العلاقات السودانية المصرية:بقلم: الصادق المهدي

ت + ت - الحجم الطبيعي

سؤال كثيراً مايستمع اليه عندما يطرح موضوع العلاقات المصرية السودانية وهو لماذا صارت علاقات البلدين مع كل مقومات التقارب والاستقرار في اضطراب مزمن ؟ هذا سؤال قديم جديد سأحاول الإجابة عليه. ان العلاقة بين البلدين حيوية لهما ومفتاحية لامنهما القومى, واضطرابهما المزمن ينبغي ان يشكل هما اساسياً للمفكرين والساسة ليجدوا له علاجا فإن ارادة الانسان الواعية قبس من اسم الله الاعظم. هنالك خمسة محاور تتكون من لحمتها هذه العلاقات سأتناولها بالعرض الموجز والتحليل لاستخلاص اسباب الاضطراب والتماس وسائل الاستقرار لتقوم العلاقات على اساس يعبر عن خصوصيتها ويحقق استدامتها. المحور الأول: يتعلق بالعوامل الموضوعية والذاتية التي تقوم عليها خصوصية العلاقة بين البلدين. المحور الثاني: يتناول العوامل الجيوسياسية. المحور الثالث: يتعلق بالعوامل الحضارية والثقافية. المحور الرابع: العوامل الخارجية المؤثرة. المحور الخامس: العوامل السياسية الهامة. المحور الأول التكوين الوطني المصري تكوين مكتمل والسلطة المركزية في مصر- الدولة - مؤسسة عريقة. فكيانها قبل الفتح الاسلامي مكتمل وبعد الفتح الاسلامي تواصل اقليما أو ولاية هامة في ظل الخلافة الاسلامية. التكوين الوطني الاسلامي السوداني ناقص والمقومان الاساسيان للوطنية اقليما أو ولاية هامة في ظل الخلافة الاسلامية. التكوين الوطني الاسلامي السوداني ناقص والمقومان الاساسيان للوطنية وهما الدين والقومية يشملان بعض اقاليم السودان ولا يتمدان الى كافة اقاليمه. لقد عرف السودان في بعض اقاليمه دولا ولكن الدولة المركزية الممتدة على كفاءة اقليم السودان الجغرافي لم يشهدها السودان إلا بعد عام 1875 وفي ظل محمد علي باشا. الخلافة الاسلامية التاريخية تمددت جنوبا حتى حدود السودان الشمالية وهنالك تعايشت مع الكيان السوداني الحاكم بموجب اتفاقية البقط التي عقدها عبد الله بن ابي سرح. لقد اسلم غالبية أهل السودان واستعربوا سليما عن طريق الهجرة, والتزاوج, والدعوة مما اكسب الإسلام في السودان درجة عالية من التسامح. كما ادى غياب السلطة المركزية القومية الى بروز تكوينات قبلية قوية وكيانات دينية قوية متحلقة حول الطرق الصوفية. هذه الحقيقة التاريخية تفسر أسباب نشأة تكوينات شعبية في السودان - الاحزاب السياسية - تفوق قوتها التنظيمات المماثلة في الأقاليم العربية والاسلامية الأخرى. لقد زاد من ضعف السلطة المركزية اتساع اقليم السودان وتعدد مصادر المياه فيه مما اتاح لأهله سكنى مفرقة بصورة هائلة. سكان مصر وهم أكثر من ضعف سكان السودان يعيشون في حوالي خمسة ألف قرية بينما يعيش السودانيون في أكثر من ستين الف قرية. عدم اكتمال التكوين الوطني, وضعف الدولة المركزية خلق للسودان مشكلة مع نفسه في حسم الخيارات المصيرية. المحور الثاني تتفق عوامل الجغرافيا السياسية المؤثرة على مصر والسودان في مجالات معينه كوقوعهما معا كدولتي مصب في وادي النيل, ولكنها تختلف في ان مصر مشدودة أكثر نحو منطقة زاخرة بالأحداث التاريخية هي بلاد الشام ونحو البحر