الخطر .. ليس بعيداً : بقلم : جلال عارف

ت + ت - الحجم الطبيعي

لو اننا نعمل بما يرضي الله ورسوله والمؤمنين حقاً, لكان فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الدكتور طنطاوي ومعه كل علماء المسلمين الآن على أرض الجزائر, يتحدون الإرهاب, ويردون عن الإسلام هذا البلاء, ويقضون الشهر الكريم مع الأشقاء في الجزائر الصابرة المنكوبة, يؤازرونهم في المحنة, ويطلعون العالم كله على وجه الإسلام الحقيقي ديناً للتسامح, ورسالة للحرية, ودعوة للحق والعدل معاً. لكن الإمام الأكبر ــ للأسف الشديد ــ مشغول بما هو أهم وأبقى!! وعلماؤنا الأجلاء في مجمع البحوث الإسلامية وخارجه منقسمون حول ما فعله فضيلة الإمام الأكبر بلقائه المثير للفتنة مع الحاخام الإسرائيلي.. فهناك فريق يدين اللقاء ولا يتصور أن أقدام الإسرائيليين قد دنست هذا الرمز العظيم, وهناك فريق يتوقع على بيانات تأييد للقاء بحكم المنصب أو الموقع الرسمي والحزبي, أو بحكم الرغبة في اتقاء الفتنة لو ظل الملف مفتوحاً.. وبعضهم قال انهم يدركون أن الخطأ قد وقع وأن الضرر قد هل, ولكن المهم الآن أن نحافط على الأزهر وليس على الشيخ, وأن نتجاوز المحنة التي تسبب فيها اللقاء, وأن نخرج بالأزهر كما هو.. منارة تهدي وترشد وتجمع المسلمين ولا تفرقهم مهما كانت الظروف, ومهما كان حجم الخطأ! ولو كنا نعمل لديننا ودنيانا كما ينبغي, لكانت القمة العربية المؤجلة قد انعقدت على أرض الجزائر, ولذهب الملوك والرؤساء العرب إلى أرض الشهداء ليعلنوا الحرب الشاملة على الإرهاب الأسود, وليؤكدوا وضع كل الإمكانيات العربية في خدمة الجزائر حتى تجتاز المحنة وتقضي على هذا الجنون الذي يفتك بأبناء الشعب الشقيق, وتوقفت هذه المذابح التي تلطخ وجوه المسلمين والعرب جميعاً. لكننا في عالمنا العربي مشغولون بخلافاتنا الصغيرة, لا نهتم بالحرائق إلا إذا كانت تحت أقدامنا, ولا تشغلنا المذابح إلا إذا كانت داخل بيوتنا, ولا تمتد أبصارنا لنرى الخطر القادم إلا بعد أن تقع الكارثة. نحن في عالمنا العربي لا نعرف التسامح في خصوماتنا.. حتى ولو كان الثمن أن يجوع شعب مثل شعب العراق الشقيق المنكوب, ونتشدق بالحديث عن التعاون المشترك بينما كل منا يبحث عن الطريق الذي يتصور أنه يحقق مصلحته, مع أن الجميع ــ يخسرون, ومع أن النتيجة التي نراها على مدى الوطن العربي كله.. أن نصف هذا الوطن تحت الحصار, ومعظمه يعيش تحت خطر الفقر, وثرواته يتم ابتزازها من الدول الكبرى, ومستقبله مرهون بإرادة الغير. إن ما يحدث في الجزائر يفضح ــ قبل أي شيء آخر ــ عجزنا العربي وقلة حيلتنا وانعدام الرؤية عندنا. إننا منذ سنوات نتعامل مع الكارثة في الجزائر على أنها شأن بعيد بعد الجزائر عن عواصمنا وتصور الحكم فيها, مع أن ما يجري هناك أقرب إلينا جميعاً مما نتصور. إن ما يجري الآن في الجزائر هو البروفة النهائية للنموذج الذي سيتم تعميمه في العالم العربي كله ليغرق في الحروب الأهلية