روجيه جارودي والكيل بميكالين:بقلم : د. سعد الدين صالح

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ أيام بدأت محاكمة الفيلسوف المسلم (روجيه جارودي) والتهمة كالعادة هي معاداة السامية حيث انه كتب كتاباً بعنوان الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية , وفي هذا الكتاب يعرض رأيه في حقيقة الصهيونية ويكشف عن أساليبها, ويفضح زيف ادعاءات اليهود ــ والكتاب بحث علمي مؤسس على أدلة وبراهين منطقية وليس مجرد ادعاءات أو افتراءات, كما أنه يوجه نقداً إلى حركة سياسية بشرية ولا يوجه نقداً إلى دين أو عقيدة أو يطعن في مقدسات. فما كتبه جاروي فكر كان ينبغي أن يواجه بفكر مثله, ولم يكن جارودي أول من نقد الصهيونية فهناك عشرات ومئات الأبحاث العلمية والكتب المنشورة التي كشفت عن خطورة الصهيونية, ومع ذلك فلم يتعرض أحد من كتابها للمسائلة أو المحاكمة. ولكن جوهر القضية ليس هو كتاب جارودي, وإنما هو جاردوي نفسه الذي كشف بإسلامه عن الفراغ والخواء الذي يعيش فيه المثقف الغربي, ان جارودي الذي انتقل من المسيحية إلى الماركسية ثم من الماركسية إلى الإسلام يكشف للناس عن حقيقة المعتقدات التي تشيع في الغرب ويبين مدى وتهافتها وانهيارها. فلأن جارودي أصبح مسلماً بدأت تلاحقه التهم والأباطيل والمحاكمات, ولو أنه كان ما يزال على عقيدة الأبناء والأجداد لما تجرأت المنظمات اليهودية على رفع تلك الدعوى, لأنه كان سيجد عشرات المنظمات والمؤسسات التي تدافع عنه تحت عنوان حرية الفكر. أما اليوم فلم يعد من حق جارودي أن يعبر عن فكره بحرية, لأنه أصبح مسلماً. وكان من الممكن أن تدافع عنه الدول الأوروبية لو أنه استخدم حرية الفكر في الطعن في الإسلام ــ كما دافعت وما زالت تدافع عن الكاتب الهندي سلمان رشدي الذي طعن في الإسلام, وأساء إليه. وحين اعترض المسلمون في أنحاء الأرض على ما كتبه سلمان رشدي وقضت دول أوروبا كلها تدافع عن حرية الفكر الضائعة عند المسلمين الذين يحاولون رد الاعتداء عن دينهم ومقدساتهم. وحين ظهر مرتد آخر حكمت محكمة قضائية عادلة بردته وكفره في مصر لأنه راح يطعن في القرآن ويقول انه ليس معجزاً وانما هو مجرد منتج ثقافي ويهاجم السلف الصالح, ويعتدي على حرمة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فينسب إليهم زوراً وبهتاناً ما هم منه براء. أقول حينما ظهر هذا الشخص دافعت عنه دول أوروبا كلها وتابعته اذاعات الـ B.B.C والـ C.N.N والصحافة وراحت تدافع عنه وتنشر فكره وكل هذا تحت عنوان حرية الفكر, وأخيراً تستقبله دولة أوروبية وتدافع عنه وتحميه وتوفر له حرية الفكر؟! وهكذا فحرية الفكر مكفولة لكل من يهاجم الإسلام ولكنها ممنوعة عن روجية جارودي لأنه يهاجم الصهيونية. وأما الأمر المهم في هذه القضية فهو أن جارودي لم يجد الدعم الذي كان ينبغي أن يجده من دول العالم الإسلامي بصفة عامة ودول العالم العربي بصفة خاصة, فلم يقم الإعلام الإسلامي أو العربي بواجبه في هذا المجال, وكان من المفروض أن تكون قنوات التليفزيون العربية موجودة في أثناء هذه المحاكمة وكذا الصحافة, لتقوم بدورها الدفاعي عن هذا المفكر المسلم الذي حزم القضية الإسلامية والقضية العربية من خلال ما يزيد على عشرين كتاباً كتبها خدمة للإسلام وقضايا الأمة العربية وأهمها القضية الفلسطينية. بل كان من الواجب على الدول الإسلامية أن تقوم هي بدور الدفاع عن جارودي من خلال دعمها المادي والأدبي لهذه القضية الخطيرة ولكن ما يثير الأسى والحزن هو أن الحضور العربي في أثناء هذه المحاكمة قد اقتصر على عدد محدود من المثقفين العرب المقيمين في فرنسا بينما احتشدت جميع المنظمات الصهيونية, ووسائل الإعلام الصهيوني. وجمع كبير من المثقفين الغربيين, والصحافة الغربية ياسادة لقد قدم الرجل خدمات جليلة للإسلام والعروبة وكان ينبغي علينا أن نقدر الجميل وأن نرد بأحسن منه, فهل سنتدارك ما فاتنا, وما تزال المحاكمة مستمرة. أستاذ العقيدة والفكر المعاصر بجامعة الامارات *

Email