واشنطن تعود إلى استراتيجية احتواء موسكو مجدداً

العلاقات الأميركية الروسية في أدنى مستوياتها

القوة الروسية تفتقر إلى الأمان ويقودها ضعفها الداخلي

ت + ت - الحجم الطبيعي

وصلت العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا إلى أدنى مستوياتها على مدى 30 عاماً، ولم يسبق أن كانت العلاقات بين البلدين بهذا السوء منذ أن استهل الرئيسان الأميركي رونالد ريغان والسوفييتي ميخائيل غورباتشوف جهودهما لإنهاء الحرب الباردة.

فقد أعلن مدير الاستخبارات الأميركية الجنرال جيمس كلابر، أخيرا، أن «كبار المسؤولين» في الكرملين أذنوا لقراصنة باختراق البريد الإلكتروني لأفراد ومؤسسات أميركية للتدخل في العملية الانتخابية. جاء ذلك بعد قرار لوزير الخارجية الأميركي جون كيري بوقف جهد ثنائي للتفاوض على إنهاء القتال الوحشي في سوريا، واتهاماته بأن العمليات العسكرية الروسية في حلب تصل إلى مستوى جرائم حرب.

وفي المقابل، أنهى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مشاركته في الاتفاق القاضي بالتخلص من البلوتونيوم المستخدم في الأسلحة مع الولايات المتحدة. ثم قامت موسكو بشحن منظومات صاروخية بقدرات نووية إلى كاليننغراد، وحشرتها بين بولندا ودول البلطيق، مما شكل تهديداً مباشراً لحلفاء أميركا الأكثر انكشافا وعرضة للخطر في حلف شمالي الأطلسي «الناتو». كل هذا يدل على مدى تدهور العلاقات بين البلدين منذ ضم شبه جزيرة القرم وغزو أوكرانيا في أوائل عام 2014. وحتى الآن، لم تخرج واشنطن ولا حلفاؤها الأوربيون برد متماسك.

اتخذ حلف شمالي الأطلسي «الناتو» بعض الخطوات لتعزيز الدفاع عن حلفائه في الشرق، وباشرت الدول الأوروبية في الحلف بعكس التراجع في الإنفاق الذي دام لعقد من الزمن على الدفاع والقدرات الدفاعية. كما انضمت الولايات المتحدة وكندا إلى الاتحاد الأوروبي في فرض عقوبات على روسيا، بعد غزو أوكرانيا وإسقاط طائرة ماليزية في يوليو 2014.

غياب الاستراتيجية

لكن كل هذا لا يصل إلى استراتيجية متماسكة. ويوجد كثيرون في أوروبا تحديداً ممن يعتقدون بأن المشاركة السياسية والاقتصادية إلى جانب ضبط النفس عسكرياً سيؤديان بموسكو في النهاية إلى اتخاذ مواقف أكثر إيجابية. وكانت محاولة دمج روسيا في النظام الغربي تجربة جديرة بالاهتمام، إلا أنها فشلت. فالاندماج هو خوف بوتين الأكبر، لأن من شأنه أن يقوض سيطرته على النظام في روسيا. ومثل أسلافه من العهد السوفييتي، يحتاج إلى عداء الغرب لحماية مركزه في الداخل. فماذا، إذن، من شأنه أن يشكل رداً فعالاً على التصرفات الروسية؟ الإجابة عن ذلك تكمن في استراتيجية الاحتواء.

ما زال النقاش اليوم إلى حد كبير كما كان بالأمس. يقول البعض إننا بحاجة إلى معارضة روسيا في كل مكان تتجلى فيه قوتها، في أوكرانيا وسوريا وفي الفضاء السيبراني، فيما يقول آخرون إننا بحاجة إلى تعزيز حلف الناتو واستغلال تدهور الاقتصاد الروسي، وغياب جاذبية روسيا الأيديولوجية في الخارج.

احتواء طويل الأمد

اليوم كما الأمس، يجب أن يكون الاحتواء استراتيجية طويلة الأمد، تكمن استدامته بشكل افضل من خلال التأكيد على نقاط القوة الغربية ونقاط الضعف الروسية. وحدة الغرب هي جوهر قوتنا. وهذا هو السبب في أن الرئيس الأميركي باراك أوباما وغيره من قادة حلف الناتو كانوا على حق في الرد على غزو أوكرانيا بتعزيز دفاعات الحلف، أما الضعف الأكبر لروسيا فهو اقتصادها، الذي يعتمد كما هي الحال على استخراج الموارد، وبالتالي، نظام قوي من العقوبات سوف يؤذي موسكو.

ويتعين علينا أن نعترف بأن روسيا قوة تفتقر إلى الشعور بالأمان، ويقودها ضعفها الداخلي. وقد استغرق الاحتواء 40 عاما لإحداث تغيير في السلوك السوفييتي، وانهيار الاتحاد السوفييتي في النهاية. روسيا هي أضعف بكثير الآن مما كان عليه الاتحاد السوفييتي آنذاك، لكن سيستغرق أيضا تغيير الطريقة التي تتصرف بها سنوات عدة. وكما في ذلك الوقت، فإن الاحتواء يتطلب الصبر والثبات لتحقيق النجاح.

النقاش يتكرر

في عام 1946، جادل الدبلوماسي الأميركي جورج كينان بأن الاحتواء يشكل الرد الضروري على نظام سوفييتي يندفع نحو التوسع الخارجي بسبب نقاط ضعفه الداخلية. وقال كينان إن الضغط الخارجي سوف يفضي في النهاية إلى التغيير الداخلي الضروري لتعديل السلوك السوفييتي الخارجي.

خلال الحرب الباردة، كان السؤال الكبير بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها هو إما معارضة التوسع أينما وحيثما وقع، أو عزل موسكو دبلوماسياً واقتصادياً مع تعزيز حماية المصالح الأميركية في أوروبا وآسيا.

Email