أزمة اللاجئين الأكراد تثير قلق أوروبا: قراءة في اتجاهات الأعلام الفرنسي من أزمة اللاجئين

ت + ت - الحجم الطبيعي

واجهت الضمير الأوروبي الغربي في الأونة الأخيرة أزمة حادة تضع المسلمات الغربية والمبادئ الاخلاقية عن حماية اللاجئين وحق اللجوء وإيواء المحاربين من أجل الحرية وحقوق الانسان, على المحك. وعرض للاحراج مجموعة من الدول التي لاتعرف كيف تواجه هذا الصداع الجديد الناجم عن تدفق آلالف اللاجئين الاكراد من تركيا والعراق على أوروبا في قوارب تبحر في البحار بلا أية ضمانات أمنية ومعرضة لأبشع وأقسى المخاطر. ففي الوقت الذي كانت فيه الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تفكر في وسائل وتدابير أو إجراءات تتخذها لتدعيم سياستها في منع أو إبعاد أو طرد العراقيين - الأكراد وغير الأكراد - المتدفقين بأعداد كبيرة وبإستمرار على الأراضي الأوروبية ومنعهم من دخولها, دقت منظمة الدفاع عن حقوق الانسان جرس الانذار في مذكرة نشرتها في 31 ديسمبر 1997. كما أشارت منظمة العفو الدولية بأنه لاينبغي معالجة هذه المشكلة من زاوية مكافحة المهاجرين السريين أو اللاقانونيين أو محاربة المهربين بل يجب ان نأخذ بعين الاعتبار الأسباب الكامنة وراء هذا التدفق المقلق للاجئين أو طالبي اللجوء. تشير منظمة العفو الدولية الى انتهاكات حقوق الانسان وظروف القمع والاضطهاد التي يتعرض لها العراقيون الى جانب صعوبة الحياة وتدهور مستوى المعيشة في العراق وظروف استقبال اللاجئين السيئة جداً في بلدين مجاورين للعراق هما تركيا وإيران وهذه الأخيرة تعاني من تخمة في عدد العراقيين اللاجئين إليها. ان هذا التشخيص بات مفيداً لدرجة ان الدول الأوروبية تنوى التفاوض حول اتفاق مع تركيا. وبعض الدول تنوى ابعاد بعض اللاجئين الى شمال العراق بعد دراسة ملفاتهم حالة بحالة) وتعتقد منظمة العفو الدولية ان كل حالة تستحق ان تدرس على حدة وان لكل شخص الحق بطلب اللجوء بصورة عادلة ومرضية ودراسة عميقة لطلبة الحماية. وطبقاً لقرار غير ملزم تبنته دول الاتحاد الأوروبي عام 1992 فإن رفض طلبات اللجوء وابعاد طالب اللجوء الى بلد آخر أمر مارسته عدد من الدول الأوروبية كما اشارت منظمة العفو الدولية. وان هذا القرار يحدد ويضع شروط كيفية ابعاد طالبي اللجوء الذين تم تهريبهم عبر بعض البلدان وذلك دون الحاجة الى دراسة معمقة لطلباتهم (أو مايمسى بالرفض الآلى) من قبل بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي ادخلت أو ادرجت هذه القاعدة في تشريعاتها الوطنية ووضع لائحة باسماء الدول الثالثة الأخرى التي يتم تسلل اللاجئين من اراضيها. وواصلت هذه السياسة تدريجياً كذلك دول اوروبا الشرقية والوسطى كما تذكر منظمة العفو الدولية في تقريرها المذكور وفي هذه الحالة تقول المنظمة: (ان هناك مخاطرة بأن لايتم ابداً دراسة اي طلب للجوء بعمق) ولذلك دعت المنظمة الدولية الدول الأوروبية الى وضع حد لهذه الممارسات والحصول على ضمانات البلدان الأخرى التي سيبعد اليها طالب اللجوء, حالة بحالة