سوق وسوق وأمل جديد: بقلم- د. يحيى الجمل

ت + ت - الحجم الطبيعي

في عام 1957 أي منذ اكثر من خمسين عاماً وقعت اتفاقية السوق العربية المشتركة, وفي يناير عام 1958 وقعت اتفاقية السوق الأوروبية المشتركة. وهذا يعني ان الاتفاقيتين بدأتا في وقت متقارب وان الاتفاقية العربية أكثر سبقا من حيث الزمن ببضعة شهور . والآن وبعد مرور نصف قرن من الزمان أين كان من السوقين؟ ولماذا حدث ماحدث؟ السوق العربية المشتركة مازالت حبراً جافاً كالحا على ورق قديم في أدراج منسية في وزارات الخارجية والاقتصاد العربية. وفي القاهرة يوجد مايقال لها (مجلس الوحدة الاقتصادية العربية) وهو أحدى منظمات الجامعة العربية وفيه عدد من الفنيين العرب يجرون دراسات ويصدرون بيانات ويكتبون مقالات ويعقدون دورات وندوات ومؤتمرات, ولكن اصحاب القرار عنهم غافلين. هذا هو حال السوق العربية المشتركة التي بدأت قبل السوق الأوروبية المشتركة ببضعة شهور. أين السوق الأوروبية المشتركة الآن؟ توشك أوروبا أن تصبح وحدة اقتصادية كاملة, لاحدود جمركية ولا قيود على انتقال الأشخاص والسلع والأموال, والعملة الأوروبية الموحدة أصبحت قاب قوسين أو أدنى, وهكذا أصبحت السوق الأوروبية المشتركة حقيقة واقعة من حقائق نهايات القرن العشرين وهى تدق أبواب القرن المقبل بقوة لتقول لأمريكا ولليابان ان أوروبا استعادت عافيتها الاقتصادية وأنها منافس قوي في مجال التجارة العالمية يحسب له كل حساب. وأين السوق العربية؟ لا وجود لها ولا أحد يحس لها صوتا ولا نفسا ونساها أهلها ولم يلتفت أليها أحد من غير أهلها أو لم يسمع عنها بتعبير أدق. لماذا؟ لأن السوق العربية المشتركة لم تقم نتيجة عمل مؤسسات عربية حقيقية وانما قامت كما قام غيرها من منظمات عربية نتيجة انفعال وقتي ثم هبت عليها رياح الأمزجة المختلفة وأهواء الحكام المتعارضة والرؤية الساذجة للغنى والفقر في الوطن العربي وأدى ذلك كله الى ان تحولت (السوق) الى صورة من صور سوق عكاظ بمعنى انها تحولت الى كلام في كلام. أما هناك فقد أعدت الدراسات لكل شيء وناقشتها مؤسسات فاعلة وبرلمانات حقيقية معبرة عن شعوبها واتخذت القرارات وفي اعتبارها مصالح المجموعة الأوروبية ولم تتحكم فيها أمزجة وأهواء لأن دولة المؤسسات لاتعرف هذه الأمزجة والأهواء المتقلبة المتغيرة, وانما تعرف بحكم طبيعتها - طبيعة المؤسسات - الاستمرار والاستقرار والتقدم كل يوم خطوة جديدة. هذا هو الفارق بين ماحدث هنا وحدث هناك. وهذه هي النتيجة. ودعنا نبحث عن شعاع أمل. دعنا نقول ان يقظة عربية بدأت تطل علينا تحركها تحديات عاتية توشك ان تعصف بوجودنا نفسه. دعنا نقول ان (منظمة التجارة العربية الحرة) التي بدأ قيامها منذ أول يناير 1998 هي بداية أمل جديد لقيام تكتل اقتصادي عربي يستطيع ان يعيش وسط التكتلات الاقتصادية العالمية العملاقة ولاشك ان هذه الخطوة - على تواضعها - هي بداية تحرك سليم. المشكلة اننا تأخرنا طويلا طويلا وان العالم يجري ونحن نسير ببطء شديد. ولكن المهم ان تتتابع الخطوات وان لا تتوقف وان تسير حثيثا الى الأمام وان لا تتراجع الى الوراء أبدا بإذن الله. وكل عام وانتم بخير. وزير التنمية المصري السابق *

Email