اتفاقية أوسلو انتهت ولكن ماذا بعدها:بقلم: شفيق الحوت

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد ان فشل الرئيس الأمريكي بيل كلينتون في إقناع رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتانياهو بعقد صفقة مع رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات تقوم على إعادة انتشار كبيرة نوعاً ما (وهي بالمفهوم الأمريكي بحدود 12%) , ثم ترك لوزيرة خارجيته تحميل الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني مسؤولية تجميد عملية السلام, حتى قبل ان يكون قد التقى بياسر عرفات... والتي لم تجد ماتنصح به الفلسطينيين غير (التحلي بالواقعية فيما يتعلق بحجم إعادة الانشار الجديد) , دون ان تنسى ربط هذا (التحلي) بضرورة قيام عرفات بالمزيد من الاجراءات لتحسين الأمن في الأراضي التي يشرف عليها. بعد هذا كله, واستحالة قبول عرفات به, فمن الممكن القول ان اتفاقية أوسلو قد انتهت, ولو ان أحدا من أطرافها الثلاثة, اسرائيل والسلطة الفلسطينية والولايات المتحدة, لن يقدم على نعيها, وستبقي كالميت سريريا في غرفة مقفلة, ويصدر كل طرف عنه نشرة صحيحة وفق مصالحه الخاصة. وكان السيد محمود عباس قد استبق نتائج لقاءات واشنطن قبل انعقادها, وقال عبر أحدى الفضائيات العربية في دولة الامارات العربية: (ان فشل لقاءات واشنطن, في حالة حدوثه, لن يكون طامة كبرى) . ولما سأله المذيع عن الموقف الذي يمكن ان يصدر عن السلطة في مثل هذه الحالة, أجاب: (سنبقى على خيارنا متمسكين باتفاقية أوسلو الى ان يعلن الجانب الأسرائيلي تخليه عن هذه الاتفاقية) . ولقد فات المذيع ان يسألة عن موقف السلطة فيما لو لم تعلن اسرائيل تخليها عن الاتفاقية رسميا مع المضي في سياستها وممارساتها المخالفة لبنودها, كما هو واقع الأمر منذ ان تسلم نتانياهو مسؤولية الحكم! اذ ليس ماهو على الورق, وانما ماهو على الأرض هو مايهم اسرائيل, وأحوالها على الأرض سائرة وفق الأجندة, بل وبأسرع مما هو مسجل عليها. لقد اقتربت المرحلة المؤقتة المنصوص عليها في اتفاقية أوسلو على النفاذ, ففي سبتمبر القادم من هذا العام يكون قد مضى خمس سنوات على توقيع الاتفاقية. هو عمر هذه مرحلة, التي لا يزال بين بنودها مالم يتحقق رغم وجوب ذلك قبل سنتين وأكثر, والمحصلة النهائية لحسابات هذه التجربة جاءت لصالح أكثر القراءات الاسرائيلية تعصبا لبنود هذه الاتفاقية بما في ذلك التجاهل التام والتنكر العلني لكل ما كان يوحي بأن (غزة - اريحا اولا) ليست نهاية المطاف, وانه سيكون للقضايا الأساسية وللأبعاد الحقيقية لجوهر الصراع جولة تفاوض جديد واتفاقية جديدة تسمى اتفاقية الحل النهائي. إذن لا حرج على اسرائيل ان هي لم تعلن نعيها للاتفاقية طالما انها لم تحل دون تمريرها لمشروعها, بل لربما ثمة حاجة لاستمرار التمسك الشكلي بها تحذيراً للعرب وللرأي العام الدولي, وتجنبا من العودة للمرجعيات الدولية التي كان يلجأ إليها الفلسطينيون باعتبار ان وطنهم محتل, وان اسرائيل قوة احتلال. فالوقت الذي انصرم كان لصالح اسرائيل اذ عرفت كيف تستغله بتغيير الوقائع