والقتل والذبح ــ على الطريقة الإسلامية هذه المرة ــ وتهاوي سلطة الدولة وانهيار المؤسسات وتوقف الإنتاج وانتشار الفقر والجوع والخوف والإذلال. ولقد كانت هناك تجارب سابقة في لبنان والعراق والسودان واليمن, ولكن ما يجري في الجزائر هو التتويج لكل هذه التجارب. وهو النموذج الذي تم إعداده بعناية لكي يتم تصديره لنا.. بدءاً من إعداد الكوادر في أفغانستان تحت إشراف المخابرات الأمريكية المباشر, ثم اجهاض التجربة الجزائرية التي كانت واعدة في التصنيع والتنمية, ثم إغراق البلاد في الفساد من ناحية والبطالة من ناحية أخرى, ثم وأد طموحات الشباب لتتسلمهم فصائل الإرهاب, ثم التحديد القاطع في أمريكا وغيرها من دول الغرب التابعة لها بأن الإسلام هو العدو أو هكذا ينبغي أن يكون الأمر بالنسبة للغرب.. وأن كل الوسائل مشروعة في الحرب الصليبية الجديدة ضد العرب والمسلمين.. بدءاً من الحصار إلى الحرب المعلنة إلى إشعال الحروب الأهلية وتفكيك الدول من الداخل. ولا نريد أن ننكأ جراحاً مضت وان ظلت آثارها. فالمشهد الدامي في الجزائر الآن يكفي, والمذابح اليومية بلغت في انحطاطها حداً لم يعد ممكناً السكوت عليه, والضمير العالمي يصحو ــ أو يراد له أن يصحو الآن فقط ــ لكي تكتمل المأساة.. فيتم تشويه الإسلام المفترى عليه من الجميع, ويتم اقناع الرأي العام العالمي بأن الإسلام هو الخطر القائم والقادم, ويتم فرض الحل المناسب على الجزائر.. المناسب لهم وليس للعرب أو المسلمين. انهم يدركون مصلحتهم بالضبط, ويدركون أن النار المشتعلة في الجزائر ينبغي أن تحرق أصابعها فقط, فإذا امتدت فإلى الجنوب أو الشرق, لتكون الجزائر هي النموذج الذي يسود في بلاد العرب والمسلمين. أما الشمال الأوروبي ــ الأمريكي فهو الأرض الحرام, ومن هنا يأتي الانزعاج الأوروبي لأنهم يدركون أن الإرهاب سريع العدوى وسريع الانتشار. انهم يتحركون وفقاً لمصالحهم.. ومصالحهم وحدها, وعندما يتفقون على اقتسام ثروات الجزائر وبترولها, ويتأكدون من أنها سلمت واستسلمت.. فساعتها فقط سوف يتوقف العنف أو يصبح تحت السيطرة, ويتم فتح الطريق أمامه لينتقل إلى دولة عربية أخرى يفعل فيها ما فعله بالجزائر الشهيدة. انهم يتحركون وفقاً لمصالحهم, ونحن أيضاً نتحرك وفقاً لمصالحهم!! وكما تركنا لبنان ذات يوم يقتل نفسه, تركنا الجزائر منذ أعوام. وكما اكتشفنا فجأة أن أوراق اللعبة ليست في أيدينا.. فتركنا لغيرنا أن يحدد مصيرنا, نكشف اليوم عن عجزنا وقلة حيلتنا, ونتابع أخبار المذابح في الجزائر ثم نطلق بيانات الشجب والتنديد, وبعدها نتصرف لتأييد هذا الطرف أو ذاك, بينما الجزائر تضيع ونحن لا ندرك حجم الكارثة. والكل يتصور أن الخطر بعيد, مع أن الخطر أقرب مما يتصور الجميع. الخطر قريب. والأقصر لم تكن إنذاراً لمصر وحدها, بل للعرب أجمعين. فهل وصلت الرسالة أم ضاعت في الطريق؟ وهل سنتصدى للخطر أم تتحول مجازر الجزائر عندنا إلى مجرد مسلسل من مسلسلات رمضان؟!

Email