حتى يتمكن هذا الأخير من الحصول على فرصة عادلة في احدى الدول لدراسة ملفه وتفادي إمكانية تسليمة الى سلطات بلاده التي فر منها) . وبالاستناد الى مثل هذه المخاوف ذكرت منظمة العفو الدولية عبر مراقبين في فرعها الفرنسي بان عدة مئات من العراقيين دخلوا الى فرنسا خلال الشهور الأخيرة الماضية (بهدف الوصول الى المانيا في اغلب الحالات) إلا ان الغالبية من هؤلاء تم ابعادهم ومنعهم من الوصول الى المانيا, وقد ابعد الكثير منهم الى ايطاليا حيث تم استقبالهم مؤقتا ريثما يتم البت في اوضاعهم ومن ثم ابعادهم الى البلد الذي جاءوا منه في الأصل من قبل. كما أشارت منظمة العفو الدولية انه (خلال اجتماع لمجلس وزراء العدل والداخلية لدول الاتحاد الأوروبي انعقد في 4 و5 ديسمبر الماضي قدمت عدة مقترحات لمواجهة تزايد تدفق طالبي اللجوء والمهاجرين اللاشرعيين القادمين بشكل خاص من شمال العراق واقترح الاجتماع تعزيز المراقبة على الحدود الخارجية وتكثيف عمليات مكافحة شبكات التهريب وبعثات المساعدة والاستعلامات على نقاط الحدود وفي المطارات والموانيء في بعض البلدان التي تستخدم كمحطات عبور وتسلل. وبما ان عدد كبير من هؤلاء البؤساء يستحقون بالفعل الحماية, فقد تم كذلك معالجة وتكييف التعليمات والقواعد المتعلقة بمنح اللجوء بغية جعلها منسجمة مع احترام مبدأ عدم الابعاد التعسفي أو الاعتباطي ومباديء أخرى وردت في اتفاقية جنيف بشأن أوضاع اللاجئين لسنة 1951) . ولفتت منظمة العفو الدولية انتباه الدول الأوروبية للحالة السائدة في شمال العراق وهي المنطقة التي ينطلق منها معظم طالبي اللجوء حيث يخوض الحزبان الكرديان الرئيسيان هناك. الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني قتالا دموياً فيما بينهما ويقومان باعتقالات جماعية تعسفية واسعة ويقومان بعمليات اختفاء منظمة للكثير من الاشخاص المعتقلين في حين ينشط عملاً مخابرات النظام العراقي في هذه المنطقة كذلك ويقومون بنفس الممارسات بحق المعارضين. والحال ان البلدين المجاورين للعراق اي تركيا وإيران لايقدمان الظروف النموذجية لاستقبال اللاجئين الفارين من جحيم الحرب وخطر الموت كما تقول منظمة العفو الدولية التي تعبر عن قلقها في عدم توفر حماية للاجئين غير الأوروبيين في تركيا وان ايران استقبلت حتى الآن حسب آخر الاحصائيات الرسمية اكثر من... 580 عراقي منهم حوالي 521000 عراقي كردي و58400 لاجيء عراقي عربي من منطقة الأهواز في جنوب العراق هذا عدا اللاجئين الذين تمكنوا من مغادرة الأراضي الأيرانية الى دول أخرى. طلبت المانيا رسميا من ايطاليا احكام السيطرة وتعزيز المراقبة على حدودها خاصة بعد وصول قارب ثان يغص باللاجئين الاكراد القادمين من تركيا الى شواطىء ايطاليا في الأول من يناير 1998 كما اعلنت وكالة الأنباء الكردية في 2 يناير ان قوارب اخرى ستصل فيما بعد محملة بمئات اللاجئين الاكراد في حين اعلنت انقرة شجبها لهذه التجارة التي تستخدم في تمويل الأرهابيين. كما اضافت وكالة انباء الاناضول انه تم اعتقال 20 