الأبيض المتوسط البحيرة التي وقعت على شطآنها أهم فصول الدراما الانسانية. بينما السودان مشدود شرقا نحو القرن الأفريقي والبحر الأحمر, وغربا نحو افريقيا الغربية وليبيا, وجنوبا نحو شرق افريقيا. المحور الثالث الحضارة الاسلامية العربية هي حضارة سكان مصر, وهي حضارة اغلبية سكان السودان, فالمصريون كلهم عرب أو مستعربون, وغالبيتهم العظمي مسلمة والمجموعة الوطنية القبطية في مصر لعبت دوراً مرموقاً في الحياة العامة فيها وهي تتبع كنيسة وطنية اعتبرت الفتح الاسلامي حماية من ظلم روما وتأقلمت معه كما تسامح معها. أما في السودان فهنالك مجموعة وطنية كبيرة تتبع ثقافات بانتوية, نيلية, افريقية, وتتبع كنائس غربية واديانا افريقية غير ابراهيمية. هنالك اذن تباين ديني وقومي وثقافي يدعمه من الناحية الجنوبية جوار افريقي مشابها له في كثير من الملامح. ومنذ ان اطلت اليقظة الفكرية والسياسية في السودان فإن الأغلبية العربية الاسلامية فيه صارت تتطلع للتعبير عن هويتها لاسيما الاسلامية في شكل مشروعات أسلمة عديدة. هذه التطلعات تناقضت مع الهويات السودانية الأخرى تناقضا زاد من حدته المناخ العالمي الجديد المحتفى بحقوق الانسان. ههنا نما تناقض اساسي في السودان بين الوحدة الوطنية وتطلعات التعبير عن الهوية الحضارية. المحور الخارجي لقد شكل غرس اسرائيل في أرض فلسطين استجابة لتطلعات الحركة الصهيونية وتحصينا لمصالح الهيمنه الدولية في المنطقة, وتحالفت الحركة الصهيونية ودولتها الوليدة مع الدولة العظمى الاقوى بريطانيا ثم امريكا... شكل هذا التحدي الأمني الأكبر لمصر... أما في السودان فبعد ان قوض الاستعمار اركان الدولة المهدية وأقام حكما ثنائيا شكليا بريطانيا مصريا فإن هدف الاستعمار الأول كان الانفراد بالسيطرة على السودان وهدفه الثاني كان وقف التمدد الاسلامي العربي جنوبا لذلك طبق سياسة المناطق الجنوبية ما بين الأعوام 1918 - 1948 وهدفها الواضح عزل الجنوب عن الشمال. لم تتراجع الإدارة البريطانية في السودان عن هذا الهدف إلا عندما ادركت عدم جدوى الجنوب ككيان سياسي مستقل وعدم جدوى الحاقة بالمستعمرات البريطانية الأخرى في شرق افريقيا لانها تعاني من تباين جهوي يزيده الحاق الجنوب حدة, لقد حارت الإدارة البريطانية فيما يمكن عمله في الجنوب إذا فصلته عن شمال السودان وادركت ان الزمن لا يسعفها بعد الحرب العالمية الثانية لتتمكن من تكريس واقع جديد. لدي استقلال السودان كانت الإدارة البريطانية في السودان حريصة على ان تكون لها علاقة خاصة بالجنوب في الفترة الانتقالية لحماية الجنوب ثم هيمنة الشمال المتوقعة كما قالوا. ولكن هذا لم يحدث لأن الاحزاب السياسية السودانية بالاجماع رفضت هذا الافتراح كما رفضته الحكومة المصرية. ولكن الذي حدث فعلا بعد ذلك هو ان الاحزاب السياسية السودانية اجمعت على استقلال السودان وفي ظل السودان المستقل تحول التباين الجنوبي الشمالي الى حرب اهلية مزمنة, وتأرجح اتجاه السياسة الغربية ما بين تشجيع انفصال الجنوب وما بين تفضيل وحدته مع الشمال ليجر ذلك السودان نحو افريقيا جنوب الصحراء.. رئيس الوزراء السوداني الأسبق *

Email