إلى من ينتظر ما بعد طهران: بقلم- د. عبد الله عبد الرحمن سعيد

ت + ت - الحجم الطبيعي

المسلمون ينطبق عليهم قول الله تعالى: (تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى) وينطبق عليهم افضل قوله تعالى: (بأسهم بينهم شديد) ولولا أنهم قد (نسوا الله فنسيهم) لما أصبحوا (غثاء) رغم أنهم ليسوا بقلة! 55 بلدا يسكنها ما يزيد على مليار ومائتي مليون مسلم, تلك هي منظمة المؤتمر الاسلامي التي باتت ترفع قراراتها حسب أهواء الدول الأعضاء لا حسب مجموعة الحقائق التي تحاصر العالم الاسلامي.. لتنضم الى ما سبقها في غرفة لقد تأسست المنظمة عام 1969 ومع ذلك فأن 28 عاما مضت قد جعلتها اكثر شيخوخة من الجامعة العربية رغم أنها أكثر شبابا, فهي تكاد لا تجتر سوى ادانات واستنكار ورفض ومناشدة ومطالبات ولفت نظر.. من دون نتائج او تعقيبات. تجمع ديني.. فالدول الاعضاء تنتسب الى اسيا وافريقيا وأوروبا الا أن ما يلملم لها مفارقاتها القارية انما هو الدين, ومع ذلك فليست بمنظمة دولية, ومن باب أولى ان نرفض لها صفة المنظمة الاقليمية, علما أن الصبغة السياسية هي التي طغت واستغرقت الصبغة الدينية منذ اليوم الاول لانشائها, ولعل هذا الخروج هو الذي تسبب في تحنيطها فشكل سدا منيعا امام كل محاولات تفعيلها او تنشيط حيويتها. القمم السبع التي عقدت لم تفلح في تعزيز التضامن الاسلامي, ولا نظن بأن قمة طهران ستنجح في هذا الهدف الا على مدى أيام انعقادها في احسن الظروف والقدس لم تتحرر, والاحتلال الاسرائيلي للاراضي العربية مازال قائما, وكذلك العقوبات والحصار ضد ايران والعراق وليبيا والسودان, والحرب الأهلية في افغانستان ومجازر الجزائر والأقليات الاسلامية ضمن اكثر من بلد, أما المشاكل الاقتصادية فتحتفظ لنفسها بقصة أخرى تملؤها المتاهات والمطبات. في وقت من الأوقات تمحورت احباطات المنظمة حول الايديولوجيات, يمين ويسار على الأخص, أما اليوم وحيث أنه لم يعد هناك اشتراكيات ورأسماليات فإن المجال قد أفسح لصراعات عصبية.. قد تكون (دينية) في ظاهرها إلا أنها صراعات علمانية ــ ديموقراطية تتوزعها انتماءات (تذبذبية) اما الى الغرب واما الى الشرق.. غالبا ما وقفت عثرة في طريق اي تأخير او تعريف للعلاقات بين الدول الأعضاء الى الدرجة التي يمكن الجزم فيها بأن علاقات اسلامية ــ اسلامية هي شبه مفقودة. ولنأخذ بلدا مثل تركيا, رجل في الغرب ورجل في الشرق.. لا يخطوها فيه الا من اجل المصلحة في الوقت الذي ينكب فيه وبكل حيوية ايضا نحو الغرب.. بلا طائل, يحاكم الاسلام في شخص أربكان والرفاه باسم العلمانية.. ما الذي يمكن ان تنتظره منه المنظمة, فإضافة الى استباحاته أرض بلد مسلم (دوريا) من أجل تقتيل متمردين (مسلمين) يكاد يقيم أفضل علاقاته مع اسرائيل التي تحتل القدس وترفض حقوق شعب مسلم هو الشعب الفلسطيني, خاصة وأنه بينما كان سليمان ديميريل يشارك في قمة طهران فكان اسحاق مردخاي في أنقرة يتباحث مع مسعود يلماظ ووزير دفاعه عصمت سيزجين ورئيس الاركان اسماعيل حقي. ومباحثات من هذا القبيل لا يمكن أن تكون الا عسكرية؟! والولايات المتحدة لم تقصر اذا اعتبرت بأن المنظمة تقوم بعمل طيب من اجل تنسيق المواقف السياسية في عدد من القضايا المهمة للعالم الاسلامي.. وان علاقاتها طيبة ايضا مع هذه المنظمة. بينما كانت تقارير معينة قد أشارت الى أن أمريكا قد مارست ضغوطها على 15 دولة عضو في المنظمة لاقناعها بعدم حضور قمة طهران, والأمر قد لا يكون مستغربا اذ أن بعض الدول الاعضاء التي تشجع أو تمارس (عمليات ارهابية) ضد أشقائها