أسئلة ملحة في الشأن الجزائري

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا تزال أحداث الجزائر تستقطب الاهتمام نظراً لما أصبحت توفره من تجسيد حي لعنف عجز عديد من المحللين عن فك رموزه وفهم دوافعه أو تحديد الجهات التي تقف وراءه. ويمكن القول ان هذا اللبس يعود الى كون الاعلام الغربي أصبح حاليا المصدر الأساسي لاستقاء المعلومات وحتى لتحديد الموقف مما يجري في الجزائر. أما هذا التداخل, نرى أنه من الضروري التذكير ببعض المعطيات التي حجبتها أحداث المجازر أو تناساها البعض عمداً, بالرغم من أهميتها في أية محاولة جادة لفهم واقع ما يحدث. يرى البعض ان مسلسل العنف في الجزائر كان نتيجة لإلغاء انتخابات 1991 والتي كانت جبهة الانقاذ على وشك الفوز بها. غير ان من عاش في الجزائر قبل هذا الفترة يعلم جيدا ان ممارسة العنف بدأت حتى قبل أحداث اكتوبر ,1988 فقد برزت جماعات أخذت على عاتقها مسؤولية تطهير المجتمع من ظواهر ترى انها تتنافي مع فهمها للدين. وكان الضحايا الرئيسيون لهذه الجماعات من النساء والمثقفين. وأكثر من عاني من هذا الوضع العازبات والعوانس والمطلقات ومن يقيم أزواجهن بالخارج. وبالإمكان الرجوع في هذا الإطار الى الصحف المستقلة والى بيانات اتحاد المرأة الجزائرية أو الى بيانات الجمعيات النسوية غير الحكومية أو رابطة حقوق الإنسان, للوقوف على بعض حقائق تلك الفترة. وقد تدعم المنحى نحو هذا العنف بعد الانتخابات البلدية وهو ما يفسر خسارة جبهة الانقاذ أكثر من مليون صوت عند الانتخابات التشريعية, اي في ظرف يقل عن السنة, كما كان هذا العنف سببا في تباعد التيارات الإسلامية من خلال معارضة حركة حماس (حركة مجتمع السلم حالياً) وكذلك حركة النهضة لممارسة العنف. وشمل الانشقاق صفوف الجبهة ذاتها, فقد انسلخت عناصر مؤسسة للحركة مثل الإمام محمد عيه الذي تم اختطافه من طرف إسلاميين منافسين ثم أطلق سراحه فيما بعد. أما غطاء هذه السياسة الاقصائية وتصفية من خالف في الرأي فكان دائما مفهوم التكفير. كثر الحديث خلال الفترة الأخيرة عن ضرورة حل سياسي يجمع أطراف النزاع حول طاولة الحوار على انه السبيل الوحيد للخروج من الوضع. ولكن غاب عن دعاة هذا الرأي ان الحوار بين السلطة وجبهة الانقاذ كان قد تم فعلا من قبل. وكان الرئيس الحالي اليامين زروال هو من قام بهذا الحوار عندما كان يشغل منصباً وزارياً غير ان هذه المحاولة باءت بالفشل بعد تهديد بعض عناصر الجبهة لعباس مدني باعتباره رضخ لمطالب السلطة, هذا إضافة الى عدم موافقة الجناح العسكري للجبهة على وقف عملياته, هناك مسألة أخرى تجعل من الصعب الحديث عن مثل هذا الحل, وتتمثل في غياب قيادة موحدة لجبهة الانقاذ. ففي الداخل هناك خلافات عميقة بين علي بالحاج وبين عباس مدني, تضاف الى التباعد بين القيادة السياسية وبين الجناح العسكري (جيش الانقاذ). أما في الخارج فيوجد تباعد واضح في مواقف قياديي الانقاذ وخاصة بين رابح كبير في المانيا وبين أنور هدام في الولايات المتحدة. وقد برز هذا التباين عندما هنأ رابح كبير اليامين زروال بعد الانتخابات الرئاسية في حين رأى أنور هدام في هذه الحركة خيانة لخط الجبهة. من جانب آخر هناك معطى يمكن ان يوضح لنا بعض المسائل الخاصة بإمكانية الحوار, ويتمثل في الهدنة التى أعلنها جيش الانقاذ. فالواضح أنها لم تؤد الى أية نتيجة على المستوى الأمني وهو ما يجعل من مثل هذا الحوار - ان رأي النور - عملية عقيمة. هناك سؤال آخر يطرح نفسه بقوة, إذ كيف يمكن للجبهة ان تجد تبريراً للمفاوضات مع سلطة كانت ترى فيها دائما نموذجاً للدولة الكافرة والملحدة. - كما يرى البعض ان المجازر الحاصلة حاليا في الجزائر هي نتيجة للصراع بين السلطة والمتطرفين, فإذا كان الأمر على هذا النحو كيف يمكن تفسير الحرب الحاصلة بين جيش الانقاذ وبين الجماعات المسلحة والتي حصدت آلاف الأرواح؟ كما يتهم آخرون السلطة بالوقوف وراء هذه المجازر ونحن لا ندري ماذا ستجني هذه السلطة من وراء ذلك, اللهم ان تؤكد فشلها في التعامل مع المسألة الأمنية وبالتالي التشكيك في مصداقية المعالجة السياسية التي اتبعها الرئيس زروال منذ توليه السلطة. نشير هنا كذلك الى ان الإسلاميين المعتدلين وحتى رموز جبهة الانقاذ يحملون المجموعات المسلحة مسؤولية المجازر. - ومن المواقف التي تثير الاستغرب اعتبار ما يحصل في الجزائر مخططا متكاملاً من قبل الغرب للقضاء على المشروع الإسلامي في هذا البلد. اذن كيف نفسر ايواء المانيا لرابح كبير؟ وكيف نفسر احتضان الولايات المتحدة لأنور هدام الذي نسج هناك شبكة من العلاقات تبعث على الريبة؟ وكيف تفسر الحشد الهائل من المتطرفين في بريطانيا والذين يحظون بحرية كبيرة في التحرك بعكس سياسيين آخرين؟ ان السبب الرئيسي في الغموض الذي يلف المسألة الجزائرية يتمثل في غياب مصادر معلومات موثوقة قد تساعد في تكوين فكرة واضحة عما يجري. رغم ذلك يمكن القول ان الضحايا وحدهم القادرون على كشف الحقائق وعلى وضع حد لما يحدث, والضحية الرئيسية في الشأن الجزائري هي المجتمع الذي ضرب في طاقاته الحية مثل المثقفين والمفكرين والفنانين والمرأة, وهي القوى التي من خلالها يتجدد. أما الحل فيتمثل في انفتاح جدي من طرف السلطة على القوى الديمقراطية بالبلاد من أحزاب وشخصيات وطنية وجمعيات وهو الاطار الأمثل لتكوين لجنة للتحقيق في المجازر وبلورة حلول للأزمة. فعلى السلطة الجزائرية ان تتخلى عن أسلوب احتواء المجتمع ولعب دور الأب الشرقي وان تقتنع بالحاجة الملحة لإعطاء القوى الحية في البلاد دورها الذي تستحقه. وسيمكن ذلك من فتح باب المبادرة أمام المجتمع للتعبير عن نفسه وتحديد مصيره بعيداً عن ضغوط الأنماط السلطوية المهترئة. بقلم: عادل لطيفي

Email