مسؤولية الحكام ودور الزعماء والقادة:توجان فيصل

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد مرور سبع سنوات على حرب الخليج, واكتمال سبع سنوات من حصار غير مسبوق في قسوته ولا انسانيته فرض على العراق عبر مجلس الامن, ونفذ على الاقل بغض طرف عربي.. وبعد قطيعة وتوتر وشكوك عربية ـ عربية تكاد تحاصر كل قطر عربي حصارا ذاتيا منذ ذلك الحين.. بعد كل هذا لا بد من التوقف لنبين من هو المعتدي ومن هم الضحايا؟ ومن يأتي بالخطر وكيف يتم درؤه؟. وأوّل درء للخطر هو تعريف مصدره. ومن يدين العراق لانه دخل الكويت بقواته المسلحة, عليه ان يدين في الوقت ذاته الولايات المتحدة. فما تبيّن لاحقا من تسرّب معلومات عن دور السفارة الامريكية في بغداد في اعطاء الضؤ الاخضر للعراق لدخول الكويت, وحتى من اغلاق ملف التحقيق مع السفيرة الامريكية بدل استكماله, يؤكد المؤامرة الامريكية على العرب كافة, ويزيد من هذا التأييد تصريح قادة الولايات المتحدة جميعا, وفي اكثر من مناسبة وعلى امتداد السنوات السبع, ان الامر يتعلق (بمصالح امريكا) في نفط المنطقة وموقعها الاستراتيجي, ولا يتعلق بتحرير الكويت او حماية اية دولةعربية مجاورة للعراق من الجيش او النظام العراقي.. فهذه اسطوانة لا تشغل الا في البث الموجه باتجاه العرب. ومن يقول انه لا يسمع باقي الرسائل والحوارات والمصارحات التي تنقل عبر الاقمار الصناعية في نفس اللحظة التي تتم بها ـ داخليا ـ في امريكا واوروبا, يعترف بانه يعيش خارج العصر وخارج العقل ايضا.. فالامريكان والاوروبيون لا يتهامسون بشأن مصالحهم. ولا يستلزم الامر ولم يستلزم في نظرهم ولو للحظة خداعنا, بل نحن الذين نتطوع لخداع انفسنا.. فأمريكا ليست الصديق ولا المحرّر ولن تكون كذلك في يوم من الايام, بل هي دوما العدو الطامع بنا. واذا كان بالامكان فصل بعض الشعوب العربيةعن انظمتها, كون هذه الانظمة لم تفرز ديمقراطيا, وبالتالي تبرئة اي شعب من قرار وممارسات نظامه. فان هذا لا ينطبق على الولايات المتحدة. فالمؤامرة لم تكن خاصة بالرئيس بوش, فها هو قد سقط في اول انتخابات تلت حرب الخليج, ومع ذلك فالسياسة الوحيدة التي لا تختلف باختلاف الرؤساء هي استهداف الولايات المتحدة للعالم الثالث ـ وفي مقدمته عالمنا العربي ـ ودعمها لاسرائيل. اي ان المصالحة والغفران والنسيان العربي ـ العربي يجب ان تكون اقرب واكثر وجاهة من المصالحة والغفران والنسيان فيما يتعلق بمعاناتنا على يد امريكا.. واذا نظرنا بصورة اقرب الى ما خسرناه كعرب جرّاء هذه الحرب وهذا الحصار, فاننا نتبيّن حتما, وبوضوح اكثر دور الولايات المتحدة في كل ما اصابنا, والذي يمكن تلخيصه في المجال العسكري. والسياسي بما يلي: اولا: تم تدمير اكبر جيش عربي, وهو الجيش الذي وقف الى جانب اكثر من صراع عربي ضد المستعمر, سواء بالمشاركة الفعلية في الحروب العربية, او بتوفير السند الذي حمى الظهر العربي وقوّى عموده الفقري.. وبغض النظر عن موقف اي منا من دخول الجيش العراقي للكويت, فان نكران تاريخ هذا الجيش السابق على هذا الدخول هو نكران للجميل, وخداع للذات قبل خداع الغير. ثانيا, تلا هذا التدمير لقوة العراق العسكرية, حسم نتائج اكبر تحد واكبر صراع واجه العالم العربي في العصر الحديث قاطبة.. ألا وهو الصراع العربي ـ الاسرائيلي.. فبدون ضرب وحصار العراق ما كان يمكن لمؤتمر مدريد ان يعقد, ولا للاتفاقات التفريطية ان تعقد, او لنقل ان تظهر الى السطح, بعد ان كانت جاهزة او موقعه بانتظار اسقاط الخيار العسكري. ثالثا: ما تلا هذه الاتفاقيات ايضا من تحالفات عسكرية تتمثل الان بالتحالف الاسرائيلي ـ التركي ـ الامريكي وهذا الحلف يستهدف كامل الوطن العربي ومعها ايران, الا ان من هم في فوهة المدفع الان هما العراق وسوريا. واذا كان شمال العراق قد انتهك بفعل الحرب والحصار ودون حاجة لحلف عسكري. فان التهديد لسوريا الان يستهدف كما تعلن تركيا واسرائيل اقتطاع اراض سورية في الشمال بحجة ما يسمى بالحزام الأمني, وابقاء الجولان المحتل تحت قبضة اسرائيل وتكريس احتلاله.. هذا اذا لم تمتد المؤامرة الى محاولة تدمير القوة العسكرية والاقتصادية لسوريا, تماما كما حدث للعراق.. وهذا بالذات يجعلنا نتساءل عن حقيقة الراعي والحامي الامريكي للدول المجاورة للعراق من سطوة العراق.. ألم تكن سوريا من الدول العربية المشاركة في التحالف الثلاثيني؟؟ فما هو عذر امريكا واسرائيل اذن؟؟ وهل يخدع بعض العرب أنفسهم اكثر بالاصرار على ان ما تقوم به امريكا هو حماية لهم؟؟ رابعا, تثبيت قواعد عسكرية امريكية في اراضي الدول العربية المجاورة او القريبة من العراق. وهذه القواعد تشكل بحد ذاتها تهديدا للأمن العربي. وهذه القواعد تشكل بحد ذاتها تهديدا للامن العربي, كما تشكل الترسانة العسكرية الامريكية المتواجدة في الخليج العربي. واضافة الى التهديد الحالي, فان هنالك خطرا مستقبلياً الى على اية دولة تحاول, لأي سبب كان, انهاء وجود هذه القواعد وهذه القوات. فالتاريخ سجل اكثر من حرب واكثر من اعتداء امريكي صارخ على سيادة ومصالح دول حاولت التخلص من القواعد الامريكية.. ومن هنا فان ادخال هذا (الصديق) الى داخل البيت العربي ليس حتما كاخراجه. اما على المستوى الاقتصادي, فلعل خسائر العرب تتلخص فيما يلي: اولا, تدمير كامل مقدرات وكامل البنى التحتية لقطر عربي كان قويا متقدما على كامل العالم العربي في اكثر من حقل حيوي, وخاصة الحقل العلمي التكنولوجي. ولم يتوقف الامر عند التدمير والحذف, بل ان العراق اصبح الان انسانيا وبيئيا ربما اقتصاديا وتنمويا, حالة مرض في الجسم العربي كله يستلزم علاجه جهد عربي ونفقات عربية وسواء اعترف العرب بهذا الان ام لا.. فان لم تكن مصالح العراق وحدها فان مصالح العرب ستدفعهم قريبا لتحمل مسؤولياتهم في اعادة بناء العراق وعلاجه الطويل. ثانيا, ما سبق وما تبع حرب الخليج من اتفاقيات عسكرية واتفاقيات حماية وما رافقها من مشاريع وعقود اقتصادية بحتة ارهقت كاهل كامل دول الجوار العراقي واستنزفت مقدراته الحالية, وحتى بعض مقدراته المستقبلية.. ومع ان هذه الكلفة الباهظة امر لا يرغب طرفا اي من هذه الاتفاقات الحديث عنه صراحة, الا ان ما يتسرب نتيجة تململ بعض الدول العربية كاف لبيان حجم الاستنزاف. فالولايات المتحدة لها طريقتها الخاصة في تفسيره واعادة تفسير وتوسيع اي من بنود هذه الاتفاقيات تماما كما تفعل مع قرارات الامم المتحدة او مجلس الامن بشأن العراق وما ان تظن الدول (الصديقة) الموقعة معها انها أوفت ما عليها, حتى تبادر الولايات المتحدة لصيغ استنزافية جديدة. وهذا ما يجعل الاستعمار الامريكي المعاصر غير مسبوق في لا اخلاقيته, ويفوق في هذا انواع الاستعمار السابقة عليه رغم كونها استعمارا مباشرا وعلنيا. ثالثا, اعاقة التنمية العربية, سواء داخل الدول التحالف والدول النفطية خاصة, بسبب ارهاقها بكلفة الحماية والتسلح غير المجدي حتى دفاعيا.. وخارج دول التحالف والنفط بسبب توتر العلاقات بعد الاستقطابات التي تلت حرب الخليج, ولعل تجرؤ الولايات المتحدة على اعلان بنك التنمية التابع لمشروعها في المنطقة. والذي ارادت دون ان تخجل او يرف لها جفن ان يقوم العرب بتمويله بدلا منها... لعل في هذا استباق امريكي لاعلان حالة دفن التنمية العربية العربية. وهو مالم يتم بحمد الله, وما نتمنى ان لا يتم بفعل سلسلة التراجعات التي شهدناها في هذا المجال منذ حرب الخليج وحتى الان. رابعا, ومقابل وقف التنمية او اعاقتها داخل الاقطار العربية, ووقف التعاون العربي في هذا المجال, جرت محاولات لاحلال اسرائيل, ليس كشريك (فالشريك يدفع ثمن شراكته وينفع شركاءه) بل كمهيمن رئيسي ومخطط ومالك اول لكافة مقدرات المنطقة فاسرائيل تتحدث عن رأس