مــع النــاس:بقلم :عبد الحميد احمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك من العرب من يعتقد أن ما يتعرض له الرئيس الأمريكي حاليا من اتهامات بعلاقات جنسية هو مؤامرة من الصهاينة واللوبي اليهودي المتشدد في أمريكا, بغرض افساد زيارة عرفات الى واشنطن واثناء الادارة الامريكية عن الضغط على نتانياهو, ودليلهم هو توقيت اثارة هذه القضايا مع الزيارتين والذي يعتقد بهذه المؤامرة يروج لها, فلا يفوته مثلا ان يذكر ان مونيكا ليفينسكي آخر المشتبهات بعلاقة لها مع الرئيس يهودية, ويكرر ذلك كلما يرد لها اسم, او يكتب مباشرة فيتهم اللوبي الصهيوني بالتآمر على الرئيس والضغط عليه وتهديده لثنيه عن الضغط على اسرائيل ودفعها للتنازل لعرفات. طبعا نظرية المؤامرة والتآمر فن عربي اصيل نستخدمه كلما اردنا ان نعلق خيباتنا على مشجب, فلا نجد اسهل من المؤامرة, وهكذا فان كل هزائمنا سببها امريكا, وتخلفنا الاقتصادي سببه اسرائيل, وغزو العراق للكويت مؤامرة امريكية دولية, فنخشى ان ينتهي اصحاب نظرية المؤامرة الى ان الفيديو كليب مؤامرة علينا من المخابرات المركزية الامريكية والخيام الرمضانية مؤامرة من الموساد. اللوبي الصهيوني لا يحتاج الى أن يضغط على كلينتون لكي لا يحصل عرفات على نتائج, فكلينتون وادارته منحازة تماما الى اسرائيل, وهو أمر معروف للقاصي والداني ولم يعد سرا تخفيه الادارة الامريكية نفسها, التي اكدت مرارا وجهارا ان التزامها بأمن اسرائيل لا بديل عنه, وان السلام الذي تريده هو السلام الذي يحفظ لاسرائيل هذا الامن المزعوم, لذلك فليس معقولا ان يصل بنا الحمق الى الدرجة التي نتصور فيها ان مغامرات الرئيس الامريكي العاطفية والجنسية هي من تدبير اسرائيل واعوانها, لان معنى هذا ببساطة ان النفوذ الاسرائيلي صار من القوة بحيث تغلغل الى السراويل والملابس الداخلية. واذا صادف ان مونيكا ليفينسكي يهودية فليس معنى ذلك انها من تدبير اللوبي اليهودي بقدر ما يعني (كونها متدربة سابقة في البيت الابيض) سيطرة هذا اللوبي على الادارة الامريكية التي لم تكن لولا ان كلينتون نفسه يميل لهذا اللوبي حتى ملأ البيت الابيض ووزارة الخارجية ومجلس الامن القومي بعناصره واعضائه, فهو يخدم هذا اللوبي كما لم يخدمه رئيس امريكي آخر, فلماذا ينقلب عليه الان ويهدده بمونيكا وغير مونيكا؟ والعربي صاحب نظرية المؤامرة هذه, بوعي او من دون وعي, سيجد نفسه طالما انه يتهم اللوبي الصهيوني بالتآمر على الرئيس, مدافعا عن هذا الرئيس المدعو بيل كلينتون, اكثر مما يفعل الشعب الامريكي نفسه, حتى وهذا الرئيس يدعم نتانياهو واسرائيل الى أبعد الحدود, فأي تناقض يضع فيه مثل هذا العربي نفسه؟ ثم ان قضايا كلينتون من هذا النوع واكثر, كقضية تعاطيه المخدرات حين كان طالبا في بريطانيا, والتي اعترف بها بنفسه, بدأت معه مبكرا وقبل ان يصبح رئيسا للولايات المتحدة ومنها قضيته مع جنيفر فلاورز وباولا جونز مثلا, ايام كان حاكما لولاية اركنسو, فهل معنى ذلك ان اللوبي اليهودي كان وراء هذه القضايا ايضا, ويتقصد كلينتون من أيامها ليستخدم هذه القضايا ضده ذات يوم؟ الساذج من يعتقد ذلك ومن يبحث عن اجابة لمثل هذا السؤال الساذج أيضا, فنختم بان القضايا التي يواجهها كلينتون, هي ابعد ما تكون عن السياسة, فالعلاقات الجنسية خارج الزواج والاسرة أمر مشاع في امريكا ومقبول اجتماعيا, للرئيس وغير الرئيس, واحتجاج الامريكيين ليس على هذه العلاقات, قدر ما هي على اكاذيب رئيسهم, في حال كان هذا قد كذب عليهم بان ليس له علاقة بأي من الفتيات المذكورات, اما اذا كان كلينتون قد اعترف مبكرا بعلاقاته النسائية فلا جناح عليه عند الامريكيين, فالكذب عندهم جريمة, وليس الجنس. لذلك نتمنى ان نكف عن استخدام نظرية المؤامرة لتفسير مغامرات كلينتون الجنسية أو فضائحه, وإلا سوف ننتهي منها الى ان الرئيس الامريكي, كلينتون او غيره, لا يخلع سرواله او يلبسه إلا بأمر من اللوبي اليهودي, ما يجعلنا لا نطالبه بأي موقف لصالحنا فنرتاح من النظرية لانها تبرر عجزنا الدائم.

Email