شخصاً منهم 16 من اصل اجنبي من الباكستان و4 من بنغلاديش في مدينة أزمير في تركيا كانوا يستعدون للصعود سراً الى احدى القوارب باتجاه جزيرة يونانية. واحتجت تركيا رسمياً على تصريحات وزير الداخلية الايطالي جيورجيو نابوليتانو عندما أكد (ان من الصحيح بأن هناك) اضطهاداً مسلطاً على الاكراد في شمال العراق وبعض المناطق التركية) وتعلق انقرة بأن هؤلاء المهاجرين ليسوا هاربين من القمع والاضطهاد السياسي كما يدعون بل من الصعوبات الاقتصادية والحياتية التي يعيشونها فالأتراك يقولون ان صعوبة الحياة وظروف مستوى المعيشة الصعبة الموجودة في شمال العراق الخاضع للعقوبات الدولية والممزق بصراعات دموية بين الاحزاب الكردية هي عوامل مهمة تقف وراء هذه الموجة الكبيرة من الهجرة والمهاجرين. وقد سبق ان نوقشت مشكلة اللاجئين أثناء زيارة قام بها موظف إيطالي كبير في وزارة الداخلية الايطالية لتركيا ووافقت الدولتان على تبادل المعلومات والتعاون فيما بينهما في هذا المجال. ولكن كانت المشكلة محدودة ومقصورة على عدد ضئيل من الاشخاص الذين يأملون بالوصول الى شواطئ عدد من الجزر اليونانية في بحر ايجة. لكن المسألة أخذت مدى أكبر وبعداً آخر وباتت تخلق مشكلة عويصة (لقد تحولت الى نوع من الجريمة المنظمة وتحولت الى مشكلة مهمة نهتم بها بجدية ونحن منفتحون على اي تعاون) حسب تصريح المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية التركية وادعت السلطات التركية ان عملية تهريب المهاجرين اللاشرعيين هو بنظرها (وسيلة لجمع الأموال لتمويل المجرمين الدوليين ابتداءاً من المنظمة الأرهابية ب ك ك ( الحزب الديمقراطي الكردستاني التركى) . كما اعربت المانيا التي تعيش توتراً في علاقاتها مع تركيا في الوقت الحاضر, عن قلقها ومخاوفها الشديدة وذلك يوم الجمعة 2 يناير (من تدفق اعداد جديدة اخرى من اللاجئين الاكراد الى المانيا (فالتجربة اثبتت ان اللاجئين الذين يصلون الى اليونان أو الى ايطاليا لايمكثون هناك بل يحاولون الوصول الى المانيا أو هولندا) كما علق المتحدث الرسمي باسم الخارجية الألمانية روجر كيل في حين دعاً وزير الخارجية الالماني مانفريد كانثر من جهته ايطاليا الى تعزيز قبضتها على حدودها وتدعيم مراقبتها لهذه الحدود علماً بأن على روما وبون ان يحترما تعليمات وبنود اتفاقية شينغن (ولكن لا يجب ان تدفع المانيا ثمن هذا الأمر الواقع الناجم عن اهمال الدول الأخرى وقيامها بواجباتها كما ينبغي) . أما الجانب الفرنسي فقد ارسل احد المدراء الكبار في البوليس الفرنسي الى ايطاليا للمشاركة في اجتماع لمدراء البوليس الأوروبيين وقد صرح كلود غيان مدير البوليس الفرنسي انه راض تماماً عن نتائج الاجتماع المنعقد في روما وقال: (الهجرة اللاقانونية. وليس فقط قضية الاكراد - تمارس ضغطاً قوياً على حدود أوروبا لذلك قررت حكوماتنا تدعيم نشاط مكافحة شبكات التهريب ولقد جئنا الى هنا لنجد الوسائل الناجعة التي تسمح لنا الوصول الى غايتنا في وقف الهجرة المنظمة غير القانونية) وقد شارك في الاجتماع