لمن تترك الجزائر:بقلم : د. عبد الله العوضي

ت + ت - الحجم الطبيعي

من يملك الاجابة عن هذا السؤال المحير لذوي العقول والأبصار, من الجهة المسؤولة عما يحدث في الجزائر؟ الحكومة أم الجماعات المتطرفة أم أطراف أخرى؟ وبقدر وضوح السؤال, فإن تحديد الإجابة لا يعالج المشكلة. لماذا؟ لأن ما ينشر من الأخبار عن حوادث الجزائر ليست الحقيقة كاملة ولا يلاحظ هذا الأمر إلا من يتابع قضية الجزائر من خلال أجهزة الإعلام الغربية. أما في الاعلام العربي بشكل عام فمساحة الحرية فيها مكبلة بالقيود ولا تقترب من الحقيقة خوفاً من زعزعة المصالح فيما بينها وهذا الوضع والاستمرار عليه ليس من مصلحة أي دولة عربية حتى لا تتحول الجزائر إلى صومال أخرى نفقد خلالها التحكم تماماً في مجريات الأحداث بها. بعد مضي هذه الفترة الزمنية الصعبة على أحداث الجزائر هل الحكومة قادرة على السيطرة عليها؟ هل نحتاج إلى أدلة قوية تثبت عجز الحكومة الحالية عن محاصرة دائرة العنف التي تحولت إلى ظاهرة حياتية في الجزائر. ألا تكفي هذه الاستمرارية لتردي الأوضاع للدولة على ما نذهب إليه من رأي. وقبل أن نفصل القول نستمع إلى وزير الاعلام الجزائري في تصريح له بأن بلاده بحاجة إلى مليوني جندي حتى يمكن توفير التغطية الأمنية الشاملة لمختلف أنحاء الجزائر حيث يوجد مائتا قرية نائية. وأضاف أيضاً: باننا نستعين بالجيش وقوات الأمن والمليشيات الشعبية ومجموعات الدفاع المدني في مواجهة العنف والارهاب ولانتصار قوة القانون على كل قانون القوة مؤكداً سيطرة الدولة على الوضع. ان عمليات العنف التي تتعرض لها الجزائر جزء من مؤامرة واحدة تستهدف الأمة العربية والاسلامية, وتشويه صورة الإسلام في العالم الخارجي ومثل هذه العمليات لم تنجح في وقف عجلة الحياة أو التوقف عن بناء الديمقراطية. ومتى كانت الديمقراطيات تبنى بمزيد من العسكر في الوقت الذي تتخلى دول العالم المتقدم والمتخلف أيضاً عن الاكثار والمباهاة بالعدد الذي أرهق كاهل النظام نفسه ماليا واقتصاديا. لذا فان التعويل على زيادة أفراد الجيش وكل ما يتعلق به لا يمكن أن يكون هو الحل المطلوب والساحة الجزائرية شاهد على ما نقول. دولة في طريق الانهيار الاقتصادي من أين لها أن تغطي نفقات اضافية تحت مسمى بناء الديمقراطية. الاصرار على عسكرة المجتمع الجزائري وهي المناقضة لكل الأنظمة الديمقراطية المدنية في العالم أم أن المقصود هو انشاء منظومة ديمقراطية جديدة تحت مسمى الديمقراطية العسكرية لتصبح العسكرية هي الوعاء الحافظ لديمقراطيتها. في الوقت نفسه ترفض الحكومة الجزائرية وبشدة أي تدخل خارجي لحل الاشكالية التي غرقت فيها وما زالت. ولم يجر التصريح الذي أدلى به الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة, اثر المجازر الأخيرة التي سقط ضحيتها مئات المدنيين العزل, دون إثارة ردود الفعل المتشنجة من قبل الحكومة وبعض الأحزاب الموالية للحكم, التي سارعت إلى إدانة ما اعتبرته تدخلاً أجنبياً في الشأن الداخلي الجزائري. وقال الرئيس الجزائري في هذا الصدد: ان الجزائر تمتلك مؤسسات قوية قادرة لوحدها على أن تقود البلاد إلى مخرج نهائي من الأزمة الحالية. واستغرب المتابعون بشدة لهجة السلطات الجزائرية في الرد على الأمين العام للأمم المتحدة, ودعوته إلى الحوار والمصالحة, واعتبر الخبراء ان هذا الرد المتشدد هو في الحقيقة موجه إلى أحزاب المعارضة الجزائرية أكثر مما هو موجه للأمين العام للأمم المتحدة وفق مقولة إياك أعني يا جارة. حيث ان سلطات الجزائر أبدت استياء كبيرا من الرسالة التي وجهها زعيم الانقاذ, وأكد فيها دعمه لوساطة الأمم المتحدة لاحلال المصالحة في الجزائر, قائلا انه على استعداد لتوجيه بيان لوقف العنف. ومن جهته جدد, زعيم جبهة القوى الاشتراكية المعارضة مناشدته المنظمة الدولية الخروج عن الصمت واللامبالاة حيال المجازر التي ترتكب في الجزائر. ودعا إلى تعيين مبعوث خاص للأمم المتحدة في الجزائر ولجنة تحقيق دولية للتقصي حول المجازر. وتبدي السلطات الجزائرية رفضا قاطعا لأي سعي من هذا النوع, حيث تعتبره تدويلاً للأزمة. لو استمر الحال على ما هو عليه الآن من شد وجذب من قبل جميع الأطراف في هذه المعادلة الدموية فإن النتيجة ستبقى مزيداً من الدماء وبحق أشخاص لا علاقة لهم بكل هذا العنف المجنون الذي يجعل فئة من الارهابيين تقدم على قتل احدى عشرة معلمة وامام أعين تلاميذهن مما أثار استنكارا شديدا أعرب عنه مدير عام اليونسكو قائلاً: انها لفكرة مروعة أن نتصور أناسا قادرين مع نهاية القرن العشرين على أن يقوموا بذبح معلمات أمام تلاميذهن المصابين بالرعب.. ان فكر التطرف لا يميز بين القرن الأول والقرن العشرين ففي القرن الأول قامت فئة الخوارج بأنواع من الفظائع لخيار الناس ولم تراع فيهم إلاّ ولا ذمة أما في هذا العصر فعندهم فسد الزمان وطغى الكفر على الايمان فهذا واحد منهم يقوم خطيباً في أحد مساجد بريطانيا مهددا في كلمته جميع المصلين قائلا: أيها المسلمون لو كان أمركم بيدي لنحرتكم كما تنحر النعاج لانكم تركتم اخوانكم المجاهدين في الجزائر يذبحون ويقتلون وأنتم جالسون كالقواعد من النساء فلا خير فيكم فالذبح فيكم قليل... والغريب أن هذا الفكر يعيش بجذوره في بلد الحرية فالقضية في الجزائر ليس لها علاقة بالحرية والديمقراطية, لانها لم تصل إلى هذه المرحلة بعد فمادام الكل متمسكاً بطروحاته فستبقى المعضلة بين مطرقة الحكومة وسندان المتطرفين لان الموضوع تحول إلى ثارات تداخلت فيها الأيادي القريبة والبعيدة, فلا بد من يد خارجية نظيفة تنقذ الموقف والا فالمسلسل لا تنتهي حلقاته بسهولة.

Email