هل لمأساة أفغانستان من نهاية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في حديث لأحد كبار المسؤولين في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ذكر ان الولايات المتحدة أقرت, في عام ,1979 سياسة دعم القوى المعارضة للنظام الشيوعي القائم في أفغانستان, وذلك لتوريط الاتحاد السوفييتي واستنزاف موارده في (مستنقع) حرب أهلية ضروس, لا منتصر فيها ولا مهزوم. وبالفعل, تورطت موسكو في افغانستان, ولم يستطع الجيش الأحمر ان يحرز نصراً حاسماً, وانتهى الأمر بانسخابه غداة انهيار الاتحاد السوفييتي, على نحو مهين, أعاد الى الأذهان ذاكرة الانسحاب الأمريكي من فيتنام. وبينما اتجهت صراعات أخرى في العالم نحو التهدئة أو التسوية, فإن جذوة الحرب الافغانية مازالت متقدة ومتوهجة. فكيف نفسر ذلك؟ وما هي القوى المستفيدة من استمرار هذا الصراع؟ نقطة الانطلاق في فهم ما يحدث في افغانستان, هي التشخيص الصحيح لهذه الحرب, فهي تدخل ضمن طائفة ما يسميه علماء السياسة والاجتماع باسم: (الصراعات الاجتماعية الممتدة) . ويقصد بها هذا النمط من الصراع الذي يتضمن عناصر متنوعة: سياسية, واقتصادية, وثقافية, وعرقية, وقبلية, ودينية, ومذهبية, وفي مثل هذا النوع من الصراعات, لايوجد محور واحد للصدام, وانما تتعدد أبعاده وجوانبه. فهو أحياناً, يبدو وكأنه صراع بين أحزاب وتوجهات ورؤى سياسية, وهو أحياناً أخرى, يبدو وكانه استمرار لصراعات قبلية وعشائرية وإثنية تضرب بجذورها في أعماق التاريخ. ثم هو يبدو, في أحيان ثالثة, في شكل صراع بين مناطق وأقاليم يرفض كل منها ان يدين بالولاء للآخر, ويحرص على استقلاليته, ثم هو يظهر, احياناً رابعة, في شكل (الحرب بالوكالة) وذلك يفعل الدعم المادي والسياسي من دول أجنبية. أضيف الى ذلك, انه عندما تنشب حرب ما, وتستمر لفترة, فإنها تكون إلياتها الخاصة بها, وتظهر أطراف جديدة لم تكن موجودة سلفاً, بحيث تختلط عناصر الصراع, وبواعث أطرافه, ومصالحهم, وغاياتهم. فما بدأ, في مطلع الثمانينات, واضحاً وجلياً؛ مجاهدون مسلمون يقاتلون ضد النظام الشيوعي والتدخل السوفييتي في بلادهم, تحول, في نهاية الثمانينات, الى سلسلة من الانقسامات والصراعات الأفعانية التي يصعب ان نتتبع خيوطها التي تربطها بالأوضاع والمواقف السابقة. ومع سقوط نظام نجيب الله الماركسي في ,1992 ظهرت ائتلاقات وتحالفات أخرى وبدأت مرحلة جديدة من الحرب الأهلية الأفغانية. فمع سقوط العدو السوفييتي, الذي وحد القوى الأفعانية المختلفة ضده, تراجع الطابع الوطني الأفغاني العام, وبرزت الاختلافات والانقسامات العرقية والطائفية, ولم ينجج اي من الأحزاب الأفغانية في التعبير عن هوية أفغانية وطنية يتقبلها كل الأفغان, وأصبحت قوى وفصائل المجاهدين معبرة بالأساس عن الجماعات الإثنية المكونة للشعب الأفغاني مثل: البشتون, والطاجيك, والأوزبك... إلخ. وترتب على ذلك, سيادة حالة من عدم الاستقرار السياسي في أفغانستان, فحكم الثنائي رباني/ مسعود لم يقبله حكمتيار زعيم الحزب الأسلامي. ولكنه سرعان ماتحالف معهما بعد ظهور جماعة (الطالبان) وانتصارها على قواته. وبدورها, فان دخول حركة (طالبان) كابول انشأ تحالفات جديدة ضدها. ولا يبدو ان (طالبان) تمثل تحولاً نوعياً, ذلك انها- هي الأخرى - تعاني من كل الأمراض التي عانى منها حكم (الثنائى) سابق الذكر, مثل: فوضى القيادة وعدم وجود أولويات واضحة, والتركيز على أحد الأقاليم, فأغلب قادة (طالبان) ينتمون الى إقليم قندهار, حتى ان بعض المحللين يقول بأن عاصمة أفغانستان انتقلت - من الناحية العملية - من كابول الى قندهار. ولكن استمرار الحرب الأفغانية لا يمكن تفسيره - فقط - بانقسامات اجتماعية أو ثقافية أو عرقية. ذلك ان استمرار اي حرب يخلق فئات مستفيدة منها. وفي الحالة هذه ينشأ اقتصاد حرب, يتخذ من التهريب والاتجار في السلع غير المشروعة مادتة الأساسية. وفي حالة أفغانستان, فقد نشطت زراعة المخدرات وازدادت عمليات تصديرها. ويقدر البعض بأن هناك حوالي ربع مليون مزارع أفغاني يقومون بزراعة الخشخاش والأفيون في المناطق التي تسيطر عليها (طالبان) . ووفقا للأخضر الابراهيمي, مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لأفغانستان, فإن نصف تجارة الهيروين في العالم, و80% من تجارة المخدرات في أوروبا تنبع من أفغانستان. وفي حالة الصراعات الاجتماعية الممتدة, مثل ما حدث في لبنان من قبل, وما هو مستمر في أفغانستان اليوم, ينشأ (اقتصاد حرب) وتسود (ثقافة حرب) فتظهر فئات تحقق أرباحاً ومكاسب هائلة, بحد يجعلها جديرة بلقب (لوردات الحرب) . وهم تلك الفئة التي تسيطر على هذا الاقتصاد, وتجني أرباحه, وتحرص على استمراره. ومع ظهور الفئات المستفيدة من أمثال (لوردات الحرب) تظهر أيضاً الفئات الخاسرة والمتضررة من أغلبية الشعب, والتي تكون بالأساس من تلك الأجيال التي نشأت في ظروف الحرب, واضطرت للهجرة من مكان لآخر أكثر من مرة, ولم تدخل مدارس أو تتلق تعليماً, وعاشت حياة يسودها الخوف والفزع. وكانت الوسيلة الوحيدة المتاحة لها لسكب الرزق هي الانخراط في احدى ميليشيات الحرب. فإذا أضفنا الى ما تقدم مصالح الأطراف الأقليمية والدولية, ورغبة أطراف خارجية في بسط نفوذها داخل أفغانستان, ودعم مؤيديها بالزاد والسلاح, فإن المعضلة الأفغانية تبدو وكأنها تدور في حلقة مفرغة لا مستقبل لها. * بقلم: د. على الدين هلال

Email