هي التي بررت لامريكا وصف المسلمين بالارهابيين, ثم ان بعض الدول الاعضاء الاخرى علاقاتها بأمريكا او باسرائيل هي من العلاقات الممتازة والمتميزة اضافة الى أنها اقوى بكثير من علاقاتها بدول اسلامية تعتبرها (شقيقة) لها. ومثال تركيا يبقى صارخا في هذا المجال اذ أن اسحاق مردخاي هو الذي يعلن اثناء زيارته الأخيرة لانقرة بأن الشراكة بين اسرائيل وتركيا انما هي شراكة استراتيجية, وحيث ان هناك مناورات عسكرية مرتقبة بعد شهر تقريبا بين تركيا واسرائيل وأمريكا على السواحل المتوسطية في المنطقة فإننا نتساءل عن المستهدف منها اذ من الصعب او حتى المستحيل علينا ان نقول بأن المستهدف من هذه المنارات هي اليونان! من هذا المنطلق فاننا نعتقد بان المواقف يجب ان تصنف بناء على حسن النية, وطالما أن حسن النية مغمور بالندرة فإن طبيعة المواقف ونتائجها وتأثيراتها المستقبلية لابد وأن تؤطر ضمن (سوابق) الماضي المتزامنة مع نشأة منظمة المؤتمر الاسلامي بالذات. كل قمة كانت تعتبر مناسبة لتصفية الحسابات بين الدول الاعضاء, فلماذا يجب أن تشكل قمة طهران الاستثناء على القاعدة؟ حسابات مصر وايران انتهت بالقبلات عكس حسابات سوريا وتركيا التي ازدادت تأججا اذ أصر كل طرف بأنه على حق, بينما بقيت حسابات الامارات وإيران بشأن الجزر معلقة.. بانتظار فرصة افضل. (دينية) المنظمة في هذا الواقع قد لا تخرج عن (الترف) بل إن دينية عدد من الدول الاعضاء هي من نمط (البطر المطلق) كتركيا دائما, التي في علاقاتها المتنامية مع اسرائيل, وعلى حساب دول اسلامية اخرى, إنما تسجل خروجا فاضحا عن الاسلام, قد لا تتجاوز فيما لو أطلقنا عليه اصطلاح (الردة) وحيث انها في سلوكياتها (مسيرة) برقابة أمريكية فإنه لا فرق يذكر فيما بينها وبين كل من أمريكا واسرائيل اذ تدعوان عرفات الى ضرب حماس والجهاد الاسلامي.. كثمن للسلام. تركيا كانت قد أعلنت تمردها على الاسلام على لسان كمال أتاتورك, واليوم تجدد هذا التمرد على لسان عصمت سيزجين وزير دفاعها اذ عقب على ادانة وزراء خارجية الدول الاعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي للدول التي ترتبط بعلاقات عسكرية مع اسرائيل قائلا (نحن غير معنيين بهذا النص) . منظمة المؤتمر الاسلامي قد دشنت مرحلة من (الترهل) منذ أيامها الأولى.. اي ان الدول الاعضاء قد رحبت عمليا بترك مصيرها الى الزمن.. رغم أن في الأقوال والخطب الرسمية ما هو العكس, لينطبق عليهم قول الله تعالى: (يا أيها الذين أمنوا لم تقولون مالا تفعلون.) كبر مقتا عند الله تعالى ان تقولوا مالا تفعلون) واذا ما ذكر الله تعالى في كتابه العزيز (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص) فان المسلمين قد اعتادوا اصلا على القتال (متفرقين) فإن ان لم نقل انهم اعتادوا على الحرب ضد بعضهم البعض لا ضد أعدائهم وأعداء الدين. اذ يتبجحون بالانتساب إليه. الحالة التركية ليست عادية, ومن اللغة التي يستعملها اصحاب القرار في أنقرة لابد وأن نفهم بأن هؤلاء لا يهتمون لا بالاسلام ولا بالمسلمين.. إلا بالقدر الذي يحققون فيه مصالحهم الانانية.. وهذا بالاحرى ما تأكد في طهران اذ ان سليمان ديميريل امتعض من الاجماع ضد شراكة تركيا مع اسرائيل عسكريا فغادر على عجل في الوقت الذي منعت فيه طالبات محجبات من دخول امتحاناتهن في كلية الطب بجامعة جراح باشا في اسطنبول.. نتيجة رفضهن خلع الحجاب. تركيا تفضل (اسلاما) على القياس, من يدري.. فربما يكون (الكل) على خطأ.. إلا تركيا! * كلية الشريعة والقانون ـ جامعة الامارات

Email