مع الناس:بقلم-عبد الحميد أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما لايعرف الشعب الأمريكي رجلاً يحمل اسم أندرو جروف, فلا هذا فنان أو مغنٍ أو ممثل ولا هو ملاكم أو لاعب بيسبول أمريكي لكي يجمع عليه الأمريكيون نسبة إلى شهرته فيختارونه رجل العام, ومع ذلك فهذا الرجل غير المعروف كثيرا للأمريكيين هو رجل العام حسب مجلة (تايم) . جروف هذا الذي اختارته المجلة الشهرية رجل العام فتصدر غلافها كعادتها السنوية هو مدير عام شركة (انتل) 21 مليار دولار, وهو بهذا أقل شهرة عند الأمريكيين أنفسهم من اسم شركته مثلاً, لولا أن الأهمية ليست للشهرة عند الأمريكيين كما هي على سبيل المثال عند العرب, بل لما قدمه الشخص وما أنجزه. أما انجاز رجل العام الأمريكي فهو لأنه (الشخص الذي لعب دورا كبيرا في تطوير المعالجات الدقيقة, وأن 90% من آلات الكمبيوتر التي تباع في العالم مجهزة بمعالجات صغيرة تصنعها أنتل (حسب مجلة تايم) وبحيث لا يسألني قارئ عن المعالجات الدقيقة, ففهمي فيها أو عنها من فهم القارئ نفسه للغة الصينية مثلاً. وبما أن مجلة (تايم) عريقة ومحترمة فإنها تعرف كيف تحسن الاختيار, بدليل أن الأميرة ديانا الشهيرة والتي شغلت العالم العام الماضي بموتها المأساوي المفاجئ لم تحظ من المجلة بشخصية العام, وإنما بموقع أدنى ضمن الشخصيات التي تركت وقعاً فحسب في العام المنصرم, مقابل عشرات من مجلاتنا التي تبرزها بوصفها أسطورة القرن لا شخصية عام فحسب. ولو ترك أمر اختيار شخصية العام للأمريكيين أنفسهم عبر استفتاء مثلاً, فأندرو جروف هذا سوف يحصل على الدرجة صفر, مقابل ما سوف يحصل عليه مايكل جاكسون مثلاً أو أندريه أجاسي أو سيندي كراوفورد أو (بادي) (كلب البيت الأبيض الذي حمل اسم أحد أعمام الرئيس كلينتون) أو ربما مقابل بائع البيتزا على ناصية الشارع, من الذين يعرف الأمريكيون أو تعرف بطونهم. طبعاً اختيار مدير عام شركة كمبيوتر كشخصية عام وتفضيله على عشرات من رؤساء الدول والسياسيين والأدباء والفنانين والرياضيين وغيرهم من الذين تضج بهم شاشات التلفزيون وصفحات الصحف كل يوم, يدل على أن في العالم شخصيات أكثر تأثيرا وإن قبعت في الظل, وأن أعمالها تفوق في أهميتها وفائدتها آلافا من أعمال السياسيين وغيرهم وإن لم يسمع بها أحد, فتكون جهة الاختيار من ناحية ودقته وموضوعيته من ناحية أخرى عاملين أساسيين عند التقييم, بعيدا عن عوامل الشهرة أو النفوذ أو المال أو السلطة, وهو ما قامت به مجلة (تايم) هذا العام. غير ان في الاختيار نفسه دلالة أخرى لا تغيب عن بال كل مراقب للتغيرات الحيوية عبر العالم, وهي ان الشركات عابرة القارات تتقدم في مواقع النفوذ والسيطرة والتأثير, لا بفعل أموالها فحسب, فعند هذه من أموال ما يفوق دولاً في ميزانياتها, بل بفعل ما تنجزه وتقدمه للبشرية فيصبح جزءًا من نسيجها اليومي, وسواء كان هذا جهاز كمبيوتر أو برنامجا أو لعبة للأطفال أو وجبة سريعة من طراز ماكدونالد أو بيرجر كينج, فنعرف أن هذا هو عصر الشركات, لا عصر الدول. ومع ذلك فهناك دول في عالمنا خاصة الثالث تعتقد أنها مهمة وأن جيشها أهم جيش في العالم وأن اقتصادها أقوى اقتصاد حتى وميزانيتها السنوية لاتزيد على ميزانية قسم من أقسام شركة كجنرال اليكتريك مثلاً, فنقول لهذه: صح النوم, فقد حل عام 98 لولا أن هذه لاتصحو إلا الى نوم جديد.

Email