تركيا.. والطريق الثالث:* بقلم: د. عبد الله عبد الرحمن سعيد

ت + ت - الحجم الطبيعي

الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية التركية نجاتي اوتكان يؤكد بان العلاقات التركية ــ الاسرائيلية ليست موجهة ضد اي دولة اخرى,ولا يمكن وصف التعاون العسكري بين انقرة وتل ابيب بانه تحالف استراتيجي بينما كان اسحاق مردخاي واثناء زيارته الاخيرة لتركيا قد اكد بان تركيا واسرائيل قد بات يجمعهما تحالف استراتيجي, فمن الذي يجب ان نصدقه من الطرفين..ولو كان اسحاق موردخاي كاذبا او مبالغا فيما قال رغم ان ماقاله قد كان امام المسؤولين العسكريين الاتراك, لما شجبت قمة منظمة المؤتمر الاسلامي في طهران هذا التعاون ولما دعا الرئيس حسني مبارك تركيا الى الحرص على الا تهدر علاقاتها العسكرية مع اسرائيل اية دولة عربية. عمرو موسى عندما يقول بان مصر غير مرتاحة لمثل هذا التحالف الذي يلحق ضرراً كبيراً بالعلاقات العربية التركية فإنه في الحقيقة لا يتحدث باسم مصر فقط بل باسم العرب جميعا.. وحتى باسم العالم الاسلامي. اوتكان يدافع عن سلوك تركيا فيقول بانها قد عقدت اتفاقات مشابهة مع 28 دولة من بينها 19 دولة عضواً في منظمة المؤتمر الاسلامي الا انه يتناسى بان اسرائيل ليست كأي دولة اخرى, ومن باب اولى الا تكون كأية دولة اسلامية, فاسرائيل حتى مع اتفاقيات سلام موقعة مع بعض الجهات العربية تبقى من اخطر اعداء العرب والاسلام. ما هو مؤسف والى درجة الاستهزاء ايضا ادعاء انقره بانها تتعرض لتهديدات من جانب سوريا والعراق وايران. تماما مثلما هي ادعادات اسرائيل لتشارك في هذا الصدد عن طبيعة ميزان القو ى في المنطقة وهل هو لصالح الدول الثلاث المذكورة, مجتمعه ام منفرده. ام انه لصالح تركيا واسرائيل معا أم منفردتين؟ تركيا تسير في طريق القطيعة مع العرب والعالم الاسلامي الا انها لم ولن تقبض الثمن اوروبيا, على الاقل على المدى القصير. وبما ان امريكا هي التي تورطها في مغامرة (استئصالية) فإن اندفاعاتها التنكرية للثقافة وللجذور لن تضعها ضمن دائرة (العالم الجديد) على العكس... وبرأي معظم المراقبين ان تركيا تخوض مغامرة استدارجية كلها مفارقات وتناقضات... اذا ما تأخرت الصحوة حيالها فإن نتائجها لن تكون سهلة أو بسيطة. تركيا منذ ان دخلت النادي الاطلسي عام 1951 قد قبلت ان تكون رأس جسور لحماية مصالح الغرب... والمصالح الامريكية مع الوقت قبل المصالح الاوروبية. ولولا انها حقيقية لما تلقت الصفعة غير المفاجئة في قمة لوكسمبروج للاتحاد الاوروبي انطلاقا من ان المنافسة بين امريكا وهذا الاتحاد قد توضحت منذ سنين وبما انها مرشحة مع الوقت للاحتدام اكثر فاكثر فإننا نتساءل عن مصيرتركيا وهل ستبقى مختارة الجلوس امام ابواب. ام انها ستندفع زحفا من خلال ابواب امريكية يخيل اليها بانها مفتوحة مع انها في الحقيقة مغلقة ولاتكاد تنفتح الا بشروط!! تركيا (جارة) اقليمية.. كبرى بلا أدنى شك حيث من حقيقة موقعها المتميز تضع عليها واجبات تجاه المحيط والبيئة المفترض