكن لا يمكنك على أية حال ان تعشقها على الدوام, لذلك فانت تفكر جديا في ان تقذف بها في أية هاوية, وترحل بعيدا, المهم ان تنجح في منعها من التوسل اليك ان ترافقك الى حيث تريد الهروب منها. مأزقك او ورطتك تتسع اكثر حين لا يشعر بك احد, الا ذلك النفر القليل الذي يعد على اصابع اليد الواحدة, مأساتهم هم قد تتحول الى فاجعة حين لا تبادلهم الاحساس, لانهم وببساطة يشبهونك تماما انهم يعانون المأساة ذاتها, هاجس العمل الذي لا يأخذ اجازة ابدا. مأساتك اصبحت ابدية وبلا حل, لانك مطالب بالعمل والابداع وتحت اسوأ الظروف احيانا, وربما لن يكون هناك اسوأ من صراع قاتل مع زائر شديد الوطأة كالحمى, او هاجس ثقيل الظل جدا عندما تشعر فجأة بأنه لا شيء لديك لتكتبه, بينما هاتف التحرير لا يتوقف رنينه يطالبك بتسليم ما يفترض انك قد انتهيت من كتابته.. انك في ورطة لا يعلمها الا الله, والمتورطون في مثلها! أحد الذين اتحدث اليهم باستمرار دون ان اتفق معهم عادة, يعترف لي بصراحة بأنه يعتقد بأن كتّاب الصحف يمارسون عملا عديم الفائدة, وانهم بما يملكون من موهبة يضفون على عملهم هالة من القداسة ليست موجودة في العمل من الاساس, انهم ـ من وجهة نظره ـ بائعوا كلام ليس أكثر, مجرد اشخاص لا يجيدون اعمالا اخرى سوى الثرثرة على الورق بأي شيء, وكم من كلام نقرؤه ليس اكثر من (خريط مجمع) اي ثرثرة فارغة.. انهم يكتبون ليملؤوا فراغ الصفحات ليستمر صدور الصحف كل صباح... واستمر ينظر لوجهة نظره,واعتبر نفسه وكأنه يعلن ميلاد نظرية هامة ترتكز على هدم المفهوم المتعارف عليه والمؤسس على أهمية الدور الرقابي لوسائل الاعلام في المجتمعات المتحضرة والتي في طريقها للتحضر.. سألت نفسي بعد ان تركته! ترى كم شخصا يقرأ الصحف بجعبة مليئة بهذه الهلوسات والخرافات الشريرة والنظرة الدونية تجاه الصحافة والصحافيين؟ بالتأكيد فان الصحافي ليس شخصا عاطلا من القدرات والمواهب, أو أنه انسان لا يجيد فعل شيء حسب مقولة شكسبير في واحدة من قصصه والصحافة مهنة من لا مهنة له, هذا الكلام خطير جدا وغير صحيح على الاطلاق, انه اخطر من كونه وجهة نظر يمكن التجادل حولها. ولذلك قلت بداية انه في اية مهنة تستطيع ان تأخذ إجازة وتغادر عالم الوظيفة نهائيا حتى اشعار اخر, الصحافة مهنة مختلفة تماما, انها تهاجم جهاز المناعة فيك وتسكن بشراسة في كريات دمك البيضاء والحمراء, فيصعب عليك التخلص منها, الا يكون من حقنا ان نتباهى باننا نمارس عملا استثنائيا.. وبكل المقاييس.

Email