إشكالية الديني والسياسي في الفكر الاصولي:بقلم: عادل لطيفي

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ ظهور جذوره الاولى خلال القرن التاسع عشر طرح التيار التقليدي الاصولي حوله جملة من الاسئلة, في خصوص الظروف التاريخية والاجتماعية لنشأته وكذلك في خصوص الروابط التي خلقها بين شعاراته السياسية وبين الفكر الديني الذي يستمد منه مبررات مشروعه (النهضوي) وتتفرع عن هذه الاشكاليات جملة من المسائل الفرعية مثل مدى مشروعيه تمثيل اي طرف للاسلام وللمسلمين, او العلاقة بين الاسلام الشعبي العفوي وبين الاسلام السياسي المعقلن, وكذلك اوجه الامتزاج بين الاسلام المطلق ذي الابعاد الانسانية وبين الاسلام المحلي الخاضع لظرف البيئة الضيقة. وقد اصبحت هذه الاسئلة أكثر الحاحا خلال النصف الثاني من هذا القرن بعد ان احتلت الحركات الاصولية موقعا هاما في الخريطة السياسية للبلدان العربية والاسلامية, وبعد ان فرضت نفسها كإحدى النماذج الممكنة لمشروع مجتمعي بديل. غير ان الدراسة التاريخية والسوسيولوجية لهذا التيار تبين ان بروزه لم يكن وليد تطور موضوعي افرزته حاجة المجتمع بقدر ما كان مرتبطا بالصدام الفجئي بين العالم العربي المنغلق وبين العالم الغربي الذي بدأ في توسيع دائرة نفوذه لتهدد العرب والمسلمين في عقر دارهم. تعود الجذور الاولى لهذا التيار الى ما اصطلح على تسميته بــ (عصر النهضة العربية) خلال القرن الماضي, اي عندما افاق العرب على حقيقة مرة اكدتها الحملات العسكرية الاوروبية المتتالية وتتمثل في دونية المرتبة التي اصبحوا فيها مقارنة مع الجارة اوروبا. وفي خضم الشعور المتضارب الذي يتجاذبه الخوف من هذا الخطر المسيحي من ناحية والانبهار بمستوى التقدم التقني الذي حقق من ناحية ثانية, طرح السؤال الذي لا بد منه وهو كيف نحقق ما توصل اليه هذا الآخر؟ هل يكون ذلك بتقليده ام بنفيه والرجوع الى السلف الصالح؟ ومهما تكن طبيعة الاسئلة او الاجابات الممكنة لها فالأكيد ان الصدام مع الغرب هو الذي حرك جملة هذه الاشكاليات, واصبح مرجعا لتقييم اية خطوة نقوم بها في هذا الاتجاه. وفي هذا الاطار بالذات طرح مشكل الهوية وضرورة حمايتها او ضرورة تطويرها من خلال الانفتاح, وهي بالذات الارضية التي نمى عليها الخطاب السلفي, والذي تدعم مع زيادة وتيرة التصادم مع الثقافة الغربية نتيجة تعميم وسائل الاعلام والاتصال. لقد افرز الترابط بين ضرورة التأكيد على خصوصية الذات وبين العشور بضرورة تغيير الواقع المادي تداخلا في الفكر السلفي بين الديني وبين السياسي. فبالرغم من ان الحركات الاسلامية تهدف بالاساس الى المحافظة على انماط التنظيم الخاصة بالمجتمع, الا انها انتظمت في اطار مؤسسات رأسمالية مثل الاحزاب والجمعيات وغير هذا اي في أطر يصعب تبريرها من منطلق الفكر السلفي, خاصة وان انماط التنظيم هذه تفرض سلوكا سياسيا قد يتعارض مع الطابع المقدس للفكر الديني. رغم ذلك نجد بعض الحركات الاسلامية التي ترفض اي شكل من اشكال التعامل مع الانماط الوضعية مثل جماعة (التكفير والهجرة) في الجزائر والتي ترى في الاحزاب الاسلامية الاخرى رمزا للنفاق نظرا لازدواجية خطابها وتأرجحه بين الديني المقدس وبين السياسي الوضعي الذي تكفره. ان الاشكال الرئيسي الذي يواجه الخطاب السلفي يتمثل في صعوبة التوفيق بين المقدس الذي يستمد شرعيته في جانب كبير من الابعاد الوجدانية المجردة, وبين السياسي اي الوضعي القابل للسقوط في هامش الخطأ الانساني في اية لحظة. ويعني هذا التقابل مجابهة الايمان وهو اساس المقدس مع الإكراه المادي وهو كنه السياسي. هناك اشكال آخر مهم ويتمثل في التعارض بين الاسلام الشعبي العفوي وبين الاسلام السياسي المعقلن. فالاسلام الشعبي بسيط وغير معقد ولا يطرح على نفسه اي تساؤل. فهو يعتمد في الاساس على قبول الاشياء كمسلمات دون الخوض في مصداقيتها. غير ان ذلك لا يعني غياب البعد العقلاني فيه, بل على العكس من ذلك فهو يميز بين الابعاد الروحية اي المسلمات وبين الممارسة الاجتماعية اليومية وهي وليدة الحاجة الانسانية, وهو بذلك يوفر لنفسه هامشا كبيرا من التحرك على مستوى الحياة العامة. وبالتالي فان الاسلام الشعبي هو اسلام تاريخي متغير على ضوء الحاجات التي تطرح. يبقى الخطاب التقليدي السلفي خطابا عقيما نظرا للصعوبة التي يجدها في الربط بين التكوين الوجداني الروحي للمجتمع, وهي ثوابت بديهية بالنسبة للمفهوم الشعبي, وبين متطلبات الانخراط في الممارسة السياسية في ظل عالم تتعقد فيه العلاقات الاجتماعية يوما بعد يوم.وقد خلق هذا الوضع تداخلا في القضايا والممارسات التي يطرحها هذا الفكر فاصبح من الصعب قبوله للمنافسة السياسية التي يرى فيها شكلا من اشكال التحدي للمقدس. وقد نجد في ذلك ارضية كافية لفهم اللجوء الى العنف الذي ارتبط بالممارسة السياسية للاصوليين.

Email