معاشرة من يسكنها استنادا الى مصلحة مشتركة,ان لم نشأ التطرق الى ضرورة التحلي باخلاقيات الاسلام فيما يتعلق بالعلاقات مع دول او شعوب اسلامية. بيد ان تركيا قد تأصلت فيها عادة ذميمة تصر فيها على تجديد سياستها الكمالية دوريا.. واذا لم تكن هناك فرصة فإنها تحاول اختلاقها عن قصد.. الى ان اصبحنا مقتنعين بان هواية اصحاب القرار في انقرة تكاد تتمثل بضرورة تسميم الاجواء كلما لاحت بعض مؤشرات يمكن ان تدل على امكانية عودة النقاء. فالعالم العربي خاصة والاسلامي عامة قد صبر على ضيم الخلافة العثمانية وتحمل كل مشقات الظلم الاستبداد, ومع ذلك فإن المشاعر قد فضلت التغاضي عن الماضي.. الا مشاعر انقره التي يبدو وكأنها تتضح من (فوقية قومية) لم تشأ طي السجل على العكس.. ان عودتها اليه بشكل منتظم قد يشرح عقده نفسية افضل ما يمكن وصفها به هي انها عقدة تأصلت نتيجة معاناة من ازمة هوية. تركيا تتطلع الى الغرب وتأمل في ذات الوقت بــ (تطويع) الشرق وفق امزجتها المتقلبة. تركيا تريد الاندماج بالغرب لعلها بهذه الوسيلة تستطيع ملء فراغات الهوية المفقودة.. من دون ان تفقد مصالحها مع الشرق وتطالب الشرق بالامتثال.. وقد كان بالامكان تفهم التقلص التركي لولا ان تركيا هي التي تأبى التفهم أو الاحتكام الى العقل والمنطق. ازمة الثقة بين تركيا وجوارها العربي ترتكز على خلفيات تاريخية قديمة الا ان السلوك التركي الحاضر هو الذي يؤجج فيها. ثم ان تركيا تشن حربها الابادية ضد الاكراد.ورغم ان هؤلاء الاكراد متواجدون في كل من سوريا والعراق وايران الا انها لا تمتنع عن اتهام الدول المذكورة بتحريضهم ضدها. لنصل الى مشكلة الامن الاقليمي حيث ان تركيا التي درجت على سياسة التحالفات لاتمانع من الاعتماد على (العدو الاقليمي) لمقاسمة الحفافظ على امنها اما مشكلة المياه في دجلة والفرات فلابد من وضعها على عاتق تجاوزات غير مسؤولة. واستعمالها حتى في اشكال من المساومات الرخيصة. اختيار انقرة لامريكا قد لا يدفع الى الاستغراب... لاول وهلة,الا ان اختيارها لاسرائيل على حساب معاده العرب بشكل مفضوح فيه الكثير من اللامسؤولية, واذا ما استمر التمادي فيه فإن الغد لن يكون افضل.. لا لتركيا فحسب بل لمنطقة الشرق الاوسط ككل. خاصة وانها منطقة توترات وحروب. نحن جميعا على يقين بان تركيا يؤرقها (رضا) الغرب عنها, وامريكا اكثر من غيرها, ومن هذا الارق يبرز الاشتطاط في السلوكيات حيث ان صحيفة هآارتس الاسرائيلية تقول بان اسحاق موردخاي قد سمع في انقرة ما مفاده ان اعداء اسرائيل هم اعداء تركيا ايضا. فهل يمكن الاشارة في هذا الاطناب الى غير العرب والمسلمين؟ تركيا قد استنفدت كل مالديها من دون ان تنجح في (غوربة) نفسها, وبما انها قد فشلت في مشروع الاوربة فلانظنها ستكون اسعد حظأ في مشروع (الامركة) فهل في سلوكياتها التجاوزية يمكن ان نفهم بان اصحاب القرار في انقرة قد قرروا خوض تجربة الطريق الثالث... على اساس انه (مشروع في الجيب) ؟ كلية الشريعة والقانون ـ جامعة الامارات*

Email