السنة العالمية لحقوق البشر:بقلم: عادل محمد حسن

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع حلول العام الجديد 1998, يبدأ تدشين السنة العالمية للدفاع عن حقوق الانسان. وستكرس المنظمات الانسانية والهيئات الدولية المدافعة عن حقوق الانسان جل نشاطها في هذه السنة من اجل السعي لتقليص الانتهاكات التي يتعرض لها بني البشر بسبب من آرائهم ومعتقداتهم وجنسهم وعرقهم. ان تكريس عام 1998 كعام للدفاع عن الحقوق الاساسية للانسان يقترن بمرور خمسين سنة على مصادقة الجمعية العامة للامم المتحدة على الاعلان العالمي لحقوق الانسان في عام 1948. هذا الاعلان يعد وثيقة فريدة في تاريخ نضال بني البشر من اجل تأمين حقوقهم واحترام كرامتهم واضفاء التسامح على علاقاتهم, وازالة التعسف والتمييز الذي يتعرض له الانسان. وشرع منذ ديسمبر عام 1997 بعدد من الفعاليات والمؤتمرات المكرسة لهذا الموضوع الحيوي. وستستمر هذه الفعاليات خلال السنة الجديدة من اجل التعريف بمواد الاعلان العالمي لحقوق الانسان واهميته في حماية الحقوق الفردية والاجتماعية. وستلقي هذه الفعاليات الضوء على ما استطاعت ان تحققه البشرية من انجازات على هذا الطريق او مظاهر الخروقات الفظة لهذا الاعلان الهام والهوة في تنفيذ مواده بين الدول المختلفة. والان وبعد مرور خمسين سنة على هذا الاعلان يمكن القول, وبالاستناد الى الوقائع, ان غالبية بلدان العالم مازالت تتعثر في تنفيذ مضامينه. بالطبع ينبغي الاشارة الى ان هناك تفاوت صارخ في تنفيذ بنوده. فقد اكدت بعض الدول على تمسكها بهذا الاعلان وقطعت شوطا كبيرا في تنفيذ مضامينه وليس جميعها. في حين مازالت هناك دول اخرى تتنكر لهذا الاعلان وتكرس اساليب متعسفة ضد مواطنيها بستار من الحفاظ على تقاليد المجتمع وتاريخه او بذريعة ان موضوع حقوق الانسان ما هي الا بدعة غربية فحسب. ان المواد التي اقرت في الاعلان العالمي لحقوق الانسان منذ خمسين سنة جاءت نتيجة لمساعي حثيثة لقوى التنوير وانتشار الثقافة وتطور الفكر, قدم فيها المدافعون عن حقوق الانسان ضحايا كثيرة خلال القرون الوسطى وحتى بداية عصر النهضة الاوروبية. وبدأت مرحلة في التاريخ الانساني استطاعت ان تطوي صفحتها على محاكم التفتيش القروسطانية وموجة التكفير وكمّ افواه العلماء ورجال التنوير في الجزء الغربي من كوكبنا, اي ذلك المصير الذي تعرض له كل من غاليلو وجوردانو برونو وكوبرنيكوس على سبيل الحصر. وزاد الاهتمام بموضوع احترام حقوق لانها تستجيب لاماني البشر وتعاظم وعيهم وتعمق تطلعاتهم بغض النظر عن تاريخ هذه الدولة او تلك وثقافتها وعاداتها. واصبح من غير الممكن الحديث عن اي تحديث للمجتمع وتسريع عملية التنمية فيه وتطور ادبه وفنه وحتى قيمه الوجدانية والاخلاقية والدينية دون الالتزام بمبدأ احترام حقوق الانسان. وتؤكد التجربة الانسانية على انه من غير الممكن لاي مجتمع ان يتطور دون تمتع اعضائه بحريتهم ومشاركتهم في صنع مستقبلهم ودون ان يتوفر قدر من الجدل وصراع الافكار. وهذه قيمة انسانية لا تختص بهذه الثقافة او تلك ولا بهذا الدين او ذاك ولا بهذا المجتمع او ذاك, وهي لا تعتبر قيمة مستوردة او دسيسة (امبريالية) , بل انها من صلب تطلعات الانسان عموما, بل ومن صلب تاريخنا وتطلعاتنا ايضا. لقد لعب المسلمون دورا في حمل لواء التنوير واحترام الانسان وحقوقه وفكره خلال مراحل الازدهار التي شهدتها الدولة الاسلامية في فترات من العهد