الدور الأردني في تسوية وضع الضفة: بقلم - توجان الفيصل بقلم - توجان الفيصل

ت + ت - الحجم الطبيعي

الحديث عن دور اردني في التسوية النهائية التي يعد لها في الضفة الغربية, يثير الكثير من التخوفات والشكوك لدينا, سواء كأردنيين وضمن منظور مسؤولية الاردن والتزاماته, او كقوميين عرب ضمن انعكاسات مثل هذا الدور على اهم واخطر قضية واجهت العالم العربي طوال قرن ويزيد ألا وهي الصراع العربي ــ الاسرائيلي . وقد يبدو غريبا ان احدا لايستطيع ان يحدد من هي الجهة التي تطرح او تطالب بهذا الدور الاردني, وحيثيات هذا الغموض ينقلنا من الاستغراب الى الشك والتخوف من الجهات او المطامع والمصالح الثامنة وراء هذا الطرح وما تمثله ومن تمثله!! فالجانب الاردني ممثلا بالملك حسين, يراوح ما بين الاصرار على الفصل التام, كما حدث بعد قمة الرباط واعلان الملك لفك ارتباطهم بالضفة وبأن المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني رغم افتقار قرار فك الارتباط هذا لمقوماته الدستورية والقانونية اردنيا وكما حدث ثانية عند توقيع الاردن على معاهدة وادي عربه وفي كافة تفاصيل تلك الاتفاقية.. وما بين الاصرار على دور اردني انتقائي او موسمي, ومن الادوار الانتقائية الاصرار على دور للاردن او للهاشميين ــ والخلط هنا ايضا مدعاة للتخوف ــ في ادارة ومصير الاماكن المقدسة. ومن امثلة الادوار الموسمية تدخل الاردن فجأة وفي اللحظة الاخيرة في اتفاق الخليل وايضا العلاقة المتذبذبة مع حماس. اما الجانب الفلسطيني ممثلا بعرفات, فهو اكثر ثباتا في المواضيع الرئيسية ومنها استقلال الارادة الفلسطينية بكل التفاصيل كما في الخطوط الرئيسية ايضا للتسوية مع اسرائيل, والتراجعات عن هذا اقل من ان تصنف على انها موسمية, بل يمكن ان توصف بأنها لحظية فهي لاتحدث الا في ايام, او حتى ساعات, انحشار عرفات ومفاوضاته في زاوية ضيقه, ولا يمثل القبول بدور اردني آنذاك سوى خروج من تلك الزاوية الا ان طبيعة الخطاب العرفاتي المبالغ في حرارته الى حد الميلودرامية, يجعل الامر يبدو وكأنه استعادة حب مفقود مع النظام الاردني ووئام عشاق. وفهم الخطاب العرفاتي يستلزم تشذيبه من الكثير من المحسنات اللفظية واختصار المعاني الى المدلولات الفعلية حسب ماتراكم في القاموس العرفاتي بحكم التجربة وليس حسب قاموس الالفاظ العام والمتعارف عليه. والجانب الثالث هو الجانب الاسرائيلي وهذا يتعامل مع الدور الاردني وكأنه مخزون احتياطي مضمون, واذا كان الامر في عهد العمل ــ رابين وبيريز على السواء ــ اكثر دبلوماسية واكثر حفظا لمظهر الاشياء, فإن عنجهية نتانياهو تسقط هذا, ولا يتلفت للاردن الا ليصرح (عنه) (معه) كما كان يفعل سابقوه كما فعل مؤخرا حين بدأ الحديث عن (امن) الاردن وعلاقته بخط المستوطنات الفاصل عن مناطق الحكم الذاتي, مما يؤكد, بلا رتوش, فكرة الاحتياطي المضمون المختمرة في العقل الاسرائيلي. واذا كان هذا الموقف مثيرا للتخوف, فإن موقف الجانب الرابع اي الولايات المتحدة يفوقه شبهة وضررا, فالولايات المتحدة رغم افتعالها بعض المجاملات وتربيتها على كتف الاردن بين حين وآخر, هي في الواقع قوة الضغط الاساسية على الموقف الاردني وهي وراء تجييره ــ ضمن العلاقة التاريخية مع الاردن التي ورثتها عن بريطانيا والتي هي الاخطر لانها لم تعلن في يوم سمتها الاستعمارية المباشرة ــ الى اي معسكر تشاء, ومن هنا ليس فقط الاصطفاف الاردني الرسمي غير المشروط الى جانب معسكر التسوية السلمية, بل ايضا انقلاب الاردن على العديد من مواقفه وتحالفاته القومية السابقة, واهمها الموقف من العراق. وضمن تحرك اربعة لاعبين لايعترف اي منهم انه جزء من لعبة (الدور الاردني) ويعترف الجميع وكأنهم من اصحاب الوليمة, يتساءل الاردنيون عن هذا الدور الذي يريده الجميع للاردن, بطرق قد تتلاقى وقد تتقاطع وقد تفترق, ولكن لا يعلنه أحد برنامجا صريحا له. طفل من اذا هذا الدور الذي لايتبناه احد وينسبه اليه صراحة ومباشرة؟ واضح ان هنالك استثمار اسرائيلي/ امريكي لمخاوف ومطامح السلطتين الفلسطينية والاردنية, واستثمار لخروح القضية عن اطار الشعبي لدى جماهير الاردنيين والفلسطينيين وحقيقة العلاقات التي تربطهم بكل ايجابياتها وحساسياتها, واختصارها في علاقة اشخاص على رأس السلطتين, مما يجعل حسابات الطرفين اكثر تذبذبا واقل ارتكازا على الاسس الواقعية المتراكمة عبر خمسين عاما من الوحدة القاعدية ومشاركة الحياة اليومية حتى عندما تخلخلت المشاركة في المراكز العليا أو بالاحرى ازدادت تخلخلا ذلك انها في المراكز العليا لم تكن متكافئة في يوم من الايام ولعل هذا ما ساعد على التوتر وما حال دون تكريس المنجزات القاعدية بصورة افضل وقد يقال بأن اي تقارب او تقريب بين الجانبين الاردني والفلسطيني كائنا من كان او ما كان مصدره هو الا ان نظرة واحدة لتسلسل خيارات الدمج والتفريق خلال ما سمي بالعملية السلمية وما مهد لها يرجح ان ما يجري لا يراد به خير للشعبين بل يراد بها امر آخر. فبعد قرار فك الارتباط والذي كان طلاقا بين السلطات وليس بين الشعوب, طلاق لم يوثق ويسجل قانونيا كما يجب مما تسبب في العديد من المشاكل لاحقا منها جنسية وتابعية الاردنيين من اصل فلسطين. جاءت المظلة المشتركة لتلبي الطلب الاسرائيلي بانكار الكينونة الفلسطينية المستقلة اي ان المظلة كانت نقيض فك الارتباط وجاءت لا لتلبي حاجة تضامنية ووحدوية للشعوب بل لتوفر الاطر اللازمة للعدو الذي يجري التفاوض معه. وثبت ان المظلة كانت لعبا على مطامح الطرفين في حين ان اللعب على مخاوفها جرى في الوقت ذاته وسرا في ابرام كل من اوسلو ووادي عربة وليس صحيحا ان وادي عربة جاءت بعد اوسلو بل انها كانت سابقة له من حيث بدء التفاوض والذي تم قبل مدريد حسب ما صرحت به اسرائيل مرارا ولم ينكره الاردن حتى ان الجانب الاسرائيلي اعلن ان الصيغة النهائية لوادي عربة كانت جاهزة منذ زمن, وان التوقيع فقط هو الذي تأخر او تم تأجيله لما بعد اوسلو. ورغم ان كافة المسارات الاخرى جاءت ثنائية من البداية باستثناء الاردني الفلسطيني الاسرائيلي الذي جمع تحت تلك المظلة, الا ان هذا المسار اصبح ثنائيا فعلا اي اسرائيلي اردني مقابل اسرائيلي فلسطيني بعد التوقيع وليس قبله. وهذا ايضا انقلاب غير مريح ثم عاد الحديث فجأة عن دور اردني وبطريقة مفتعلة جدا عندما بدا الدور المصري, وبالتالي العربي واضحا في مفاوضات الخليل. وخلال اقل من اربع وعشرين ساعة حيدت مصر, ودعى الملك حسين للقاء عرفات ونتانياهو منفصلين, وقيل ان الملك اقنع نتانياهو بقبول اتفاق الخليل الذي روج له على انه لصالح الفلسطينيين, بل وانه نصر لهم ولا ندري كيف يمكن ان يقنع الملك حسين نتانياهو وهو لم يقتنع من الامريكان الذين رعوا تفاصيل الاتفاق واي نفوذ او سطوة او اوراق يملكها الاردن ولا تملكها امريكا وكلينتون للضغط على اسرائيل؟ ومع ذلك روج الاعلام الامريكي لهذا الانجاز الاردني والانجاز الشخصي بالاحرى للملك حسين وكانت اعادة ادخال الاردن وفلسطين الى المظلة ثانية. وقد سوق اتفاق الخليل بعد تاريخ طويل نظن انه متعمد وخلال ساعاته الاخيرة وعلى استعجال فيما صور على انه انقاذ وليس مجرد انجاز, دون اتاحة الفرصة للشارع السياسي العربي لقراءة الاتفاق والاطلاع على تفاصيله. ولعل اخطر ما عرف منه وعنه انه بكفالة وضمانه امريكية يعطي اسرائيل حق تحديد كيفية وكمية انسحاباتها او اعادة انتشارها بناء على متطلباتها الامنية وبذلك تم الخروج تماما ليس فقط على الشرعية الدولية والحقوق التاريخية والمشروعة للشعب الفلسطيني فهذه خرجت عليها اوسلو ووادي عربة ومن قبلها مدريد بل ايضا على اوسلو ذاتها. وكل ما يفعله نتانياهو الآن هو ما اخذ عليه موافقة امريكية وعربية وفلسطينية في اتفاق الخليل. وبتسويق اتفاق الخليل على انه انجاز لصالح الفلسطينيين وتنازل من قبل نتانياهو في منطقة ذات اهمية دينية فان تنازلات مقابلة طلبت من الفلسطينيين في المنطقة الاهم وهي القدس. والآن, وعند اعادة الحديث عن دور اردني, تتم الاشارة الى اتفاق الخليل ودور الملك حسين في ابرامه, وهذا يتم والحديث يجري حول (تسوية نهائية) للقدس على قمة مكوناتها وهي قمة تم البت فيها ولم يجر اي تحرك عربي او امريكي فاعل يؤمل منه بكسر قرار الاجماع الاسرائيلي على الاحتفاظ بكامل القدس. والتسوية النهائية بدأت تسقط صراحة الى جانب القدس طروحات الدولة الفلسطينية او حتى منطقة الحكم الذاتي الموحدة جغرافيا ومع تفتيت اجزاء منطقة الحكم الذاتي المقلصة يتم حاليا وعمليا فصلها عن الاردن بحاجز من المستوطنات وشريط اسرائيلي امني على امتداد النهر فأي دور اردني هذا الذي يعزل فيه الاردن جغرافيا وسياسيا عن الكيان الفلسطيني بحيث لا تنفع ضمن هذه التركيبة اي صيغة من الصيغ المطروحة الفيدرالية والكنفدرالية.. اللهم الا الصيغة الثالثة والتي يصبح فيها الاردن القطعة الاكبر من مجموعة القطع الجغرافية المكونة للحكم الذاتي ولتلك الفدرالية او الكونفدرالية بعده والتي تحتم تركيبتها تلك ان تكون جميعها بما فيها الاردن تحت ادارة عليا اسرائيلية, اعلن هذا صراحة ام لم يعلن. نريد في الاردن بل ونصر على ان يكون لنا دور هام وفاعل ودائم في دعم وبلورة الحقوق الفلسطينية ولكنه دور يجب ان لا يخرج عن اطار تلك الحقوق التي قبل بها الفلسطينيون على الاقل ونرفض ان نكون المخرج المناسب لتبرير وتسهيل انتقاصها. ونريد بل ونصرّ على أن يكون دورنا ضمن إطار دورعربي, وليس دوراً منفردا أو منعزلاً أو تنافسياً مع باقي الدول والقوى العربية, ونحن في الاردن نصرُّ أكثر من غيرنا على هذا الإطار العربي, ذلك أن الكثير من التوتر الذي ساد العلاقة الأردنية الفلسطينية طوال قيام المملكة الأردنية الهاشمية على وحدة الشعبين, كان مردّه ما كان يجري تداوله فلسطينياً عن دور أردني سابق وعن مسؤولية أردنية سابقة لم يتم التسامح والتصالح بشأنها, لأنه في الواقع لم يتم بحثهاعلناً, ولكن منع العلنية لايمنع القناعة بل يكرّسها, وبغض النظر عن دقة تقييم حجم تلك المسؤولية, فإن التورط بمثلها ثانيه هو حكم بالدمار الحقيقي والنهائي لأية علاقة أردنية فلسطينية. ولأننا نؤمن بأن هذه العلاقة حتمية بحكم وحدة خمسين عاما, ولأننا نعتقد بأنها في نطاق قواعدها الشعبية كانت واعدة بأكثر مما أثمرت, لولا خلافات وطموحات ونزاعات سلطويّة أحسن العدو استثمارها وما زال .. لهذا كله نرفض الدور الأردني المنفرد والخارج عن الدور العربي, ونرفض بالذات دوراً لانعرف معالمه ولا من يخطط له حقيقة, ونخشى بالذات أن يكون تكراراً أكثر سوءًا لتاريخ نأبى أن نتعلّم منه. كاتبة من الاردن *

Email