(جدوى المقاطعة الاقتصادية لإستيطان (الاستراحات الريفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

بادرت أحدى حركات مايسمى معسكر السلام الإسرائيلي بالدعوة الى مقاطعة دولية لمنتجات المستوطنات الصهيونية في الضفة وغزة . وهو إجراء سوف يدخل في روع البعض ان هناك تطوراً نوعياً في نضال هذا المعسكر ضد التوسع الإستيطاني المستعر لحكومة الليكود القائمة. ومن شأن تقييم كهذا ان يوحي بجدية أنصار السلام ويعزز صدقيتهم, وبالتداعي, يدعم خطاب محازبيهم على الجانب العربي كجماعة حلف كوبنهاجن الشهير. على ان سوء الطالع مازال يلازم أصحاب هذا الإفتراض. أولاً لأن دعوة المقاطعة تواكبت وتصريح واضح من فريق كوبنهاجن العربي بأن نظرائهم الإسرائيليين لايجيدون سوى لغة الكلام ولكن (عندما تصل الأمور الى مرحلة التنفيذ لايتبقى منهم أحد) , فالأمر اذن لايعدو الثرثرة, وليس ثمة مايدعو للإعتقاد بحسن نوايا دعوة المقاطعة الصادرة عن الجانب الإسرائيلي, وثانياً, لأن امتحان مدى تأثير مقاطعة منتجات المستوطنات, تستدعي عملياً التعرف على حجم هذه المنتجات, ومن ثم تداعيات المقاطعة ان تمت جدلاً سواء على مسار عملية الاستيطان بعامة أو على حوافز هذه العملية بخاصة. تعني هذه الملاحظة الثانية, انه ينبغي قياس القوة الاقتصادية للمستوطنات وبنيتها من الداخل, وهو شأن عيني يمكن مقاربته بالأرقام والوقائع عن كثب وبشكل قريب من الدقة. بيد اننا لن ننتظر حتى تتم هذه العملية الحسابية لأجل اختبار جدوى مقاطعة إقتصاد المستوطنات, وإنما يمكن إجرائياً الإعتماد على تقدير, إسرائيلي أيضاً, لهذه الجدوى. لقد صدرت مؤخراً دراسة بعنوان (سياسات إقامة المرابض) تأملات في سياسة الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية منذ عام 1967) . صاحب هذه الدراسة هو (دافيد نيومان) , أستاذ الجغرافيا السياسية بجامعة بن جوريون وهو يقدم فيها تفسيراً غير مسبوق لأسباب التوسع الاستيطاني في الضفة يمكن ان يعتمد عليه في تقدير قوة المستوطنات الاقتصادية, وبالتالي تأثير دعوة المقاطعة المستحدثة. يعتبر (نيومان) ان قضية الاستيطان بعد 1967 يجب ان تفهم في إطار البيئة الاقتصادية والاجتماعية الاسرائيلية التي حدثت هذه القضية في سياقها. فبفعل التطورات التي طرأت على هذه البيئة بعد حرب يونيو, فضل بعض الاسرائيلين الحصول على مسكن منخفض التكاليف, وقريب من مراكز العمل في المدن الإسرائيلية. ومن هنا, إنتشر شعار (على بعد خمس دقائق من كفار ساجاً - وهذه تقع بالقرب من تل أبيب. ويرى نيومان ان أولئك الذين أثروا الانتقال الى هذه التجمعات, في الضفة بعد إحتلالها, تحقيقاً لغرضي رخص المكان وقربه من المدن الإسرائيلية, أصبحوا مستوطنين في الريف الفلسطيني, المحاذي لما عرف بالخط الأخضر. ويقدر حجم هؤلاء بنحو 65 - 75 بالمئة من مستوطنين الضفة (عام 1997)... وتقيم هذه النسبة الواسعة منهم على بعد ما بين 5 الى 10 كيلو مترات من هذا الخط. ويلاحظ نيومان ان هذه المستوطنات أفضت بحكم طبيعة منشأتها الى: 1- ان وظيفتها الأساسية هي كونها تستخدم كمنامات أو مرابض للمقيمين فيها. إنها بكلمات أخرى مجرد (استراحات ريفية) ومنتجعات للراحة من زحام المدن الاسرائيلية المكتظة وبيوتها مرتفعة التكلفة. 2- ان عملية الاستيطان لم تنشأ, والحال كذلك, عن التزام أيديولوجي على النمط التقليدي الصهيوني. حيث الاستيطان في (أرض اسرائيل) والعمل فيها قيم كبرى يجب الحفاظ عليها. 3- أدت هذه المستوطنات (المنامات) الى زيادة تمركز الإسرائيليين حول المدن في قلب البلاد, على حساب الأطراف كالنقب والجليل. 4- ان المستوطنات التي قصد بها أغراضاً دفاعية أو أمنية, مثلما هو الحال في غور الأردن, لاتستقطب الكثيرين ولاتستهوي سوى قلة لا يزيد عددها عن ثلاثة الآف مستوطن. 5- يمكن بالتأكيد إزالة المستوطنات المنامات دون عوائق إقتصادية أو اجتماعية خطيرة داخل اسرائيل, كونها منفصلة اقتصاديا وإجتماعياً عن محطيها في الضفة الفلسطينية من جميع المناحي وملحقة بالاقتصاد والمجتمع الإسرائيلي تماماً. ثمة معطيات كثيرة تتمخض عن هذا التحليل, كتضاؤل العامل الأيديولوجي في صناعة الاستيطان, ومناقشة الادعاءات الصهيونية الإسرائيلية بعدم القدرة على استئصال الحقائق الاستيطانية, والتشكيك في الأهمية الأمنية لهذه الحقائق... وهذه كلها تفيد ملف المفاوض العربي الفلسطيني حول القضية... غير ان الذي يعنينا أكثر في هذا الموضع, تأكيد التحليل على ضعف القيمة الاقتصادية للمستوطنات في حد ذاتها سواء بالنسبة للمستوطنين - الذين يستخدمونها كمنتجعات للإسترخاء بعد يوم عمل داخل المدن الاسرائيلية المجاورة على الجانب الأخر من الخط الأخضر - أو بالنسبة للإقتصاد الإسرائيلي. يتطلب الوصول الى هذا الاستنتاج طبعاً, ان يحظى تحليل نيومان بصحة نسبية مرتفعة, وفي حقيقة الأمر ليس ثمة موجبات قوية للتشكيك في ذلك, على الأقل لاننا نعرف ان التجمع الاسرائيلي (اليهودي), مازال يهوى الإقامة في المدن كشأن اليهود دوماً في كل الأماكن (80 بالمئة من الإسرائيليين يسكنون 12 بالمئة من إسرائيل 1948). يقودنا ذلك كله مباشرة الى إثارة الشكوك حول قوة تأثير دعوة مقاطعة اقتصاديات الاستيطان ولايعني ذلك منطقياً الاستخفاف بمبدأ المقاطعة نفسه. فطالما ان بين الاسرائيليين من ينادي بمقاطعة اقتصاد المستوطنات..., فلماذا يستهين البعض بتطبيق المبدأ في التجمع الاستيطاني الأكبر في فلسطين المحتلة كلها قبل 1967 وبعده, وذلك من جانب كل من يعنية أمر التسوية العادلة, فلسطينيا وعربياً ودولياً؟ * محمد خالد الأزعر

Email