المال والمواد الخام في مناطق من العالم العربي, وتتحدث عن العمالة الرخيصة في مناطق اخرى, وتفصل الادوار للدول والشعوب العربية لتحقيق المعادلة التي تريدها هي لهذه القدرات, وهذا ماتهدف اليه المؤتمرات الاقتصادية التي عقدت في المنطقة وما تنص عليه الاتفاقيات مع اسرائيل سواء ما سمي في اتفاقيات سلام او ما تلاها من اتفاقيات اقتصادية, اسرائيل تعيد ترتيب البيت العربي صراحة بما يخدمها هي ولا تعني بما تدمره في تلك الاثناء, بل ان التدمير جزء من مطلبها الاستراتيجي وخير مثال على هذا تدميرها لأغنى بقعة زراعية في الاردن (الغور الشرقي) بتحويلها الى منطقة صناعية لصناعاتها هي, بينما الجزء الغربي من الغور والذي هو تحت سيطرتها واحتلالها المباشر الكامل لا يزيد عن كونه سلة اسرائيل الغذائية الرئيسية بكونه مصدر زراعة تصديرية بعوائد تعادل او تفوق ميزانية الاردن الزراعية والغذائية والتموينية عامة. بعد هذا كله من المتضرر من حرب الخليج وحصار العراق ومن المستفيد؟ من الضحية ومن الجاني!! واذا تعدد الضحايا والجناة, وتبادلوا الادوار اكثر من مرة وهذا ما يحدث في الحروب الاهلية ووضعنا العربي الحالي هو اشبه بحرب أهلية, فما هو على الاقل تسلسل ترتيب الضحايا والجناة؟ التاريخ مليء بحروب قامت بين دول, وتمت المصالحة, والتاريخ الحديث بالذات يبشر لهذه المصالحة ويجعلها حادثة نقية عن طريق الديمقراطية. فعندما تقتتل دول وتتضرر شعوبها يتم تحميل المسؤولية للانظمة ويتم التخلص من تلك الانظمة سلميا وديمقراطيا في الاغلب الاعم عبر صناديق الانتخاب او عبر استقالة الحكام طوعيا, او بوسائل اقل سلما بما يتناسب مع درجة انخفاض الديمقراطية في تلك الدول... ولا تسقط الشعوب والدول بالتالي في حسابات سيكولوجية الحكام ولا تشخص قضايا الوطن العامة. فاذا كانت جيوش الحلفاء هي التي اسقطت هتلر عسكريا, فان سقوطه السياسي جاء من الداخل او بقرار من الشعب الالماني بدليل انه لم يورث من قبل هتلر اخر او مندوب سام او مفوض او اي حاكم يعينه الحلفاء كما يحدث في العالم الثالث وحده.. وبالمقابل فان بطل الحرب والسياسة ديجول اختار ان يستقيل وهو في اوج عظمته وعندما وجد ان الشعب الفرنسي لا يوافقه على بعض سياساته النابعة من اثار الحرب عليه وترسباتها النفسية التي لا يعرفها غالبية الفرنسيين من الجيل الجديد او التي تجاوزها اقرانه. اما في العالم العربي, حيث الحوار غير الديمقراطي لا يساعد على اسقاط الديكتاتوريات, وحيث التغيير الديمقراطي لم يرق بعد الى الحد الادنى من ربط الحكم بالمسؤولين والمحاسبية, فان خيارات واخطاء واحقاد ومصالح وحتى تفاصيل الكرامة الشخصية للحكام تصبح البوصلة الموجهة للسياسات العليا للوطن والامة ولكن هذا بحد ذاته هو خطأ الانظمة القاتل. فاذا كانت الشعوب العربية تريد ان تنسى وتسامح وتتصالح, وهذا ماهو واضح في كافة اصواتها وبكل القدر الذي يسمح به لهذه الاصوات ان تسمع. واذا كانت الشعوب العربية تصنع القضايا القومية فوق القطرية, وتضع بالتالي الاداء القومي في درجة من الأهمية سابقة على الاداء الداخلي لحكامها. فتلك فرصة الحكام والانظمة في ان يضمنوا دخولهم السلس السهل الى المستقبل الذي اصبح اغلبه في نطاق الحاضر, الى عصر الديمقراطية الاتي لا محالة... انها فرصة الحكام العرب لينتقلوا من مواقع الحكم الى مواقع الزعامة والقيادة. لم ينتخب جمال عبدالناصر من قبل الجماهير المصرية, ولكنه جاء الى الحكم على ظهر دبابة. ولم يكن عهده خاليا من العيوب في الاداء او حتى من المظالم ومع ذلك فهو الزعيم العربي الوحيد الذي تصر اغلبية ساحقة من الجماهير العربية وليست المصرية فقط انتخابه بأكثر من وسيلة وعند كل ازمة عربية وعند كل قرار مفصلي او حدث تاريخي في حياة هذه الامة, وبعد ممات الزعيم عبدالناصر لما يقارب الثلاثة عقود!!! كاتبة من الاردن *

Email