مــع النــاس: بقلم- عبد الحميد أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

من حكايات التراث ان والياً مر برجل يربط حماره في ساقية وقد علق جرساً على عنقه (عنق الحمار يا جماعة), فسأل الوالي عن ذلك , فقال الرجل: يغلبني النوم أحيانا وصوت الجرس يعلمني بأن الحمار يدور بالساقية فإذا توقف الصوت أعلم ان الحمار توقف فأضربه ليدور مرة أخرى, فسأله الوالي: وماذا تفعل اذا توقف الحمار واخذ يهز رأسه ليوهمك أنه يدور؟ فرد الرجل: ومن أين لي بحمار له دماغ مثل دماغ الوالي؟ هذا الحمار الذكي الذي له دماغ يفكر به لا وجود له في حكايات التراث كلها ولا في معتقدات الناس عن الحمار خاصة عند العرب لولا ان ذلك غير صحيح حسب اكتشاف فرنسي حديث, وجد ان الحمار ليس من صفاته الغباء والعناد وصلابة الدماغ, ما يجعلنا نراجع حساباتنا ومواقفنا التاريخية المعهودة عن الحمار. طبعا لو صح الاكتشاف الفرنسي فمعناه ان الحمار أفضل من عشرات من السياسيين والزعماء وغيرهم من الذين ينتمون الى العالم الثالث, وبعضهم ينتمي لدول عربية, من الذين من عنادهم وصلابة دماغهم (ولا نقول غباءهم) خربوا بلدانهم وتربعوا فوق عروشها الخاوية, ومع ذلك يصرون على أنهم زعماء وقادة انتصروا في حروب خاضوها على الأعداء, فيما هم مهزومون شر هزيمة حتى في حروبهم على البعوض. وبما ان في القراء من هو ذكي وغير صلب الدماغ فإنني لن أذكره ببعض هؤلاء الزعماء ممن يعرف, ففهمه كفاية, غير أنني أترك الزعماء وغير الزعماء في حالهم او لأوهامهم, وأبقى مع الحمار الذي قال عنه (الاتحاد الفرنسي الوطني للحمير والجولات السياحية) انه رقيق ولطيف وعطوف, علاوة على مزايا وحسنات أخرى مما سنعود إليها. الاتحاد الوطني الفرنسي للحمير يعدد مناقب الحمار, لا انتصاراً له من الظلم التاريخي الذي تعرض له هذا الحيوان بوصفه الأغبى والأبلد, بل لتشجيع استخدامه في خدمة السياحة, حيث يمكن للسياح القيام بنزهات خلوية في الريف برفقة الحمار (عفواً على ظهره) بعد ان قام بإحصاء رسمي كان من نتيجته أن هناك أربعين ألف حمار في فرنسا حالياً, ما دعا الاتحاد إلى الابتهاج بهذا الرقم. وكنا سنبتهج أيضا لو أن عندنا اتحادا وطنيا للحمير في الدول العربية, فعددها لدينا يزيد على ما عند فرنسا بكثير, خاصة في دول فيها قرى وأرياف كثيرة, فنستطيع اللحاق بفرنسا في الاستفادة من مناقب الحمار واستخدامه كمرشد سياحي (عفواً مرة أخرى كناقل سياحي), لولا الخشية من ان يقوم الارهابيون بعمليات اغتيال وتفجير ضد الحمير بتهمة تشجيع السياحة, فحمدت الله على نجاتها وعلى عدم وجود اتحاد لها في بلداننا. طبعاً يمكننا في هذه الحالة تصدير ما عندنا من حمير الى فرنسا فيساعدنا ذلك على تحسين الميزان التجاري بيننا وبينها فلا يكون هذا مائلا على الدوام لصالح فرنسا, فأترك ذلك للخبراء الاقتصاديين المعنيين بشؤون التنمية في الوطن العربي, وأبقى مع مزايا الحمار كما اكتشفها الاتحاد الوطني لحمير فرنسا وكما وعدت القارىء. من هذه الاكتشافات ان الحمار من الفصائل الشغيلة التي تتحمل العمل بصبر وجلد, فيستخدمه القرويون في فرنسا في حرث الأرض ونقل عبوات الحليب, وهو اكتشاف ليس جديداً تماماً بالنسبة لما نعرف عن الحمار وصبره, لولا أنه يكشف لنا عن جانب آخر من الظلم الذي تعرض له الحمار على الدوام, فطالما أنه من الشغيلة فإن من حقه الانضمام إلى أحزاب البروليتاريا الاشتراكية في العالم كلها, لا في البلدان الاشتراكية السابقة وحدها, وبما ان هذه الاحزاب استثنت الحمار من عضويتها, فإن ذلك يفسر لنا فشل ثورات هذه الأحزاب تباعا وبالتالي انهيار الاشتراكية بالكامل وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي نفسه, فإشتراكية من غير حمير ما تصير.

Email