مع الناس، بقلم: عبدالحميد أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

بما ان الشتاء قارس البرودة والعواصف الثلجية تزمجر في أكثر من بلد عربي, فان التسخين مطلوب لتدفئة الناس وإشعارهم بالحرارة قبل ان يموتوا من البرد, لذلك فقد اختار النظام العراقي ان يصعد من (احتكاكه) بواشنطن, بحيث يولد هذا الاحتكاك الحرارة المطلوبة . النظام العراقي عودنا ان يختار شهور الصيف اللاهبة, وبالذات اغسطس الذي يغلي فيه الماء تحت الشمس من دون الحاجة الى نار, لتكون هذه مواعيد تصعيداته ومشاغباته وتسخيناته بأنواعها, فلا يمر علينا صيف من دون احداث ساخنة, صغيرة او كبيرة, فتزيدنا حرارة على حرارة, لولا انه هذه المرة اختار الشتاء للتسخين رحمة بالناس فيكون تصعيده الحالي مع المفتشين حطبا يدفىء عليه الناس أيديهم من الزمهرير. طبعا العراقيون اكثر الناس حاجة للحطب, فهؤلاء بعد سنوات من الحصار الدولي, بلغ بهم الهزال حدا لا يقوون فيه على مقاومة لفحة برد, كما ان نقص المواد الغذائية, خاصة السكر والسمن من التي تمد الاجسام بالطاقة, مع نقص في المازوت والكيروسين, جعلهم أول المرحبين بالتصعيد, اذا كان فيه ما سوف يمنحهم الحرارة والدفء. وعلى ذلك فهؤلاء سوف يسبحون بحمد الله اولا والنظام ثانيا وسوف يشكرون ما وسعهم الشكر, على ان النظام يمدهم في شتائهم القاسي بما يحتاجون من حرارة ونار, فيكونون اكثر من غيرهم من العرب فهما لنوايا النظام واهدافه من التصعيد مع الامم المتحدة وامريكا ومجلس الامن, فمن غير هذا التصعيد يمد العراقيين بالدفء؟ اما الرجعيون من العرب وغير العرب من الذين ينظرون الى النظام بعين الريب والشكوك, ويدينونه كل مرة يصعد فيها مع مجلس الامن ويتهمونه بتعذيب العراقيين واطالة امد حصارهم وتجويعهم, وغير ذلك من تهم باطلة, فالرد عليهم بسيط وواضح, وهو ان النظام يناضل بشعبه الذي اختار ان يجوع ويعرى, ويبرد ويسخن, ويمرض ويموت, ولكن يبقى النظام شامخا, لان لا كرامة لعربي من غير نظام. كرامة العربي لا كلام عليها ولا نقاش, فهي مقدسة او ينبغي ان تكون كذلك, لكن اين كرامة النظام نفسه الذي يضحي بكرامة شعبه كل مرة, فيصعد ثم لا يلبث ان يرضخ, وكأن ما يقوم به مجرد بالونات ينفخها في الهواء فيلهو بها يوما او يومين ثم تنفجر في وجوه الجميع بمزيد من الألم والعناء وهدر الكرامة نفسها؟ لذلك نريد عاقلا واحدا ان يفهمنا ما هو هدف العراق هذه المرة ايضا من اختلاق ازمة جديدة مع الامم المتحدة ومفتشيها, هل هدفه الكرامة الوطنية وهذه مستباحة في الشمال ومستباحة في الداخل حتى مع المفتشين انفسهم برضوخ العراق لهم كل مرة, أم هدفه رفع المعاناة عن شعبه وهذه للأسف تزداد باطالة امد العقوبات لعدم اقتناع الامم المتحدة بنوايا النظام ولعدم تعاون هذا معها؟ وبما ان الازمة الاخيرة مع المفتشين لم يمض عليها بعد أكثر من شهر عاد العراق ورضخ فيها لمطالب الامم المتحدة بما في ذلك قبول المفتشين الامريكيين, الذين زادوا في طلباتهم طلبا بتفتيش القصور الرئاسية نفسها, فان الازمة الحالية سوف تنتهي كنهاية سابقتها, خاصة ان الدول التي اوشكت على تأييد العراق والتعاطف معه كفرنسا بات العراق فاقدا لمصداقيته عندها فانقلبت عليه, ما يعني ان العراقيين وحدهم يدفعون الثمن, حرا في الصيف وبردا في الشتاء وجوعا في المواسم كلها.

Email