مــع النــاس:بقلم -عبد الحميد أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليست جديدة فكرة ان يتقاضى الخريجون رواتب من الدولة لحين توظيفهم, فهذه معمول بها في دول كثيرة, غير ان الجديد هو طرحها عندنا لأول مرة, واثارتها في المجالس وادارة النقاش حولها, بعد ان بادر كعادته ضاحي خلفان في تعليق الجرس . وربما ان الجدل حول الفكرة يثيره مدى استغراب البعض من امكانية ان يحصل الخريج الشاب على راتب وهو بلا عمل, فيستكثر عليه ذلك, لان التصور عند هؤلاء ان من يعمل يستحق راتبا وحده, اما من لا يعمل فله الله, دون ان يخطر في البال ان هذا الراتب للشاب العاطل عن العمل هو من صميم الضمان الاجتماعي. لذلك ففي الدول التي تطور فيها مفهوم هذا الضمان كأغلب الدول الاوروبية الغربية وامريكا, فان هذا يشمل اضافة إلى معاشات التقاعد والمساعدات الاجتماعية للاسر الفقيرة مساعدات للشباب الباحثين عن عمل, ذكورا واناثا, لحين حصولهم على العمل فتنقطع هذه المساعدات التي تتخذ اما رواتب اسبوعية أو شهرية. من هنا ايضا تجد هذه الدول نفسها ملزمة بتشغيل شبابها ومن هم في سن العمل, وبإيجاد وظائف لهم في القطاعين العام والخاص معا, وهو ما تتولاه ادارات الضمان الاجتماعي نفسها فتبحث لهؤلاء عن الاعمال المناسبة لهم, فتبلغهم برسائل وخطابات وهم في بيوتهم حالما تجد لأحدهم الوظيفة المطلوبة. ولا يعني ذلك ان يبقى الشاب متقاعسا اتكاليا ينتظر الوظيفة طالما ان هناك راتبا اسبوعيا أو شهريا يتقاضاه, فهذا ملزم بدوره بالبحث بنفسه عن عمل مناسب, ذلك لأن هذا الراتب ليس مغريا لكي يعيش عليه الشاب بقية عمره, كما قد يتصور البعض فيرفض الفكرة, وانما هو بالكاد يسمح بتلبية الضرورات مثل المأكل ولا اكثر, ما يدفع الشاب إلى البحث عن عمل ورفض فكرة البقاء على راتب الاعانة هذا. وبما ان من حق المواطن في وطنه الحصول على المسكن المناسب والعمل كذلك, لان هذا اذا لم يجد هذين العنصرين في بلده فأين يجدهما؟ فان فكرة اعانة الخريج لحين توظيفه تكتسب اهميتها من هذه النظرة تحديدا, ومن عامل ارتباطها بالتزام الدولة تجاه مواطنها في توفير عمل له, ذلك لأن تكاليف البطالة متى ما تفاقمت في المجتمع ربما تكون أكثر من تكاليف تشغيل المواطنين, اذا حسبناها اقتصاديا واجتماعيا وامنيا معا. طبعا المعترضون لن يصعب عليهم كالعادة ايجاد الحجج لرفض الفكرة, وعلى رأس الحجج في مجتمع كمجتمعنا ان البطالة لا اثر لها بعد كما عند غيرنا, ثم ان الشاب الخريج في خير مادي طالما ان اهله يستطيعون ان يتحملوا مصروفاته لحين توظيفه, وغير ذلك من حجج تدل اكثر ما تدل على ان هؤلاء لا ينظرون للاسف أبعد من ارنبة انوفهم, واذا نظروا فليس في مصلحة المجتمع عموما ومستقبل ابنائه. ولن نقول ان هناك مئات من الخريجين ينتظرون وظائف حتى الآن, وان هناك اهالي لا يستطيعون عمليا بحكم اوضاعهم المادية تحمل هؤلاء اكثر مما تحملوهم سابقا, خاصة مع زيادة متطلبات الشاب منهم, فهذا مما اصبح معروفا باحصاءات وارقام, لذلك نبقى مؤيدين للفكرة ليس بوصفها فكرة جديدة, وانما بوصفها تفتح الباب لتطوير مفهوم الضمان الاجتماعي كله في بلدنا, وتطوير قانونه وآلياته وتشريعه, فنكون بمثل هذا التطوير الاجتماعي قد خطونا خطوة اخرى نحو بناء الدولة الحديثة, وما نحن بعاجزين عن ذلك.

Email