الاموي, والعباسي او في الاندلس. وكان ذلك احد اسباب ما احرزته هذه المجتمعات من ازدهار فكري ومادي وتحولها الى مركز جذب حضاري. ولقد فقدنا هذه القيم بسبب من عهود الانحطاط التي مرت بها بلداننا اثر غزو المغول والتسلط العثماني وآثار السلطة الصفوية والتي استمرت لقرون عديدة. ويبدو ان تقاليد عهود الانحطاط قد انتقلت الى العقل السياسي في بعض مجتمعاتنا سواء على نطاق السلطة او الحركات السياسية وتغرست فيه. لقد حاول عدد من انصار التنوير من امثال جمال الدين الافغاني ومحمد عبده وعبدالرحمن الكواكبي وقاسم امين وآخرون من رجال الدين والمفكرين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والنصف الاول من القرن العشرين, الاشارة الى سبل انتشال مجتمعاتنا من ترسبات عهود الانحطاط, الا انهم واجهوا عامل السلطة المستبدة وقمعها وروح المحافظة البالية التي تكرست في مختلف المؤسسات الاجتماعية وامراض الامية والتخلف اللذين هيمنا على جميع مرافق حياتنا. ويحاول انصار الحداثة والتنوير والتسامح الديني الان انعاش واحياء تلك التقاليد الانسانية الحضارية بالاقتران مع التحولات العميقة والسريعة التي تجري في بلداننا وفي العالم اجمع. ولكن للاسف ورغم الدروس المريرة التي مرت بها شعوبنا, فما زال البعض في مجتمعاتنا سواء اكان حاكما او محكوما او حتى مثقفا يقف حائلا امام تطور هذه النزعات العقلانية وينظر بتردد وسلبية الى قيم حقوق الانسان والتسامح, الذي نصت عليها معتقداتنا وادياننا, الى درجة الاصرار على ممارسة قيم تعرقل تطور وازدهار مجتمعاتنا وتشيع العسف والظلم فيها. فظاهرة التردد في تطبيق مضامين الاعلان العالمي لحقوق الانسان مازالت هي الطاغية في مجتمعاتنا رغم توقيع جميع الدول العربية على وثيقة الاعلان العالمي لحقوق الانسان. وهذا بحد ذاته يشكل مرتعا خصبا لنمو العنف والتطرف. اما الظاهرة الاخرى التي تثير القلق, وهي نتيجة, فاننا نشير الى ظاهرة التكفير والوصاية على افكار الناس ومعتقداتهم ودينهم من قبل عدد من الحركات السياسية المتطرفة التي تتستر بالدين التي انتشرت في العقدين الاخيرين ببركة من الحرب الافغانية. هذا المنهج يصب بالضبط في اطار حجب واستلاب حرية الانسان وتطويعه للاغراض السياسية لهذه الحركات الى حد استخدام اقسى انماط العنف وهو ما يتعارض مع الوجدان الديني الذي ينطوي على اشاعة التسامح والجدل مع بني البشر بالتي هي احسن. وما يجري في الجزائر وفي مصر, على سبيل المثال, من مذابح مريعة بحق النساء والاطفال والمسنين يدق ناقوس الخطر منذرا مما يستدعي نفض التردد بتطبيق مضامين الاعلان العالمي لحقوق الانسان تجنبا لما ينتظر شعوبنا من انتهاكات خطيرة فيما لو استحوذ هؤلاء على زمام الامور في بلداننا. ان التطورات التي تجري في بلداننا تحثنا, وفي العام الدولي لحقوق الانسان, على التعريف بمضامين هذه الوثيقة وتدريسها في مؤسساتنا التعليمية باعتبارها حصيلة لتطور الفكر الانساني وطريق لتحقيق تطلعاته الخيرة. ان اي مسعى لاشاعة الاستقرار والتقدم والحفاظ على تاريخنا ومعتقداتنا من التشويه يحتاج الى قدر من توفير الحقوق الاولية للمواطن في المجتمعات العربية ومنها حقه في الحياة بدون عسف وحريته في التعبير والتنظيم وتحديد مصيره. وبدون التمسك بهذه المضامين سيصعب على مجتمعاتنا ان تواجه التحديات التي يطرحها العصر ويبقى التعثر وعدم الاستقرار والتطرف بكل اشكاله ملازما لمسيرة شعوبنا.

Email