ست دول اعضاء في الاتحاد الأوروبي هي المانيا والنمسا وبلجيكا واليونان وهولندا وايطاليا وبلد آخر ليس عضوا في الاتحاد الأوروبي هو تركيا. وكان موضوع الاجتماع الأساسي (كيف يمكن وقف تدفق اللاجئين والمهاجرين اللاشرعيين الى شواطئ إيطاليا) . ان الوضع المأساوى الذي يعيشة الاكراد كان الحجة لطرح الجانب السياسي في عمليات التشاور والتنسيق بين مختلف هيئات البوليس الأوروبية داخل منطقة شينغن. ابدت تركيا استعدادها في منع عمليات المغادرة من اراضيها. واعطيت الأولوية لمكافحة ومحاربة شبكات التهريب المحترفة التي تقوم بتسلل هؤلاء المهاجرين, أو بعبارة أخرى المنظمات السرية التي تدير وتستغل وتسفيد (من تهريب المهاجرين) واتفقت مديريات البوليس على التنسيق والتعاون فيما بينها بصورة منتظمة واضاف كلود غيان (ان السيطرة على تدفق المهاجرين غير الشرعيين لاتتعلق فقط بالاكراد فقد تقرر انطلاقاً من اليوم ان على كل بلد ان يبذل اقصى حد ممكن من الجهود لمراقبة حدوده وقد التزمت إيطاليا ان تراقب حدودها وتحارب بشدة وصرامة شبكات التهريب المحترفة التي تقوم بتهريب اللاجئين والمهاجرين السريين) . تتوجه اصابع الاتهام الى بلدين هما إيطاليا المتهمة من قبل دول الشمال الأوروبي بتساهلها مع المهاجرين اللاقانونيين رغم تأييد الكنيسة الكاثوليكية والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة لموقفها, وتركيا المتهمة بتعمدها في تشجيع الهجرة الواسعة للاكراد وخروجهم من تركيا للتخلص منهم. وكان المطلب الأول هو حماية وانقاذ روحية اتفاقية شينغن خاصة عندما ستدخل ايطاليا في هذه الاتفاقية في بداية شهر اذار القادم وتفتح حدودها الأرضية مع بقية الدول الأعضاء في هذه الاتفاقية وهي مفتوحة من ناحية الحدود الجوية. والمطارات. الرهان الثاني يتعلق بمستقبل العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي التي أصبحت متوترة منذ قمة اللوكسمبورج التي انعقدت لمناقشة موضوع توسيع الاتحاد الأوروبي ورفضت السماح لتركيا بالإنضمام للاتحاد الأوروبي. ولم تتخل ايطاليا عن حقها في منح اللجوء السياسي وقد صرح وزير الداخلية الايطالي جيورجيو نابوليتانو ان بلده منح في العام الماضي 127 لجوءاً سياسياً لاجانب مقابل 24000 في المانيا و8810 في هولندا. وكان لقاء روما تقني وعملياتي بحت, الغرض منه إيجاد السبل لمكافحة شبكات التهريب لأن هذه الشبكات تقوم بعمليات استغلال بشرى مقيتة ولا انسانية. ويقول رجل البوليس الفرنسي المذكور: (يوجد في أوروبا الشرقية شبكات لتهريب المهاجرين الصينيين غير الشرعيين. فالصيني الذي يصل الى فرنسا عليه ان يدفع مبلغ 120000 فرنك فرنسي ومن البديهي انه لايملك هذا المبلغ وليس بإمكانة دفعه مرة واحدة لذا يتم الاتفاق معه انه عند وصوله الى البلد المطلوب - فرنسا مثلاً - سيكون مجبراً على العمل كعبد تحت تهديد السلاح والقتل حتى يتمكن من تسديد ماعليه من التزام مالي. أما في حالة الأكراد فإن كلفة التهريب للشخص تتراوح بين 15000 و20000 فرنك فرنسي.

Email