العرب بين وسائل النضال القديم والجديد:بقلم: د. شفيق ناظم الغبرا

ت + ت - الحجم الطبيعي

تثير محاكمة كارلوس في حكمها وفي قرارها مسألة في غاية الأهمية: أسلوب النضال الذي يتبعه من ينطلق من الدفاع عن قضية ذات مبدأ أو قضية عادلة. ففي قضية كارلوس وقضية أو كوموتو الياباني وفي قضايا أخرى في محاكم العالم يحاكم النظام العالمي اليوم من اعتبروا في يوم من الأيام مناضلين من أجل الحرية ومن أجل الانسان العربي وحقوق العرب في فلسطين. ففي الوقت الذي يدان فيه عنفنا نجد اننا نعجز عن الدفاع عنه أو حتى تحديد موقف من التي اكدت انتصار جدلية الديمقراطية على الشيوعية, نجد عالمنا اليوم مكشوفا وضعيفا في دفاعه. ويقودنا هذا الوضع لمناقشة مسألة الوسائل في النضال العربي, فالوسائل التي استخدمت في الدفاع عن القضية الفلسطينية لم تكن كلها ناجحه بل كان الكثير منها سبباً لتراجع وضعف. فلو دققنا في وسيلة كارلوس بالتحديد أو في كل الأعمال التي كانت تصيب اطرافا ثالثة لا علاقة لها بالصراع العربي الاسرائيلي لوجدنا ان المنطق السائد في الساحة العربية في تلك الأيام كان يتعاطف مع هذه الأعمال دون ان يعي مضارها المباشرة. بمعنى آخر في زمن كارلوس في السبعينات كان هناك تيارات سياسية عربية تؤيد هذه الأعمال من باب الانتقام من النظام العالمي الذي خلق الحالة الاسرائيلية, دون ان يكون هناك تنبه للأثر السلبي لهذه الأعمال. ونظراً لشدة الضربات الانتقامية التي قامت بها اسرائيل ضد المدنيين العرب وعلى الأخص الفلسطينيين واللبنانيين, فقد توسعنا في عنفنا لنحمل مجتمعات أخرى مسؤولية ما حصل, واصبح عنفنا يصيب شوارع باريس وغيرها وتوسعنا في ممارسة الخطف وقضايا اخذ الرهائن. ومع استمرار الصراع اصبح الخطف واخذ الرهائن امراً طبيعياً في حياتنا للدرجة القصوى, بل عندما اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية تحول أمر الرهائن الى أمر نمارسه بشكل عادي, فكل طرف كان يأخذ رهائن من الآخرين, وكل طرف يفجر في اراضي وبين مدنيي الآخرين, وكل طرف يغتال من قادة الآخرين ويشعر بالراحة لتكثيف مآسيهم. في كل هذا مارسنا ما نعتقد انه وسيلة النضال الأصح, بمعنى آخر: عنفنا النضالي كان عاصفا, كان يمارس عقلية الأرض المحروقة, كان ضد الجميع في معسكر الخصم والعدو بدون اي تميز, ولهذا يستحق ان نصنفه عنفا أحادي الجانب. ان عنف من هذا النمط كان مستعداً لتطبيق نفس الوسائل مع الذات ومع الحلفاء ومع ابناء الوطن الواحد مع كل خصم وفي كل نزاع. لهذا نجد الجيش الأحمر الياباني قام بعمليات ضد أهداف مدنية في اليابان كما قام بأعمال ضد إسرائيل وذلك نطلاقا من وحدة النظام الرأسمالي وعدم اختلاف اليابان عن اسرائيل. وبنفس اللغة قام كارلوس القادم من أمريكا اللاتينية بأعمال ضد اسرائيليين, ولكنه ايضا قام بأعمال ضد وزراء منظمة الأوبيك بما فيها وزاؤها العرب, وبنفس الوقت قام بأعمال ادت لمقتل رجال أمن في باريس. هكذا تداخلت الأمور بين نضال وطني وبين آخر ضد الرأسمالية ولصالح الشيوعية, كما وتداخلت بين نضال بين عرب ويهود وصراع ومواجهة بين عرب وعرب. ولهذا وقع اللبس في قضية الوسائل. ان النتيجة النهائية لكل هذا تؤكد بأن الأسلوب الذي يستخدم في كل قضية ومهما كانت عادلة اساسي لعدالتها ويصعب فصله عن تلك العدالة, فهناك اسلوب يضيف على الأعداء اعداء, ويحول الأصدقاء الى خصوم ويحول الخصوم الى أعداء ويحول الذات الى مساحة للحرب والاقتتال, ولكن هناك في الجهة المقابلة أسلوب يكسب الناس ويحول ويمتن جبهة التغير والتطوير والحرية. بمعنى آخر ثبت ان السياسة لا تنبع من فوهة البندقية كما اكد ماوتسي تونج في ثورته الثقافية, وان فوهة البندقية بامكانها ان تدمر بأكثر مما تبني. لكن امتنا لابد انها تتعلم من خلال ممارسة الخطأ والصواب, ففي ممرات التاريخ الملتوية تقع التجربة ومن لا يجرب لايتعلم ويتطور. فمنذ زمن كارلوس ومدرسة العنف الغاضب حتى اليوم يتبين اكثر فأكثر ان السعي للوجود العربي مرتبط بأمور ثقافية وبطرق تفكير بأكثر مما هو مرتبط بعنف البندقية. فالخطأ في الوسيلة, تؤكد التجربة, يترتب عليه خلل في الوصول للهدف. ففي وسائلنا القديمة لم نكن ننشد التنمية أو الحرية إذ كنا ننشد الحرية من العدو ونمارس عكسها مع بعضنا البعض وفي حركاتنا وفي احزابنا وفي تياراتنا وفي بلادنا العربية. بمعنى آخر كنا أقرب للنماذج السوفييتيه. ربما نحتاج الآن لاعادة نظر شاملة في وسائلنا, وربما نحتاج ان نبحث في ما يساعدنا ان نحمي انفسنا من محاكمات المستقبل وذلك بتبني وسائل تنسجم والقيم التي نناضل لأجلها, اي بتبني وسائل تنسجم والنظام الذي نبشر به والعدالة التي ننشد والمستقبل الذي نبحث عنه. ان فصل الوسيلة عن المضمون وفصل الوسيلة عن الهدف يؤدي الى تحويل الوسيلة الى غاية ثم مع الوقت الى قوة مدمرة يحاكمها العالم ويعاقبنا عليها دون ان ننجح في تنظيم ادنى دفاع مقنع عن ممارساتنا الماضية. قسم العلوم السياسية, جامعة الكويت *

Email