أبجديات:بقلم: عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم أعد أذكر على وجه الدقة متى سمعت هذه الجملة: (اعطني مسرحا أعطك شعبا) ولكنني اتذكرها دائما وأنا اتابع ما يعرض على المسرح العربي, فأشعر الى اية درجة يفضح فيها هذا المسرح مأساته ومأساة أمة تشير آخر الاحصاءات الى انها تجاوزت الـ240 مليون نسمة. اذا أردت ان تعرف نوع المسرح المقدم في اكثر دولنا العربية, فتابع الدعايات والاعلانات التلفزيونية, او اخبار أهل صوب فضاءات الوعي والرقي المنتظرة. فاذا علت أصوات النقد والرفض والاحتجاج, واذا أشحت بوجهك ونفسك عن هذا الهراء والعبث (الا فيما ندر) جاءك الرد سريعا: (الجمهور عاوز كده) , وهذه امكانات القطاع الخاص والدولة لا تقدم دعما يذكر. وكأنه من المحتم عليك ان تستسلم لهذا المسرح الردىء الذي يسلب منك اخر ملامح الوعي والفضيلة والمعرفة. والطامة الكبرى حين زحف الى المسرح شريحة من الفنانات والراقصات اللواتي لا علاقة لهن برائحة الفن وليس بالفن نفسه. وانظر بعد ذلك الى سيل الحوار الساقط والكلمات البذيئة والرقص الماجن والعري والصراخ.. ويقفل الستار معلنا نهاية المسرحية.. ولا مسرحية هناك من الاساس. فأي شعب هذا الذي سيعطيني اياه مسرح تنفث فيه فيفي عبده او هياتم وغيرهما (امكاناتهما) الفنية الفذة؟؟ والحقيقة انك لا تدري ما علاقة هؤلاء وغيرهن بفن راق كالمسرح أم أن وباء القيم المادية قد طال كل حياتنا, ولم يعد شيء يقف أمامه أو يردعه؟ يتساءل الانسان بحيرة احيانا: اذا اراد ان يمارس حياة ثقافية واعية ومتكاملة, فماذا عليه ان يفعل؟ انه من غير المعقول ان يجثم ليله ونهاره على الكتب او في جنبات المكتبات, خاصة اذا كانت السينما افلام اكشن وجاسوسية ومقاولات, والتلفزيون مسلسلات عهد الاربعينات وفوازير تسبب الضغط على اقل تقدير.. اذن ما العمل؟ وحتى بالنسبة للكتب والمكتبات, فهذه هي الاخرى مأساة. اما الكتب فلا يتحصل عليها الانسان بسهولة, اما لارتفاع اسعارها الخيالي واما لانها غير موجودة أصلا. وكذلك حال المكتبات فكم مكتبة يمكنك ان تحصي في مدينة رائعة كدبي؟ لاشك ان الجواب مزعج. وفي كل الاحوال فأنت مخير بين عدة أمور: اذا اردت ان تعيش مسرحا راقيا بكل المعاني فاحجز تذكرتك وتوجه الى لندن وباريس ولن تندم ابدا, واذا أردت كتبا في متناول اليد فاما ان تنتظر معرض اكسبو للكتاب يأتيك كل عام مرة, والا فان القاهرة وبيروت ولندن كذلك على أتم استعداد لتوفير طلباتك, أما اجمل امكانات المكتبات, حجما وتأثيثا وعرضا واسعارا فستجدها في واشنطن او نيويورك, هذا اذا لم ينقذنا احد كبار رجال الاعمال عندنا فيبادر لمشروع ثقافي ضخم على غرار اكبر مركز واضخم صالة, وأرقى محل وأجمل... الخ.. دبي في حاجة للحياة الثقافية الراقية كي تكتمل هذه الجوهرة النادرة, فكل امكاناتها تؤهلها لمنافسة باريس ولندن وبيروت.. وتبقى المبادرة بيد القادرين على ذلك.

Email