الصراع لم ينتهِ بعد بل يدخل مرحلة جديدة وخطيرة للغاية

فرقاء الحرب في سوريا أيديهم ملطخة بالدماء

بوتين طرح نفسه كصانع للسلام في سوريا وتجاهل الغرب

ت + ت - الحجم الطبيعي

لخص الرئيس الأميركي باراك أوباما في مؤتمره الصحافي الأخير في البيت الأبيض، الوضع الإنساني المروع في سوريا بعد سقوط معقل المعارضة الأهم، مدينة حلب.

وقال أوباما إنه فيما نتحدث عن ذلك، فإن: «العالم متحد في الشعور بالرعب إزاء الاعتداءات الوحشية، لقد شاهدنا استراتيجية متعمدة من التطويق والحصار وتجويع المدنيين الأبرياء. كما شاهدنا استهدافاً بلا شفقة لعاملين في المجال الإنساني وطواقم طبية وأحياء بأكملها تم تحويلها إلى ركام وغبار».

أما منظمو مساعدات الأمم المتحدة، وعمال الإغاثة، وقادة المجتمع السوري، وأطباء المستشفيات، والدبلوماسيون الأجانب، والصحافيون وكتاب الافتتاحيات، فقد نفدت جعبتهم من النعوت والعبارات التي تصف بشكل واف المدى الكامل للمعاناة التي يعيشها الناس العاديون الذين دمرت حياتهم في السنوات الست للحرب.

وتستمر الإحصاءات التي تخرج من سوريا عموما في صدم العالم: فقد قتل 500 ألف شخص على الأقل، وجرح 1.9 مليون شخص، كما أجبر أكثر من نصف سكان البلاد البالغ عددهم 23 مليون على الفرار من منازلهم.

تقاسم المسؤولية

تلك مأساة على نطاق يصعب تصديقه، ولأن فهمها على درجة كبيرة من الصعوبة، فإن الدفة تميل باتجاه صرف النظر عنها. لكن سوريا وشعبها لا يمكن تجاهلهما، لأن محنة الشعب السوري ما فتئت تزداد سوءاً ليس إلا، ولأنه في عالمنا المعاصر المعولم المرتبط ببعضه بعضاً، فإن المسؤولية يجري تقاسمها.

على المستوى الإنساني، لا يوجد عذر يبرر الجهل بما يحدث، وعلى المستوى الحكومي، فإنه لا مفر من الواجب المشترك في محاولة إيقاف ما يجري.

لكن ما كاد أوباما ينهي تصريحاته حتى تغلب عليه السياسي الكامن داخله، فقال: «تقع المسؤولية عن هذه الوحشية في مكان واحد فقط، على نظام الأسد وحليفيه روسيا وإيران. وهذه الدماء والفظاعات تلطخ أياديهم».

لكن من المريح جداً تحميل المسؤولية على الغير فقط. ويجب أن يأخذ أوباما قسطا من اللوم، لتجاهله الخطوط الحمراء، ولتشكيله فراغاً استراتيجياً عبره بوتين بشكل انتهازي. كذلك، يقع قسط من اللوم على الكونغرس الأميركي الذي عارض أي تدخل عسكري سوري له معنى، مما أوثق يدي أوباما غير المستعدتين للتدخل أصلاً.

حكومة بريطانيا ونوابها، كذلك نظراؤهم الأوروبيون لديهم أيضا سبب وجيه ليسألوا انفسهم عما إذا كانوا قد وفوا بمسؤولياتهم الأوسع نطاقا كحراس وممثلين للنظام والقانون الدوليين. بدرجات متفاوتة، فإن الجميع في سوريا ملطخة أيديهم بالدماء.

نقطتا اشتعال

كل ذلك يشكل مسألة حزن وأسف هائلين. لكن في الحقيقة، هناك القليل من الوقت لتبادل الاتهامات بالنظر إلى الماضي. وبرغم كل ما يقوله الأسد، فإن الحرب لم تنته، بل تدخل مرحلة جديدة خطيرة للغاية. نقطة الاشتعال المحتملة التالية هي محافظة إدلب، حيث يعيد مقاتلو حلب تجميع صفوفهم.

فإدلب هي قاعدة المتشددين المرتبطين بالقاعدة. وبعد أن وقعت قوات المعارضة الأكثر اعتدالا والمدعومة من الغرب في حالة من الفوضى، فإن هناك خطراً فعلياً كبيراً من تحول الصراع إلى صراع طائفي حصيلته لا ربح ولا خسارة.

ثم هناك نقطة اشتعال ثانية قد تكون في مرتفعات الجولان السورية المطلة على فلسطين المحتلة. وقد أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي المولع بالقتال، بنيامين نتنياهو تحذيراته أخيرا، لكن احتمال انتشار حزب الله بالقرب من إسرائيل، ومع كل ما يعنيه ذلك لبرميل البارود الفلسطيني أمر لا يمكن تجاهله.

ونتنياهو لن يتجاهله. وعندما يلتقي بالرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب وفريقه الأمني المؤيد لإسرائيل في واشنطن، فإن نتنياهو من دون شك سوف يسلط الضوء على ذلك.

الجانب الثالث هو دبلوماسي، ويتعلق بمحاولة روسيا تولي مفاوضات السلام التي كانت تشرف عليها حتى الآن الأمم المتحدة، وتدفع بها إلى حد كبير الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ويسلط إعلان بوتين الأحادي الجانب عن محادثات لوقف اطلاق النار في كازاخستان أخيرا، برعاية مشتركة من جانب تركيا، وباستبعاد القوى الغربية، الضوء على طموحه المتمثل في رفع روسيا إلى الوسيط الرئيسي في الشرق الأوسط، وتهميش الولايات المتحدة وأوروبا.

استغلال الحرب

من المؤكد أن عناد الأسد يقع في قلب هذه الكارثة. وقد استغلت روسيا، بقيادة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الحرب لأهدافها الخاصة منذ تدخلها عسكرياً في عام 2014. وسعى بوتين لدعم الحليف العربي المهم الوحيد لموسكو، وأمـّن قواعد بحرية وجوية روسية في سوريا.

كما سعى إلى استعادة القوة والنفوذ لأيام الحقبة السوفييتية في منطقة الشرق الأوسط. وهدف إلى تطويق الرئيس الأميركي باراك أوباما، والحد من تجاوزات متشددي تنظيم «داعش»، الذين تهدد أيديولوجيتهم المشوهة روسيا كما تهدد الغرب.

Email