على الأرض, على عكس ما حصل على الجانب الفلسطيني حيث كانت النتائج سلبية على جميع المستويات, بما في ذلك التجربة الأدارية في تصريف شؤون الناس وما رافق ذلك من فساد وافساد, ولذلك فليس غريباً ان يقول السيد محمود عباس ما قاله, وكأنه جبل لا يهزه ريح طالما أنه في السلطة ويحمل بطاقة (V.I.P) التي تمنحها السلطات الاسرائيلية لرموز السلطة وأعوانها. كذلك الولايات المتحدة هي الأخرى لا تملك ان تنعي اتفاقية أوسلو وما تبقى من عملية التسوية على المسار الفلسطيني. أولا, احتراما لهيبتها باعتبارها العرابة الوحيدة لهذه التسوية, وثانيا, لأنها تعرف ان لامصلحة لها بالضغط على اسرائيل في الوقت الذي يمكنها الاعتماد على صبر العرب وعجز السلطة. وثالثا, لأنها معنية ومنشغلة ومرتبكة حتى اذنيها في العديد من الساحات الأخرى, في أوروبا, وفي جنوب شرق آسيا, وفي إيران والعراق, وفي مخزون النفط الجديد في آسيا الوسطى. لا, ليس من مصلحة الولايات المتحدة نعي اتفاقية أوسلوا وعملية التسوية, بل ستمضي في تقديم اكثر النشرات الطبية تفاؤلا عن ذلك (الميت سريريا) والمعروف باتفاقية أوسلو. فإذا صح هذا التحليل في تشخيصة لواقع التسوية بالنسبة للمسار الفلسطيني. وهي كذلك على المسارين السوري واللبناني, وهو تحليل مستوحي من قراءات العديد من التعليقات ومما يرشح من بعض المصادر السياسية ذات الاهتمام المباشر بالتسوية, فإن السؤال المطروح الآن: (ماذا بعد هذا الفشل) ؟ لدى البعض توجهات تتوقع التركيز على المسارين السوري واللبناني, ان لم يكن من اجل حل جدي فمن أجل انهاء الرأي العام وحرفه عما أصاب المسار الفلسطيني. ويشير هذا البعض الى التصريحات التي تتالت مؤخراً من اسرائيل حول الانسحاب من جنوب لبنان وذكرها - لأول مرة - للقرار 425. هذا غيرما يتسرب احيانا عن الأعلام الموجه حول اتصالات بين سوريا واسرائيل عبر قنوات فرنسية وأحيانا أمريكية للايحاء بأن اسرائيل لاتزال متمسكة بعملية السلام وان تطرفها مع الفلسطينيين لايعني تخليها عن المشروع ككل. وهذا امر وارد ولكنه لن يفي بالغرض لأن القيادة في سوريا أكثر نضجا وأصلب موقفا من ان تمر عليها مثل هذه المناورات. لذلك فإن ماقيل عن المناورة بالنسبة لجنوب لبنان سرعان ما انكشف على حقيقتة, حتى ان وزير الخارجية الفرنسي لم يتردد عن التصريح العلني بأن اسرائيل تذكر القرار 425 ولكنها تقرنه بشروط غير واردة فيه على الاطلاق. أما حديث الاتصالات السرية بين سوريا واسرائيل فقد أصبح اسطوانة مبحوحة الصوت من كثرة ما تردد وتبين انه غير صحيح. منذ مؤتمر مدريد حتى الآن والموقف السوري يضاعف من مصداقيته, فهو لم يتغير ولم يتبدل, والقراءة السورية للحل هو الأرض مقابل السلام واحترام الشرعة الدولية بما في ذلك ما يتعلق بحقوق شعب فلسطين. وهناك من يتوقع ردود فعل داخل الوطن المحتل, لأن الوضع كما ارساه نتانياهو لا يرضى شعب فلسطين, ويضع ياسر عرفات نفسه في زاوية ضيقة ويهدد شعبيته الداخلية بين عناصر وكوادر (فتح) , بمن فيهم من يعملون في أجهزة الأمن والشرطة. قد يكون باستطاعة الولايات المتحدة بالتعاون مع الأردن احتواء أزمة عرفات الذاتية والحيلولة بينه وبين الدعوة الى انتفاضة شعبية يتحمل هو مسؤوليتها. ولكن- تضيف بعض المصادر - من يستطيع احتواء غضبة الشعب الفلسطيني بعد طول هذا الاحتقان والاختناق كل هذه السنوات؟ ويشير هؤلاء الى انتفاضة 1987 التي قام بها الشعب دون استنذان من اية قيادة أو تنظيم, فكانت ردة فعل على نكسة الثورة في لبنان ورحيلها عنه عام 1982 على أثر الاجتياج الاسرائيلي. في هذا الصدد يقول المعلق الاسرائيلي العسكري المعروف زنيف شيف: (ان مثل هذه الانتفاضة قد تتكرر, وتبدأ من نزاع محلي في موقع ما مثل الخليل أو بمصادرة أرض أو شق طريق جديد على أرض عربية (ويضيف) : عرفات يمسك بزمام الأمور ولكن هناك احباطات كثيرة وخطيرة تتراكم في أوساط الفلسطينيين, حتى داخل صفوف حركة فتح بمن فيهم من هم في أوساط رجال الأمن, مما يهدد عرفات بفقد السيطرة, اذ سيكون من الصعب عليه ان يكبح ويوقف تسلسل الأفعال وردود الفعل) . ويقول شيف: (اما حماس وتنظيمات الرفض الأخرى التي تتوقع مثل هذا الاحتمال, فإنها ستسارع الى استغلال الفرصة متجاوزة الحذر حذرهم الراهن, لأن الأمور ستتغير عندما يسود الجمود السياسي المطلق, وذلك نتيجة احساسهم بأن الطرف القوى قد سد على الطرف الضعيف كل الاحتمالات المنطقية - وهذا ما تفعله اسرائيل - وبالتالي فلابد من الانتفاضة على الوضع) . أما جدعون رافائيل, سفير اسرائيل السابق في الولايات المتحدة, والمدير العام السابق لوزارة الخارجية الاسرائيلية, بعد ان أقر باستحالة قبول الفلسطينيين عرض نتانياهو وخرائطة, فلقد قال: (اني اميل لتكرار صرخة التحذير التي أطلقها فيرجيل قبل ألفي سنة عندما قال: (احذروا من الجنرالات الذين يضعون الخرائط) , ووصف خرائط شارون ومردخاي بأنها مجموعة أوراق مشبوهة معلمة يستعملها لاعبون غشاشون لإفلاس (بنك) أوسلو. ويعرب عن قلقه من انهيار عملية التسوية ويصف ذلك بأنه سيكون أشبه بأثر عملية اصطدام وتحطم طائرة في الجو, أوقعت ضحايا كثيرة وتناثر حطامها في مناطق كثيرة, وقد يؤدي تدفق الفيول منها الى اندلاع حريق ضخم) . وبعد... لا وقت للتشفي أو للشماتة وحديث (ألم نقل لكم من قبل) , كما لا يجوز لنا تكرار نهجنا وأدائنا النضالي الذي أوقعنا في حفرة أوسلو, ونحن نحاول الخروج منها. والمطلوب عربياً, وبخاصة فلسطينيا, التخطيط لتحرك يتجاوز (ردة فعل) غاضبة كتعبير عن إحباط أو ىأس, الى ماهو أبعد من ذلك ومن طراز (الفعل) المدروس والمخطط له بعناية دقيقة وحذر كبير. ويبدأ التحرك بمبادرة لدعوة ممثلي القوى السياسية والفعاليات الوطنية الحية في الساحة الفلسطينية, دون استثناء, للاتفاق على تشكيل مجلس وطني جديد يرد الروح لمنظمة التحرير الفلسطينية, ويعيد تشكيلاتها ومؤسساتها وفق برنامج سياسي مرحلي مستلهم من وحى التجربة المريرة ويحاول الرد على تحدياتها. وهذا ممكن, وما من سبيل غير هذا السبيل وما من بارود غير هذا البارود. من أول وجديد؟ نعم. من أول وجديد. ومن يرى غير ذلك فليقل لنا ما انتظرنا سماعه منذ التوقيع على الاتفاقية... ولا نزال ننتظر!! كاتب فلسطيني *

Email